شبكة النبأ: (المصير النهائي للإنسان، إما الجنة أو النار) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
تبدأ رحلة الإنسان في لحظة الولادة، وهي تبدو رحلة طويلة وشاقة ومتعبة ومتشعبة، وفيها أسفار ورحلات وأعمال ومعارك وخسارات ومكاسب وأمور أخرى كثيرة، لكن هذه الرحلة تنتهي بالنتيجة ولا تستمر إلى الأبد، تتوقف عند لحظة الموت، عندما تحين تلك اللحظة الرهبة، لحظة قبض الروح، ليتم الإعلان عن نهاية إنسان.
هنا نأتي إلى المحصلة، ما الذي حصده هذا الإنسان من رحلته من الولادة إلى الممات، فهناك نتائج تترتب على رحلة الإنسان هذه، وهذه النتائج محسوبة تبعا للأعمال والأفعال والأقوال والسلوكيات التي تبدر من الإنسان وهو يواصل رحلته نحو الموت، المشكلة أن الإنسان وهو في غمرة الدنيا وموجوداتها ومغرياتها وملذاتها وغنائمها وامتيازاتها، تغيب عنه رؤية النهاية، ولا يحسب أي حساب للنتائج، ونحن نتحدث هنا عن فاقد الإيمان والتقوى.
كثير من الناس وبعضهم من المسؤولين، في الحكومات، أو مؤسسات وشركات ومستشفيات وجامعات ومصانع ومعامل وغير ذلك، كثير من هؤلاء يضيع في دوّامة المغريات، ولا يتنبّه لنتائج الرحلة، لذلك هو لا يفكر في نهاية المشوار، ولا يعنيه المصير كثيرا، ولا يعرف بأن الأجل هو نهاية رحلة الحياة وبداية الآخرة.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ ( يا أبا ذر):
(إنّ الأجل هو اللحظة التي يغادر فيها الإنسان دنياه. فهو بعد طيّ مسيره الدنيوي يصل إلى مصيره الأخروي، وهذه خاصيّة الإنسان، إذ الحيوانات لا (مصير) لها. فالأجل هو أوّل الآخرة وخاتمة الدنيا، وتبدأ عمليّة الحساب بعد الممات مباشرة)..
هناك تسلسل في قضية المراحل التي يمر بها الإنسان عندما يحط رحاله في محطة الموت، وأول المراحل تلك الحفرة التي يتم إعدادها له كي يُدفَن فيها جسمه، وهي التي تسمى بالقبر، وهذه الحفرة يمكن أن تكون خير مسكن لجسد الإنسان بعد موته، ويمكن أن تكون العكس تماما، فأما يكون قبره من فراديس الرحمن، وأما أن يكون ممتلئا بالنيران.
كيف يضمن الإنسان حسن الختام؟
وهذه الحصيلة يعرف الإنسان جيدا كيف وصل إليها، ففي رحلته هنالك مسؤوليات تحملها، فأما قام بها وفق أحكام الشرع وحافظ على حقوق الناس، وحمى حرماتهم من حيث الكرامة الإنسانية، والأموال، والممتلكات وحسن التعامل، والعدل فيما بينهم، إذا أدار مسؤولياته وفق هذه المعايير والقيم فإن حصاده من الدنيا قبرا من فراديس الجنة.
لكن هناك من تأخذ الجنائن المؤقتة للدنيا، فيضيع فيها، ويغفل عن الشرك الذي يُنصَب له، فيأكل حقو الناس، وينتهك حقوقهم وحرمتهم، ويكتنز الأموال بكل الوسائل المحرمة، حتى يفقد بصيرته وبصره وهو محاط بامتيازات ومغريات وملذات الدنيا، فما الذي يحصده مثل هذا الإنسان، خصوصا إذا كان مسؤولا عن حقوق الناس، فبعد مرحلة القبر، هنالك يوم الحساب وهو أشد وأصعب، وفيه يتحدد المصير الأبدي للإنسان، حيث تلي ذلك مرحل الفوز بالجنة، أو السقوط في قعر الجحيم.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(القبر هو المصير الأوّل: (القبر إمّا روضةٌ من رياض الجنّة أو حفرة من حفر النيران). والمصير الذي يلي القبر هو يوم القيامة. أما المصير النهائي فهو إمّا الجنّة أو النار).
ومما يؤكد انغمار الإنسان في ملاهي الدنيا، أنه يكدّ ويتعب ويبذل كل قواه، حتى يحصد المزيد من عطايا دنياه، من الأموال والممتلكات الأخرى، وهذا ما يقع ضمن مسيرة الإنسان وهو يحث الخطى في رحلة العمر، لكنه من الغريب حقا، ينسى أو يتناسى الاستعداد لمراحل ما بعد الدنيا، ومنها كما ذكرنا مرحلة القبر، وتليها مرحلة الحساب، ثم المحصلة النهائية بالجنة أو النار.
فهناك من يقضي دنياه، وسنوات عمره، في اللهو واللهاث وراء الملذات السريعة الزوال، وينسى بأنه سوف يصل في لحظة قادمة إلى نهاية الرحلة الدنيوية، لتبدأ مراحل ما بعد الموت، وهي كلّها أما أن تكون حارقة ومعذِّبة للإنسان، أو أن تكون فردوسا من فراديس الله تعالى، وهذا ما ينبغي أن يحرص عليه جميع البشر وهم يمضون شاءوا أم أبوا إلى نهاية الرحلة الطويلة القصيرة، طويلة باللهو واللغو، وقصيرة بنهاية عمر الإنسان.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(هناك كثير من الناس يبذلون ما يستطيعون من الجهد خلال فترة شبابهم وقوّتهم، ولا يريحون أنفسهم إلا قليلاً، ولكنّهم يضحّون بـ (مسيرهم) لحساب (مصيرهم)، كما أنّ كثيراً من الناس يقضون (مسيرهم) باللهو واللغو ويقولون: ليكن (المصير) ما يكون!!).
ترابط مسير الإنسان بمصيره
وما بين المصير والمسير ترابط لا يمكن الفصل فيه، فالمسير هو الذي ينتهي بالإنسان إلى المصير، ولذا عليه أن يحسن العاقبة، وأن يجعل من مسيره مسلكا صحيحا وقويما نحو مصيره الأمثل، بمعنى عليه أن يضحي اليوم بقضية الانشغال بالمسير الذي يمثل الدنيا وتفاصيلها، وينشغل بالمصير (الأخروي) حيث الحياة الأبدية السعيدة.
بمعنى يمكن للإنسان أن يضحي اليوم بالملاهي السريعة الزائلة، وبالملذات المؤقتة، خصوصا تلك التي تقع خارج الأحكام الشرعية والأخلاقيات والأعراف الماسكة للمجتمع، فهذه التضحية بالمسير الدنيوي، سوف تُكسبه حسن المصير، وهذا هو الفوز الأعظم للإنسان.
ومع ذلك هناك من يضحي بالمصير من أجل المسير الشاغل الزائل، وهذا يدعو للأسف حقا، حيث يبرز التساؤل التالي: لماذا يضحي الإنسان بمصيره الأعظم، مقابل مسير شائك ومخادع وزائف، حيث يبدو مظهره مغريا، لكنه يقود الإنسان إلى رحلة من العذاب والألم.
يقدم سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) مثلا لتقريب هذه الفكرة فيقول:
(إنّ الطفل الذي يعِدُه أبوه بالجائزة إن استحمّ وتنظّف، يدرك على مستواه معنى وضرورة التضحية بالمسير لصالح المصير، أي أنّه يتحمّل إزعاج الاستحمام من أجل الوصول إلى الجائزة الموعودة، إلا أنّ كثيراً من الكبار ـ مع الأسف ـ يضحّي بالمصير من أجل المسير).
لهذا يجدر بالإنسان أن يفكر بطريقة حاسمة وجادة وحازمة، بقضية التصرف المتوازي مع (المسير و المصير)، وعليه أن يفهم تمام الفهم، ويؤمن تمام الإيمان، بأنه يمكنه التخلّص من المراحل القاهرة التي قد يتعرض لها ما بعد نهاية رحلته الدنيوية، فهو يمكن أن يتخلص من عذاب الحفرة، ويمكن أن يقف يوم الحساب بثقة وإيمان واطمئنا، فيما لو كانت أعماله صالحة، وأخيرا سيحصد الفوز بالجنة مقابل ما أعدّه في دنياه لآخرته.
فالنتيجة هي الموت وهذا أمر مفروغ منه، هذه الرحلة التي تسمى العمر سوف تنتهي حتما، لكن ما بعد هذه النهاية سوف تبدأ المراحل العسيرة، وعلى الناس أن يحتاطوا، خصوصا من تقع على عواتقهم حقوق كبيرة للناس كالمسؤولين، وكل الناس عليهم التقيّد بذلك، حتى يفوزوا بجنة الخلد بعد رحلة شاقة وطويلة ومتشابكة هي الدنيا.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(إذا فكّر ابن آدم في عاقبة الأمر وتساءل مع نفسه عمّا سيكون مصيره؛ الجنّة أو النار، حيث مطلق النعيم أو مطلق العذاب والسخط، فإنّه لن يغفل بعد ذلك عن ذكر الله تعالى، ولن تخدعه أمانيه، وسيقول لنفسه: إنّ أولئك الذين قضوا نحبهم كانت لهم آمالهم، الصغير منهم والكبير، ولكنهم رحلوا جميعاً مع أمانيهم وآمالهم).
وهكذا يكون الإنسان معلقا بين الأمل الدنيوي، والأجل الأخروي، وهو وحده من يحصد النتيجة النهائية، وطالما أنه يعرف بالنتائج، فعليه أن يعد العدة لتحقيق ما يضمن مصيره الجيد، ويبعده عن شبح النيران التي تلهب الخائضين في مسالك الحرام بكل أنواعه.