شبكة النبأ: (ما فائدة أن تدعو ابنك لأداء صلاته أوّل الوقت وهو يراك لا تكترث بذلك؟!) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
من القضايا التي تم حسمها بخصوص رِفعة الأمم وارتقائها، دور أهل العلم والمربّين الأفاضل، في تغيير الناس، وذلك من خلال الأساليب التربوية التي يعتمدونها للتأثير في عقول وسلوكيات وقناعات الناس، وفي هذا الجانب يوجد شقّان تربويان، يسير عليهما من يهدف لتغيير الناس، أحدهما يعتمد الوعظ اللفظي، والآخر يعتمد الجانب العملي.
إن هذين الشقّين في التربية والتغيير مطلوبان ومهمان، حيث ثبت دورهما في تطوير الناس، وزرع القيم والأخلاقيات الجيدة في نفوسهم وشخوصهم، ولكن هناك تباين من حيث الأفضلية، حيث تثبت التجربة تفوّق العملي على اللفظي، وهذا يعني بالضبط أن الناس تتأثر بأفعالك أكثر مما تتأثر بأقوالك.
لكن هذا لا يعني أنك يجب أن تكف عن التربية اللفظية، كلا، ليس هذا هو المطلوب، بل تستمر بالأسلوب التربوي اللفظي، ولكن لابد أن تعرف بأن سلوكك وأفعالك التي يراها الناس الذين يتربون على يديك هي أكثر تأثيرا من الوعظ واللفظ والكلام، فلا فائدة من أن تقول الكلام الجيد وتعمل النقيض لهُ.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في كتابه القيّم الموسوم بـ (نحو بناء النفس والمجتمع):
(المسألة المرتبطة بأهل العلم في الغالب - وإنْ كانت عامة أيضاً ولكن بمراتب - هي مسألة التبليغ والدعوة إلى الله تعالى. يقول الإمام الصادق سلام الله عليه: ... (وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً). والزين على درجات ومراحل. فتارة يسعى أحد أهل العلم أن لا يفعل أو يتكلّم ما من شأنه أن يسيء للإسلام، فهذه مرحلة، وهي مرحلة مهمة ولا بد منها).
حين لا يسيء الإنسان للإسلام بالقول أو الفعل، هذا أمر مهم ومطلوب، لكنه يمثل مرحلة أقل من المرحلة التالية الأعلى وهي تتعلق بتأثّر الناس بالعمل الذي تقوم به أمامهم، وليس بما تقوله لهم، أما إذا حدث تناقض بين ما تقول وما تفعل، فهذه هي الطامة الكبرى، حين يلاحظ الناس أنك تمنعهم عن شيء مثلا، وتأتي بمثله، أو لا تلتزم به.
أفضلية الرؤية العملية للتجربة
هناك التركيز على الالتزام العملي أمر محسوم، ومن القضايا المحسومة أيضا ان الناس تتأثر بما تلمسه فعليا وعمليا، أكثر مما يصل إليها عبر الأقوال والكلمات، نعم هنالك تأثير للقول واللفظ لكنه أقل بكثير من الرؤية العملية للتجربة التي تؤثر في الناس بشكل واضح، لذا يطالبنا أئمة أهل البيت عليهم السلام بأن نكون (دعاة للناس بغير ألسنتنا).
ولابد من التأكيد هنا، أن أفضلية التربية بالتجسيد العملي، لا تعني الكف عن تغيير الناس بالقول، وإنما مواصلة ذلك، مع التمسك الشديد بأفضلية التربية العملية النموذجية الفعلية على سواها، لأن الناس تتأثر بالأعمال والأفعال الصالحة أسرع من الأقوال.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(تارة يسعى أحدهم لأن يتصرف بنحو يؤثر في الناس من خلال سلوكه وتعامله مع الآخرين. وهذه مرحلة أعلى، وهي المعنية بقول الإمام سلام الله عليه في رواية صحيحة: (كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم). وهذا لا يعني ترك الدعوة باللسان، بل عدم الاكتفاء بها لأنها مطلوبة أيضاً، ولكن الدعوة بالعمل أفضل منها).
ومما يثبت جدوى التربية العملية، وتفوقها من حيث التأثير في الآخرين، أن الأهل والزملاء والمقربين، حين يلحظون تمسكنا بأداء الصلاة في وقتها المحدد، فإنهم سوف يتمسكون بهذا العمل، حتى لو أننا لا ندعوهم للقيام بهذا العمل، إنهم يرونك تصلي صلاتك في مواقيتها، فلا يوجد داع (لفظي) لهم، لأنهم سيلتزمون طالما وجدوك ملتزما بهذا السلوك.
بالطبع هنالك استثناءات في هذا الجانب، ولكن لا نستطيع أن ننكر الدور الكبير للتأثير العملي بالآخرين، لهذا فإن الدعوة باللسان أقل في تأثيرها من العمل الذي يراه الآخرون فيك، فيلتزمون به، ويؤدونه دونما أن تطلب منهم هذا الشيء.
نجد هذه الظاهرة التربوية بين الكبار الذين تجاوزوا مرحلة الشباب، فما بالك بالشباب أنفسهم، حين يرون أعمالك وأفعالك الصالحة وأنت نموذجهم، فحتما سوف يكون تأثير تربيتك العملية فيهم كبيرا و واضحا و سريعا.
هذا ما أكده سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:
(لو لاحظ ذوونا وزملاؤنا أنّا نسعى لأداء صلواتنا في أوقاتها فإنهم سيلتزمون بذلك في الغالب حتى لو لم ندعهم بألسنتنا. وهذا لا يعني عدم وجود استثناءات ولكن التبليغ العملي والتربية والدعوة من خلال العمل بطبيعتها تؤثر أكثر من الدعوة باللسان آلاف المرات).
وأضاف سماحته حول الموضوع نفسه: (ما فائدة أن تدعو ابنك لأداء صلاته أوّل الوقت وهو يراك لا تكترث بذلك؟!).
ليقرِنْ المربّون أقوالهم بأفعالهم
لذا من المهم جدا، أن يُقرِن المصلحون والمربون والعلماء الأفاضل ما يقولونه للناس بالأفعال التي تؤكد أقوالها، وتتشابه تلك الأعمال والأفعال التي يقومون بها مع ما يقولونه للناس، فهذا سوف يكون ذا تأثير هائل من حيث التربية والتغيير التربوي السليم، وبناء الشخصية المؤمنة المتماسكة والمؤثرة في المجتمع.
وهذا يدل على أن كثرة المواعظ لن تكون ذات فائدة كبيرة مالم تقترن بالتجسيد العملي لها، لذا فإن المجتمعات التي تتألف من شرائح شبابية كبيرة عليها التنبّه إلى هذه القضية التربوية الخطيرة، فإذا كان الشباب يمثلون نسبة عالية من التكوين الاجتماعي، هذا يعني إنهم بحاجة إلى تربية عملية، وإن كانوا بحاجة إلى التربية اللفظية أيضا.
لكن ما يراه الشباب والمراهقون بأعينهم، يؤثر فيهم بشكل مباشر، لاسيما حين تتطابق التربية اللفظية مع الأعمال والأفعال التي يقوم بها المربّي، وهذا يؤكد ميل هؤلاء الشباب ومن يصغرهم، بما يرونه ويلمسونه ويتجسد عمليا أمامهم أكثر من الأقوال وحدها.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد هذه النقطة المهمة فيقول:
(إن الذين عايشوا أشخاصاً اعتقدوا بصلاحهم - لما لاحظوهم يسعون أن لا تختلف أفعالهم عن أقوالهم - هم أفضل في الغالب من الذين استمعوا آلاف المواعظ، دون أن يروا نماذج عملية تجسّدها).
لذا نحن من المطالَبين بأن نقدم التجسيد العملي للتربية الحسنة، وخاصة حمَلَة الرسالة الأخلاقية والدينية، فهؤلاء يقع عليهم العبء الأكبر في تغيير المجتمع، وشهر رمضان فرصة ملهمة لإنجاز هذا الهدف الكبير.
وهذه الدعوة نفسها أطلقها أئمة أهل البيت عليهم السلام، وطالبونا بها، فعلينا الالتزام بها، ولابد من مراعاة الآخرين مثل أنفسنا في الجانب التربوي والتغيير نحو الأفضل، فلا يصح أن تهتم بنفسك وذويك وتترك الآخرين، لأننا جميعا مدعوّين لصنع النموذج التربوي الجيد.
حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(فلنسعَ لتقديم النماذج العملية للناس وهو ما أراده وطلبه منا الأئمة الأطهار سلام الله عليهم أجمعين، ولا يقتصر دورنا في هذا المجال على أنفسنا بل علينا أن نحول دون ابتعاد الناس عن الإسلام وعلماء الدين).
وختاما، التربية العملية لا تلغي التربية اللفظية، ولكن لابد أن يؤمن المسؤولون التربويون بأن الشقّين التربويين المذكورين لهما دورهما في البناء الأخلاقي والديني والتربوي للمجتمع، ومن المستحسَن التركيز أكثر على التجسيد العملي، كونه يسرّع في عملية البناء التربوي الأخلاقي والديني للناس والمجتمع عموما.