المصدر: موقع الإمام الشيرازي
عُرِف المرجع الديني المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي (1347-1422هـ) بآرائه الإصلاحية واهتمامه بالتراث الإسلامي. فيما يتعلق بقضية قبور البقيع، وهي قضية قديمة جديدة، يبرز موقفه عبر الدفاع عن أهمية الحفاظ على الآثار الدينية والتاريخية، معتبرًا إياها جزءً لا يتجزأ من الهوية الإسلامية ومصدرًا للعبرة والهداية.
يرى المرجع الشيرازي الراحل أن قبور البقيع، التي تضم أجساد أئمة للمسلمين؛ وهم أبناء نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله)، وزوجاته، وأصحابه، تمثل رمزًا مقدسًا وتراثًا عظيمًا يجب إعادة إعماره. في كلماته عن البقيع، يبين البركات العظيمة لمن دفن فيها، مشيرًا إلى أن الآثار تحمل في طياتها ذكرى وتذكيرًا، وعبرة واعتبارًا، وقوة جذب وتأثير. ويستند في ذلك إلى نصوص قرآنية مثل قوله تعالى: "وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ" (الصافات: 137-138)، وقوله: "وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ" (الحجر: 76)، ليؤكد أن الشرع الإسلامي يشجع على النظر إلى الآثار والاستفادة منها.
وينتقد المرجع الشيرازي الراحل بشدة هدم تلك القبور التي في البقيع تحت ذريعة توسيع المسجد النبوي، واصفًا ذلك بأنه عمل "غير عقلائي وغير شرعي"، بل و"تضييع للتراث الإسلامي والتاريخي". ويضيف أن هذه الآثار ليست مجرد حجارة أو ذكريات مادية، بل لها دلالات إنسانية وروحية، وتمثل مقومات للهداية. ويقارن ذلك بحفاظ العالم على آثار أخرى مثل الأهرامات في مصر أو مواضع تاريخية مرتبطة بالأنبياء كموسى وإبراهيم (عليهما السلام)، متسائلًا: إذا كانت آثار العذاب محفوظة للعبرة، فكيف بآثار الصالحين والنبي وأهل بيته (عليهم السلام)؟
ويذهب قدّس سرّه إلى أبعد من ذلك، حيث يربط بين الآثار وبركاتها الروحية، مستشهدًا بقصص قرآنية مثل ريح ثوب يوسف (عليه السلام) الذي أعاد البصر لأبيه يعقوب، أو أثر تراب حافر فرس جبريل في قصة السامري، ليؤكد أن الأماكن المقدسة تحمل طاقة معنوية خاصة تستحق الاحترام والإعمار.
وجهة نظر المرجع الشيرازي تتميز بعمق فكري وفقهي ووجداني وحضاري، وتعكس حساسية كبيرة تجاه التراث الإسلامي. من الواضح أن موقفه ينبع من إيمان راسخ بأن هذه الآثار ليست مجرد رموز تاريخية، بل هي جزء من الهوية الدينية والثقافية للمسلمين، وبخاصة الشيعة الذين يرون الذين يرقدون في أضرحة البقيع أئمة، وقادة، وهداة، وشفعاء في يوم الدين. استدلاله بالنصوص القرآنية والأمثلة التاريخية يعزز حججه، ويجعلها مقنعة لمن يشاركونه هذا المنظور.
لكن، بعيداً عن الفقه والاختلافات الفقهية، فإن موقفه قدّس سرّه منطقي من زاوية الحفاظ على التاريخ والتراث، والعالم يجمع على هذه الرؤية، حيث تحترم البشريةُ الآثارَ وتصونها كجزء من إرثها الحضاري. يقول (قدس سره): "لتلك الآثار دلالات للبشرية ومقومات للهداية، بالإضافة إلى أنها من أحسن الذكريات لا ذكرى فقط، ودول العالم بأجمعها تحتفظ بالآثار بكل أنواعها، حيث أن العقل والعرف يدلان على أهمية احترامها والمحافظة عليها."
لكن، أزمة أو قضية البقيع يبدو انها تتجاوز المنطق إلى الصراعات العقائدية والسياسية التي تعيق التوصل إلى توافق حولها.
في النهاية، رغم أن الأضرحة موجودة في عموم أنحاء العالم الإسلامي، مازالت قضية أضرحة البقيع عالقة دون حل منذ أكثر من قرن. حلها يتطلب جهودًا جادة للتقريب بين وجهات النظر. وجهة نظر الإمام الشيرازي تظل صوتًا قويًا يدعو إلى احترام التراث والاستفادة منه كمصدر للبركة والتذكير؛ والبقيع من التراث المبارك العظيم، وهي دعوة تستحق التأمل والنقاش.
يقول (قدّس سرّه) عن أزمة البقيع:
"إزالة العشرات من آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآله الأطهار(عليهم السلام) وأصحابه الكرام باسم توسيع مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) أمر غير عقلائي وغير شرعي، بل تضييع للتراث الإسلامي والتاريخي. فإن لتلك الآثار دلالات للبشرية ومقومات للهداية، بالإضافة إلى أنها من أحسن الذكريات لا ذكرى فقط، ودول العالم بأجمعها تحتفظ بالآثار بكل أنواعها، حيث أن العقل والعرف يدلان على أهمية احترامها والمحافظة عليها، ولا يكون ذلك خلاف الشرع الذي يصرح بالمرور في ديارهم والنظر إلى آثارهم، وقد قال القرآن الحكيم: (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل)(الصافات: 137-138). وقال تعالى: (وإنها لبسبيل مقيم)(الحجر: 76). فإن حفظ آثار العذاب عبرة فكيف بآثار الصالحين! وكيف بآثار النبي العظيم (صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) والأصحاب المكرمين، وهكذا بالنسبة إلى المؤمنات الطاهرات.
ومن هنا حفظ عقلاء العالم أهرام مصر، وإن كان فيه نوع من إحياء الآثار الفرعونية. وحفظوا موضع عبور موسى البحر، ومحل إحراق إبراهيم (عليه السلام)، ومسجد أصحاب الكهف، وغار حراء، وغار ثور، وغيرها. هذا بالاضافة إلى وجود المعنوية في تلك الأماكن، كيف لا، وقد قال سبحانه: (فقبضت قبضة من أثر الرسول)(طه: 96). فإن كان تراب حافر فرس جبرئيل له ذلك الأثر الخارق الذي سبب الخوار في العجل الجسد، أفلا يكون لتلك الآثار الكثيرة البركات العظيمة؟ إن لريح ثوب يوسف، كما أشار إليه القرآن الحكيم، قال تعالى: (فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا)، وقميصه الذي ارتد أبوه بصيراً بسببه، وهو من تلك الآثار، فكيف لا تكون للأماكن المقدسة في المدينة المنورة الآثار العظيمة.
لقد حفظ المسلمون أضرحة البقيع لينالوا من كرامتها، وكيف لا تكون البركات الكثيرة لجنة البقيع الغرقد، وقد تضمن جسد عدد من الأئمة المعصومين (عليه السلام) وأولاد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وزوجاته وأصحابه! بالتالي، فإن في الآثار ذكرى وتذكير ، وفيها عبرة واعتبار، وأيضاً لها قوة جذب وتأثير، ومن هنا فإن من الواجب الاهتمام بالآثار والمحافظة عليها والبحث عنها والكشف عن أسرارها."