شبكة النبأ: تعيش الأمة الإسلامية في هذه الأيام الخوالد، ذكرى استشهاد الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله، ومع هذه الأيام يستذكر المسلمون هذه السيرة العطرة العظيمة، التي توزّعت على السياسة والعلم والأخلاق وكل مجالات الحياة الأخرى، حيث المثال النظري والتطبيقي يتمثّل في أفكار وأعمال الرسول صلى الله عليه وآله, التي تتجسّد كأفعال قائمة على الأرض، حيث يتطابق فعل الحاكم مع قوله، وليس كما يحدث الآن مع معظم قادة المسلمين حيث يختلف القول مع الفعل، ويفشل الحاكم بسبب ضعف إيمانه وجشع نفسه في إدارة الدولة والسلطة.
لهذا في مثل هذه الأيام، علينا أن نستذكر الإدارة النبوية الحكيمة لدولة الإسلام، ونستقي منها المثال والنموذج الأفضل، يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في إحدى محاضراته القيّمة: نعيش هذه الأيام (ذكرى استشهاد النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله، وكذلك ـ على قولٍ ـ ذكرى استشهاد السبط الأول الإمام الحسن المجتبى سلام الله عليه، كما يصادف آخر هذا الشهر ذكرى استشهاد الإمام الرضا سلام الله عليه. لقد استشهد المعصومون من آل البيت سلام الله عليهم جميعاً، حتى النبي صلّى الله عليه وآله قضى شهيداً، ولقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى: «وما مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ). ويضيف سماحة المرجع الشيرازي قائلاً ومشيراً إلى نقطة مهمة: (أشير في المناسبة إلى نقطة واحدة أقف عندها قليلاً، وهي قضية التأسّي برسول الله صلّى الله عليه وآله. قال الله تعالى في كتابه الكريم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). ومعنى هذه الآية بعبارة بسيطة: أن تعلّموا أيها المسلمون من النبي صلّى الله عليه وآله كل شيء في حياتكم، واقتفوا أثره في كل ما كان يفعل في حياته. فمثلاً: انظروا كيفية صلاته وتعلّموا منه كيف تصلّون، وهكذا كيفية صيامه وحجّه وجهاده وحربه وسلمه، وتعامله مع أهله وذويه، وعلاقاته مع الناس، وتعاملاته التجارية والدولية، والسياسية والاقتصادية والاجتماعية, وهكذا سائر أموره في حياته. فالأسوة يعني المُقتدى).
اُسوة للجميع
لم يكن النبيّ صلى الله عليه وآله, حكراً على جماعة أو فئة دون غيرها، بل هو مثال المسلمين وحصّتهم جميعاً، لذلك تشير الأسانيد في النصوص القرآنية المباركة، إلى هذه النقطة المهمّة جدّاً، حيث نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (إن الآية لم تجعل من النبي صلّى الله عليه وآله أسوة لفئة خاصة، بل قالت «لكم» أي لكل المسلمين، فشملت العالم والكاسب والموظّف والمعلم والتلميذ ورجل الدولة والمواطن، والرجل والمرأة، والغني والفقير، والمريض والمعافى، والطبيب والمهندس، ومن يقيم المجالس أو يدفع الأموال لإقامتها أو يجمع الأموال لها، أو يشترك فيها متحدّثاً أو مستمعاً).
لذا على الجميع أن يطّلعوا على السيرة النبوية، ويتمثّلوها جيّداً لاسيما فئة الشباب، من أجل الإسهام الفعّال في بناء دولة العدالة التي تحمي الحقوق والحريّات للجميع، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الخصوص بمحاضرته المذكورة نفسها: (جاء في التاريخ وفي الروايات الكثير الكثير من السيرة العطرة للنبي المصطفى صلّى الله عليه وآله، وإن وصيّتي للجميع ولا سيما الشباب الأعزّاء أن يطالعوا بأنفسهم تاريخ نبيّهم صلّى الله عليه وآله والكتب في هذا المجال في متناول الجميع).
علما أن التمثّل والتأسّي لا يقتصر على جانب دون غيره، بل أخذ النموذج كاملاً في جميع ما تنطوي عليه سيرته العظيمة من دروس وعبر خالدة، لذا ينصح بل يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي، على الجميع لاسيما الشباب قائلاً لهم: (لنصمم على العمل بهذه الآية الكريمة، التي أمرتنا بالتأسّي برسول الله صلّى الله عليه وآله، ولنتخذ منه صلّى الله عليه وآله أسوةً في حياتنا حقّاً، ولنتأسّ به في جميع الأمور ولا سيما بأخلاقه صلّى الله عليه وآله، فلقد أمرنا الله تعالى في هذه الآية أن نتأسى برسوله صلّى الله عليه وآله في كل شيءٍ، ووصفه بأنه الأحسن في كلّ شيء، وأنه سبحانه أثنى عليه صلّى الله عليه وآله في آية أخرى ثناءً خاصّاً، وذلك في قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ).
أخلاقيات الحاكم وحكومته
وهناك عامل مهم وخطير في بناء دولة العدالة، يتمثّل بالأخلاق ونشر العدالة كسلوك بين جميع أفراد ومكوّنات المجتمع، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال المهم: (لقد بُعث رسول الله صلّى الله عليه وآله يبلّغ الناس الإسلام وهو رسالة شاملة لكل شؤون الحياة، ولكنا مع ذلك نسمع أنه صلّى الله عليه وآله قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ولم يبلغنا أنه قال: إنما بعثت للصلاة أو الصوم والحجّ والخمس وغيرها من التشريعات والعقائد مع أنه صلّى الله عليه وآله هو الذي أتى بها من قبل الله عزّ وجلّ. ولئن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على أهمية الأخلاق في الإسلام؛ فكأنه صلّى الله عليه وآله يقول تتلخص بعثتي في مكارم الأخلاق وهي الغاية).
إنّ الأخلاق عمود العدل والداعم الأمثل والأكبر لبناء دولة العدالة، ولهذا ركّز النبي صلى الله عليه وآله, ومن بعده قائد الدولة الإسلامية العظيم الإمام عليّ بن أبي طالب عليه السلام، ركّز على قضية الأخلاق في التعامل مع الإنسان أولاً، وفي إدارة شؤون الدولة كافّة، لأن غياب الأخلاق يعني غياب العدل، وبالتالي تهشّم ركائز دولة العدالة، على العكس تماماً فيما لو كانت الأخلاق حاضرة في أفعال وأقوال القائد الأعلى، لأنه النموذج الأفضل والأعلى الذي يتعلّم منه مرؤوسوه الآخرون، حيث يسود العدل وحفظ الحقوق والحريّات المدنية والفردية.
في هذا الجانب يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي، في محاضرته على دور الأخلاق لدى الحاكم، قائلاً سماحته في هذا الخصوص: (لقد حكم النبي صلّى الله عليه وآله وحكم الإمام عليّ سلام الله عليه ولم يحكم معصوم غيرهما من المعصومين الأربعة عشر ـ إلاّ ما سيتحقّق في المستقبل إن شاء الله تعالى من الحكومة العالمية للإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ـ فجسّدا - صلوات الله عليهما وآلهما-الأخلاق في سيرتهما ومنهجهما، وسعد الناس في ظلّهما. ثم انحسر بعدهما الإسلام ومنهجه في الحكم والحياة، ومعه غابت السعادة عن حياة الناس. ورغم مرور أكثر من أربعة عشر قرناً على ذلك التاريخ لم ينعم الناس بعدهما بما نعموا به في ظلّهما. وزاد شقاء الناس يوماً بعد يوم مع ابتعادهم عن الإسلام وترك التأسّي بسيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، حتى عاد ما لا وجود له اليوم هو السعادة، وما متوافر بكثرة هو الشقاء والمشاكل).