(إن مسؤولية الشباب المؤمنون أكبر، والفتيات المؤمنات، لأنّ طاقتهم أكبر) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
مقدمات الوجود يحتاجها الناس لكي تنتظم حياتهم في إطار جيد من القيم والقواعد الاجتماعية والدينية، ولابد للمجتمع أن يقدّم لوجوده من خلال الوعي والعمل الحثيث على ترصين الأخلاقيات والضوابط التي تنظم العلاقات الاجتماعية الداخلية، أي بين أفرد المجتمع أنفسهم، والخارجية حيث العلاقات المتبادلة مع المجتمعات الأخرى.
ونظرا لأهمية هذا الهدف الكبير والحاجة الملحّة له بالنسبة لنشاطات وحياة المجتمع، فإن هذه الأهمية القصوى توجب مشاركة الجميع في تحقيق هذا الهدف، فليس هناك فرد من المجتمع مستثنى من تحقيق مقدمات الوجود، وتحسين جودة الحياة، ومواكبة مستجدات العصر سواء في الصناعة أو الزراعة أو العلم أو الثقافة والطب وغير ذلك.
كل هذه المجالات يجب أن يسعى إلى إنجازها أفراد المجتمع الواحد، وذلك من خلال تحمل المسؤولية في الإصلاح، سواء ما يتعلق بالأفراد أو الجماعات، ومن كلا الجنسين، فالمرأة مشمولة أيضا بتحمل هذه المسؤولية، لأن صناعة المجتمع المستقر الناجح تحتاج جهود الجميع بلا استثناء، حتى يتم ضمان الهدف المطلوب والمحدَّد.
هذه المسؤولية في حال تصدى لها المجتمع بالمشاركة الجماعية، فسوف تكون هناك منافسة شاملة لتحقيق الخير والنفع الخاص والعام، أي أن الفرد يتنافس مع الآخرين ليس لتحصيل هدف فردي أناني فقط، وإنما يسعى بشكل جماعي ومسؤولية جماعية لتطوير نفسه وقدراته بما يخدم المجتمع كله.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة:
(إنّ الكل مسؤول، كلّ بنسبته، وكلّ بحسبه. فحسب الاصطلاح العلمي، على الكل أن يرتّبوا مقدّمات الوجود، حتى يصل البشر، وبالخصوص المسلمون، إلى التنافس في الخير وفي الفضيلة وفي الأخلاق).
هذا السعي الجماعي نحو الإصلاح يجب أن يكون ذا نزعة ذاتية، أي أن يبدأ من الإنسان المصلح نفسه أو الذي يدعو للإصلاح، بهذا المعنى فإن الفرد الداعي للإصلاح يجب أن يكون جديرا بهذه المهمة، ولكن كيف يكون قادرا وجديرا بإصلاح الآخرين؟، الجواب يجب أن يبدأ بنفسه، وأن يضمن الآخرون بأنه أصلح نفسه بالفعل.
فاقد الشيء لا يعطيه
حينئذ يمكن أن يثق به الجميع كمصلح، ومن الممكن جدا أن يستمعوا له ولمواعظه ولنصائحه، أما إذا حدث العكس، أي إذا كان الفرد يعاني من نواقص في تصرفاته وأفكاره ودينه، فإنه في هذه الحالة غير مؤهل لكي يصلح الناس، لماذا؟
لأنه هو نفسه يعاني من مشكلات إصلاحية للنفس والسلوك والأفكار، لهذا لا يمكنه أن يصلح الآخرين استنادا إلى القاعدة أو المقولة المعروفة والدقيقة (فاقد الشيء لا يعطيه)، فمن لم يصلح نفسه لا يمكنه أن يصلح الآخرين قطّ.
لذا على الجميع المشاركة بهذه العملية المهمة والصعبة، وعلى الجميع أيضا أن يؤمن ويفهم بأن الإصلاح يجب أن يبدأ بالنفس، وأن يشارك فيه الجميع كل حسب مقدرته ومؤهلاته.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
إن مسؤولية الإصلاح تقع على الكل (فكلٌ يبدأ من نفسه، وكل يبدأ من داره، وكل يبدأ من عائلته، ومن محلّته، ومن قريته ومن مدينته. وهذا أمر من القرآن الحكيم، وليس مجرّد اقتراح).
ومع أن الجميع يجب أن يشارك في مقدمات الوجود، إلا أن هنالك تباين في حجم المسؤولية والدور الذي يجب أن يقوم به الفرد تجاه هذه المهمة، فمثلا الشباب يكون دورهم أكبر وأوسع لأنهم يمتلكون قدرة التحرك والنشاط بصورة أفضل، كما أنهم شريحة واسعة ومؤثرة، فالشباب المؤمن والشابات المؤمنات، هؤلاء جميعا تقع عليهم مهمة كبيرة في الإصلاح والترتيب في قضية إنجاز مقدمات الوجود وتطوير المجتمع.
على أن يتم التحرك في جميع الأمكنة والميادين، مثلا في الدراسة، أو ساحات العمل، أو في التدريب أو في أي مكان يتواجد فيه الشباب، فإنهم مؤثرون على غيرهم، ويمكنهم إقناع الآخر بالأفكار والتوجهات الجيدة التي تسهم في بناء المجتمع، ولا يستثنى شاب عن آخر، ولا شابة عن أخرى من هذه المهمة، فالكل يقع عليه دور الإصلاح الذي ينقذ الناس من الجهل والضلال والانحراف، وبالتالي هذه المهمة الكبيرة تحتاج إلى مساع هائلة في كل مكان يمكن أن يصل إليه ويتواجد فيه الشباب.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:
(إن مسؤولية الشباب المؤمنون أكبر، والفتيات المؤمنات، لأنّ طاقتهم أكبر، ولأنّه في إمكانهم ترتيب مقدّمات الوجود أكثر من غيرهم. أي الشباب على جميع الأصعدة، في الجامعات والأسواق، والطلبة والطالبات، وشباب العشائر، وكذلك الفتيات، في كل مكان، في البيوت، وغيرها).
خلق أجواء المنافسة بين الشباب
القضية الأهم هنا أن يتم خلق أجواء من المنافسة بين الشباب على عمل الفضيلة ونشرها، والسعي إلى نقل تجارب هؤلاء الشباب إلى غيرهم، لا سيما الفتيات المؤمنات، فهن يمتلكن القدرة على التأثير والمساهمة الفعالة، ونشر التجارب والخبرات إلى غيرهن، ولكن يجب أن تتم قبل ذلك عملية التأثير في الأخريات، وإقناعهن بأن الإصلاح هو الذي ينقذ الفتيات والشباب وينقذ المجتمع برمته من أزماته ومشكلاته.
لهذا لابد من خلق هذه الروح التنافسية في الفضيلة، وحب الخير، والقيم المؤثرة الفعالة، وهناك سبل كثيرة لانجاز هذا الهدف، فكما هو ملاحَظ في واقعنا الراهن، هناك بنية ضعيفة جدا نعاني منها ونقصد ضعف الشباب أمام الثقافات الوافدة، وتأثرهم بالأفكار المنحرفة، وهذا يقودهم نحو الرذيلة ويبعدهم عن الفضيلة، فنخسر هؤلاء الشباب ويربحهم المعادون لنا.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(الفتاة المؤمنة والمرأة المؤمنة هي دنيا من الطاقة. وهكذا هو أيضاً الشاب المؤمن، والرجل المؤمن. فيحاول كل واحد أن يتنافس في الفضيلة وفي الأخلاق، وفي تنمية الفضيلة، وتصعيد الفضيلة، وينمّي نفسه أكثر ممن يعيش معهم. وهكذا بالنسبة لغيره وغيره).
وهناك نتيجة منطقة ينتظرها المجتمع الساعي إلى تهيئة مقدمات الوجود بشكلها الصحيح، فغذا شارك الجميع كل حسب قدراته ومعرفته ومؤهلاته، وتحمل الكل مسؤولياتهم في هذا الجانب، فإن النتائج سوف تكون مضمونة، والتقدم التدريجي في جميع المجالات سوف يكون حقيقة ملموسة وليس أحلاما أو تمنيات، كما يحدث في بعض المجتمعات الخاملة.
فهناك قيادات تستغفل شعوبها وشبابها بالتمنيات والشعارات البراقة، وهذا النوع من القيادات والنخب ليس هدفهم تهيئة مقدمات الوجود وتطوير المجتمع، وإنما أهدافهم ذاتية شخصية بحتة، لذا يجب أن يعتمد الشباب على أنفسهم في خلق الأجواء الملائمة لتطوّر المجتمع سياسيا وثقافيا واقتصاديا وفي كل المجالات الأخرى.
أما الحريات فيجب أن تكون في المقدمة، وحمايتها يجب أن تكون هدفا للجميع لأنها هي القاعدة التي ينطلق منها الشباب والمجتمع لتحقيق التطور المنشود.
يختم سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) كلمته بالقول:
(إذا حاول الكل في تهيئة مقدّمات الوجود لذلك، فستصلح البلاد شيئاً فشيئاً، وشيئاً فشيئاً يكون البلد في تقدّم في الاقتصاد وفي السياسة وفي الحريّة وفي الصحّة، وفي الفضائل، وفي الزواج). وفي جميع مجالات الحياة.
هكذا يمكن أن يكون دور الشاب فاعلا وحاسما وحيويا، وهكذا يمكن أن ينتقل المجتمع من حالة الخمول إلى الحركة الفاعلة، وهكذا يمكن أن يكون التنافس على الأخلاق والفضيلة طريقة ضامنة لتقدم المجتمع، وجعله قادرا على السير بموازاة المجتمعات والأمم الرصينة المتقدمة.