شبكة النبأ: من أصعب الأمور التي ينبغي أن ينجح فيها الإنسان، القدرة على كبح الأنا، ومحاولة الانسجام مع المحيط المجتمعي، لأن الأنا إذا لم يتم ردعها وتحجيمها، سوف تكون سبباً كبيراً في تأجيج الصراعات الفردية وتفجير الخلافات الجماعية، والسبب كما يقول علماء النفس، أن تضخيم الأنا يجب الرؤية الصحيحة والمتوازنة عن التفكير، كما أن الإنسان سيكون في حالة ميول دائمة لمصالحه بغض النظر عن مشروعية الأساليب التي يستخدمها مع الآخرين.
لهذا تكون الأنوية العالية سبباً أساسياً في تفجير الصراعات بين الأفراد والجماعات وحتى بين الشعوب، بالمقابل لا يعني التخلّي عن الأنا نوعاً من الإذلال، أو التذلّل للآخرين، بل هو نوع من التواضع المحبّب، بالإضافة إلى كونها الطريقة الأفضل والأقرب لصنع الانسجام والوئام بين الناس.
لذلك يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتاب (من عبق المرجعية)، في هذا المجال: (ليس المقصود من التخلّي عن (الأنا) التذلّل للناس، كما ليس المقصود التكبّر عليهم، بل ألاّ يكون عملك لذاتك وإنما يكون لله وحده).
التغيير لمصلحة الجماعة
هناك أفراد ليس لديهم الاستعداد لمغادرة الأنا، ولا يحبّذون التغيير، ولا يجعلونه ضمن تفكيرهم أو أهدافهم، وهم بذلك يصبحون مصدر إرهاق للمجتمع، بإثارة الفتن وتفجير الصراعات، والسبب دائماً، تضخّم الأنوية لديهم مع ضعف أو غياب الرغبة لديهم، من أجل التغيير، وهم غالباً من يتطيّرون من الأمور السليمة التي تتطلّب قبولاً وانصياعاً.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي، لمن يعاني من تضخّم الأنا: (حاول أن تخالف هواك في كل الأمور، فإن كنت لا ترغب في أمر رغم اعتقادك بصوابه، حاول أن تخضع له بكل رحابة صدر).
إنّ التخلّي عن الأنوية لصالح الآخرين، يتطلّب إجبار النفس على القبول بالآخر ورأيه، فضلاً عن الإرادة القويّة التي يتمّ من خلالها ردع الأنا، والتنازل عن المصلحة الذاتية لصالح المجتمع، لأن المجتمع أولى من الذات، فضلاً عن أن الفائدة إذا كانت تعمّ الناس جميعاً، فإن الفرد نفسه سيكون رابحاً أيضاً، بل ربحه سيكون أكثر وأفضل من الربح الفردي، لأنه سوف يعيش في حاضنة مجتمعية مرفّهة ومتطوّرة، لذلك لابد أن يتغير تفكير الفرد من الأنوية والذاتية المنطوية إلى الانفتاح على المجتمع وتعميق العلاقة به، خاصة ان الضوابط الأخلاقية والمتطلّبات الإنسانية، والتعاليم الإسلامية تنحو هذا النحو وتدعو إلى تغليب روح الجماعة على الفردية والأنوية.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بالكتاب المذكور نفسه: (المطلوب من كل واحد منّا تقوية العلاقة مع المجتمع، وذلك عن طريق الالتزام بالأخلاق الإسلامية كالتواضع والوقار والبشر والكرم والعفو والرحمة وصلة الرحم).
علماً أن حالة التغيير من الأنا إلى الجماعة تتطلّب جهوداً استثنائية في مقارعة الذات، بمعنى مخالفة النفس التي تحث على الرغائب حتى غير المشروعة منها، بمعنى حتى لو تم تحقيق هذه الرغبات على حساب مصالح وحقوق الآخرين، وحتى لو أدّت إلى الصراع وتأجيج الفتن، لذلك يتطلّب صد النفس وكبح جماحها سعياً كبيراً وحثيثاً.
لذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا الجانب: (لا تصبح الأخلاق ملكة عند الشخص إلاّ بعد أن يحارب نفسه ويخالفها ثم يخالفها ويخالفها حتى تنمو عنده ملكة حبّ الخير في كل أبعاده).
طبيعة التعامل مع الأضعف
إنّ حبّ الخير يفرض على الإنسان أن يحترم من هو أضعف منه، وهذا لا يتحقّق إلاّ عندما يتمّ تطوير ملكة حبّ الخير لدى الإنسان، وفي حالة تحقيق هذا الهدف، فإن الإنسان سوف يشعر بلذّة وسعادة كبيرة، لأن هذا الأمر يتّسق مع طبيعته وفطرته.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بالكتاب نفسه: (إذا حصل الإنسان على ملكة حبّ الخير في كل أبعاده، شعر باللذّة، وبدأ يتلمّس نتيجة أتعابه).
علماً أن هناك من يصدّ الخير ويحاول أن يثير الحقد والضغينة بين الفرقاء، وإذا سعى أحدهم للخير وبثّ روح الانسجام سنلاحظ من لا يروقه ذلك، كما يشير إلى هذا الأمر سماحة المرجع الشيرازي قائلاً: (لو أردت الإيثار أو غيره من الأخلاق الحميدة لا يدعك من حولك حتى يشتبه عليك الأمر). كذلك لابد من محاربة تضخّم الذات ونبذ التكبّر حتى بالنسبة للمتديّن أو رجل الدين، فأولى برجل الدين أن يتقدّم الصفوف لنبذ الأنوية، لا أن يسمح أو يسهم باستفحال هذه الظاهرة التي تفاقم وتفجّر الصراعات في المجتمع.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (ليكن تعاملنا مع أضعف الناس إيماناً، بنحو لا يترك لديه انطباعاً عنّاً بالتكبّر). علماً أن عدم التكبّر على الآخرين ليس قول فقط، ولا تبجّح بالتواضع فقط، أن تحجيم الأنا هو فعل يتحقّق في التفكير وطبيعة السلوك مع الآخرين، لهذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً حول هذا الموضوع في الكتاب المذكور نفسه: (هب أنك لست متكبّراً ولكن هذا وحده لا يكفي، بل ينبغي ألاّ تترك انطباعاً يوحي بذلك).
لذلك لابد من التركيز على الفعل قبل القول، بمعنى دع الآخرين يلمسون تواضعك بأفعالك ومواقفك أولاً، ثم تأتي الأقوال بعد ذلك لتدعم الأفعال، وذلك لأن تأثير الفعل يكون أسرع على الآخر كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا المجال: (إنّ لطلاقة الوجه والبشر والتواضع، كما لجمال التعبير وحسن الاستماع وهكذا الحلم، أثراً كبيراً في نفوس الناس يفوق تأثير الأقوال التي تنطلق من أفواهنا وألسنتنا).