شبكة النبأ: (إذا أردتم أن تعرفوا سيرة الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف فانظروا إلى سيرة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
أثبت التاريخ بما لا يرقى إلى الشك، بأن منهج أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هو منهج اللاعنف بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، وقد أخذوا هذا المنهج من جدّهم الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وعن أستاذهم في منهج اللاعنف الإمام علي (عليه السلام)، وكل محاولات التشويه والتضليل التي اختلقها أعداء الأئمة (عليهم السلام) ذهبت أدراج الريح، واعترف القاصي والداني بحقيقة هذه المدرسة الإنسانية الأعظم.
ولطالما حاول الأعداء إبعاد منهج السلم عن الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، وحاولوا أن يلصقوا به أقاصيص العنف والترهيب، وهي محاولات بائسة سرعان ما تفندّها الأحاديث والروايات الشريفة المسنودة من جميع الأطراف، وقد ثبت ذلك من خلال التطابق التام بين سيرتيّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وسيرة الإمام الحجة المنتظَر (عجل الله فرجه الشريف)، وهو تطابق مشهود في كيفية التعاطي مع الأصدقاء والأعداء، وفي طريقة العيش وأسلوب الحياة.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، أكد على قضية التطابق المذكور أعلاه عندما قال في إحدى محاضراته القيّمة:
(إن الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) يسير بسيرة جدّه أمير المؤمنين سلام الله عليهما) وقد روي عن الإمام الصادق سلام الله عليه أنّه قال: إنّ قائمنا أهل البيت عليهم السلام إذا قام لبس ثياب عليّ عليه السلام وسار بسيرة أمير المؤمنين عليّ عليه السلام).
إن سيرة الإمام الحجة (عجل الله فرجه الشريف) مطابِقة لسيرة جده الإمام علي (عليه السلام)، لدرجة أن غير العارف بسيرة الإمام الحجة يمكنه ذلك من خلال مراجعته لصفحات التاريخ، وما دونته عن سيرة الإمام علي، فهذه السيرة الواضحة الجلية مصدر فخر للبشرية جمعاء، لما تحلّت به من منهج مسالم، يجنح نحو السلام حتى في أعظم مواقف القوة.
فالإمام علي (عليه السلام) لم يلجأ إلى العنف إلا إذا استنفذ جميع وسائل النصح للطرف المقابل، ولم يلجأ للقوة إلا إذا كانت بعنوان الدفاع عن النفس، وهذا يعني أن منهج اللاعنف والسلام وتفضيل الحوار، بدأن من المدرسة العلوية، وأخذها عنه أئمة أهل البيت من أولاده وأحفاده (عليهم السلام) وهكذا هي سيرة الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف).
تتويج قيم العفو والصفح
لقد دوّن علماء وكتاب وباحثون من الشيعة والسنة ومن أديان أخرى هذه السيرة البيضاء، دونوها بأحرف من نور، وثبتوا الحق فيها، وأظهروا الابتعاد التام عن الخشونة في التعامل مع الأعداء والاصدقاء على حد سواء، وتتويج قيم العفو والصفح والتسامح على رأس القيم الفاضلة التي تبعد الناس عن لغة الحروب والصدامات، فكانت السيرة المهدوية مشابهة للسيرة العلوية في لا عنفها وسلامها وقيمها الرحيمة الشاملة للجميع.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إذا أردتم أن تعرفوا سيرة الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف في التعامل مع الأصدقاء والأعداء فانظروا إلى سيرة الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه. فهذا تاريخه صلوات الله عليه بين أيديكم دوّنه الشيعة والسنّة والنصارى واليهود وغيرهم في صفحات مشرقة).
لماذا يحتاج الناس اليوم في كل مكان إلى نموذج سيرة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، إن الحاجة لهذه السيرة المسالمة وغير العنيفة، تأتي من واقع الحال الذي تعيشه البشرية، من خشونة وتصادم وحروب، وتراجع للسلام والحوار، هكذا يحتاج الناس إلى النموذج المسالم، وهو ما يجدونه في السيرتين العلوية والمهدوية، فكلاهما عليهما السلام تمتلئ سيرتهما بمنهج السلام والصفح والمسامحة.
وهكذا كان الإمام علي (عليه السلام) لا يبدأ خصمه بالحرب، ولا يقترب من المشاحنة، بل يدعو ألدّ أعدائه إلى المسالمة والمصالحة ويتعامل معه باللين والعفو والصفح، وهذا يؤكده التاريخ والأحاديث والروايات الشريفة المسنودة، فالإمام علي (عليه السلام)، رغم قوته وموقفه المنبثق من الحق يسعى لدرء القتال، ويبتعد عن منهج العنف بأقصى ما يمكن.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد هذه السيرة الرحيمة في قوله:
(لقد كان أمير المؤمنين سلام الله عليه يدفع مَن ناهضه وبارزه بالنصح والموعظة ما أمكن، وكان يسعى للحؤول دون وقوع الحرب وإراقة الدماء، سواء عن طريق المواعظ الفردية والجماعية أو غيرها.. ولكن إذا وصل الأمر بالطرف الآخر أن يهجم ويريد القتال قام الإمام بدور الدفاع لا أكثر، ولكن ما إن يتراجع الخصم أو ينهزم حتّى يتوقّف الإمام عن ملاحقته ولا يسعى للانتقام منه).
ومما يؤكده التاريخ والأحاديث الشريفة، أن الإمام علي (عليه السلام) كان مدعوما بشكل مباشر من قائد المسلمين الأعلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، ويضع الثقة التامة والدعم التام والمبارك، إلا أن الإمام (عليه السلام) لم يندفع باتجاه العنف، ولم يسفك الدماء، بل لم يحاول أن يأسر محاربا واحدا من الأعداء رغم أنه قائد المسلمين.
سيرة النصح والإرشاد والسلام
فكل معالم السلم والابتعاد عن العنف نجدها ملاصقة لسيرة الإمام علي (عليه السلام)، حتى ما يتعلق بقوانين مصادرة الأموال العينية والنقدية لم يكن معمولا به بشكل مطلق في حكومة الإمام (عليه السلام)، بل كان النصح والإرشاد والذهاب إلى السلم وكبح العنف هو المنهج الأول والأفضل لحكومة الإمام (عليه السلام)، وهذا ما ذكره التاريخ بغض النظر عن الكاتب سواء كان من الشيعة أو السنة أو يهوديا أو مسيحيا.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(ومع أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله يصرّح له بالقول: (يا عليّ حربك حربي وسلمك سلمي)، نلاحظ أنّ الإمام سلام الله عليه لم يأسر حتّى فرداً واحداً من أعدائه، ولا صادر أو سمح لأصحابه بمصادرة أيّ شيء من أموال الخصم وإن كان ذلك الشيء رخيصاً أو عديم الثمن).
وهكذا يأخذ الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) عن جده، حياة الزهد المدعومة بالمنهج الجانح نحو السلام دائما، فلا يرتدي الحلل الثمينة أو المزركشة وإن كان يمتلك كل شيء في هذه الدنيا من أموال وسواها، ولا يقرب الظواهر والشكليات المادية، بل يحرص على حياة الزهد المأخوذ من مدرسة جده الإمام علي (عليه السلام).
وحينما يمتزج السلم بالزهد، سوف يكون هناك منهج عظيم يعيش من خلاله الجميع في رخاء وأمن واطمئنان، بعيدا عن النزاعات والصراعات والأزمات، وهو ما يوجد في سيرة الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف)، حيث الناس تعيش في ظلال الرحمة والأمن والسلام والتآلف والانسجام، بعد أن يتم إقصاء منهج العنف والتعنيف بشكل تام.
الزهد والسلم يتحدان في منهج واحد، وهذا من مخرجات المدرسة العلوية الخالدة، حيث تتشابه السيرتان، سيرة الإمام المهدي وسيرة الإمام علي (عليهما السلام).
سماحة المرجع الشيرازي يؤكد ذلك في هذا القول:
(فهو عجل الله تعالى فرجه الشريف لا يرتدي طيلة عهده الشريف والمبارك حتّى حلّة ثمينة واحدة مع أنّ الله تعالى يملّكه الدنيا وما فيها. فكلّ شيء في الوجود هو من أجل المعصومين سلام الله عليهم - كما في حديث الكساء الشريف - ولكنّهم يزهدون عنها، ويعيشون في بساطة كسائر الناس العاديين بل أبسط).
هكذا نحن كمسلمين بحاجة إلى منهج الإمام الحجة المنتظر (عجل الله فرجه الشريف)، بل العالم كله بحاجة ماسّة إلى هذا المنهج القائم على السلم، حيث يختنق عالمنا بالمشاحنات ويغصّ بالحروب وينوء بالأزمات المتلاحقة، والسبب دائما هو الابتعاد عن السلم والوئام ومنهج السلام الذي سار فيه أئمة أهل البيت جميعا، وما على الإنسان سوى العودة إلى هذا النبع الصافي من الرحمة والعفو والصفح والسلام.