LOGIN
المقالات
alshirazi.org
القضاء على الفقر في البلدان الإسلامية
رمز 212
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 6 سبتمبر 2014
شبكة النبأ: يكاد الفقر يشكّل ظاهرة في البلدان التي تتكوّن معظم شعوبها من المسلمين، وتعتبر بلدان إسلامية، والسبب في الغالب لا يتعلّق بندرة موارد هذه الدول أو خيراتها، بل على العكس غالباً ما تكون البلدان الإسلامية غنيّة بالثروات الطبيعية والبشرية، ومتعدّدة الموارد، فأين توجد العلّة في تكوين ظاهرة الفقر، وما هي الأسباب التي تقف وراءها، ولماذا يعاني المسلمون في دولهم الغنيّة من ظاهرة الفقر، علماً أن الإرث السياسي الاقتصادي للمسلمين في دولتهم الأولى، كان ولا يزال إرثاً ناجحاً، والدليل أن الدولة إبّان الرسالة النبويّة الشريفة، بقيادة النبي محمّد صلّى الله عليه وآله، كانت تخلو من الفقراء إلاّ ما ندر.

لذلك يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتاب (من عبق المرجعية) حول هذا الموضوع: (كاد الفقر ألاّ يرى لنفسه مجالاً في الدولة الإسلامية، حتى إذا رأى الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه فقيراً واحداً يستغرب منه، ويعتبره ظاهرة غير طبيعية لا تتلاءم مع المجتمع المسلم، والنظام الإسلامي، ثم يأمر له بمرتّب يعيش به رغداً، مع أنه نصراني لا يدين بالإسلام، حتى لا يكون في البلد الإسلامي مظهر واحد للفقر والحرمان).

إذن هناك حقوق واضحة للمواطن في دولة الإسلام، لا يمكن المساس بها، أو التجاوز عليها، ويتقدّم هذه الحقوق انتفاء الفقر، والقضاء عليه وفق سياسات قائمة على العدل والمساواة والحزم، وعدم التمييز بين مواطن وآخر، لا على أساس الدين ولا العرق ولا الطائفة ولا الانتماء الجغرافي، فالكل سواسية أما الحكومة، لذلك كان الواجب المهم الذي تتصدّى له الحكومة الإسلامية محاربة الفقر بجميع أشكاله، كما نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي:

(إنّ الحكومة الإسلامية تقضي على الفقر، وترفع مستوى الفقراء، لا بالنسبة إلى المسلمين فحسب، بل تنفي الفقر حتى عن غير المسلمين ماداموا تحت رعاية الدولة الإسلامية). هكذا تنتفي الفوارق بين مواطن وآخر، فالكل سواسية في الحقوق والواجبات أيضاً، ولا فرق بين مواطن وآخر على أساس الانتماء.

الضمان الاجتماعي وأمن الحكومات
ثمّة سبل كثيرة كانت تعتمدها الحكومة الإسلامية، لمكافحة الفقر، أهمها إيجاد الضمان الاجتماعي للمواطن، حتى لا يكون عرضة للفقر، ولقمة سائغة للمعاناة، فطالما كان هناك ضمان للفرد، فإنه سوف يكون محميّاً من غائلة الجوع والفقر، ولاشكّ أن مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، كانت من ضمن الوسائل التي تلجأ إليها الحكومة الإسلامية لمكافحة الفقر، والقضاء على أي فرصة لاستفحاله بين صفوف الشعب.

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي هذه الحقيقة التي أثبتها تاريخ الدولة الإسلامية الأولى، بقيادة نبيّنا الكريم محمّد صلّى الله عليه وآله، عندما يقول سماحته في الكتاب المذكور نفسه: (لم ير التاريخ قبل الإسلام، ولم تسجّل الحضارات بعد الإسلام، حتى اليوم، ضماناً اجتماعياً بعمق الضمان الاجتماعي في الإسلام). ولهذا السبب كان هناك أواصر قوية تربط بين الشعب والحكومة.

والسبب هو مراعاة الحاكم الإسلامي لحقوق الشعب، وضمان عدم التعرّض لها من أية جهة كانت، وحماية الفرد والمجتمع من التجاوزات التي قد تسبّب بها أفراد أو جهات متنفّذة، من هنا كانت الفائدة متبادلة بين الشعب والحكومة، وكانت قائمة على المحبّة والاحترام والالتزام بالحقوق والواجبات، من هنا لا تتعرّض الحكومات إلى خطر السقوط فيطول عمرها أكثر وأكثر، لأن الأمة نفسها تقوم بحمايتها، طالما انها تحرص على واجبات المواطن كافّة، وتحفظ حقوقه على أفضل وجه ممكن.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (نرى أن الحكومات الإسلامية حقيقة كانت تعمّر طويلاً، وذلك للحبّ المتبادل بين الأمّة وبين الحكومة، ولم يكن الرئيس يحتاج يوماً ما إلى ـ أمن، واستخبارات، وحرس، وما أشبه، حتّى يحميه من الناس). وطالما تكون العلاقة بين الحاكم والأمّة جيّدة قائمة على المحبّة والانسجام، فإنّ خطر السقوط يمضي بعيداً، إذ لا حاجة لإسقاط الحكومة إذا كانت الأمّة تحصل على حقوقها كاملة من لدن الحكومة، وهذا هو بالضبط ما كان يحدث، وهو ما ينبغي أن تكون عليه الحكومات الإسلامية في الوضع الراهن، من خلال حماية حقوق الفرد والأمة.

الحريات في زمن الاستبداد
عندما كان الظلام يسود العالم، وكان الاستبداد يحكم الدول كافّة، في بقاع الأرض، كان الإسلام بمبادئه الإنسانية السمحاء، وتعاليمه الوضّاءة، ينشر النور في الدولة الإسلامية، بل يذهب إلى أبعد من ذلك، عندما كان ضوء الإسلام يقتحم الظلام الذي كان يخيم على العالم، وكان أول بوادر نشر النور، القضاء على معاناة الإنسان من الفقر، وهو الشرط الأساس الذي يتيح للإنسان التعاطي مع أجواء الحريّة والتنوير.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (في أكبر حكومة على وجه الأرض، وهي الحكومة التي كان يرأسها الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه وكانت تضم العشرات من الدول حسب خريطة العالم هذا اليوم، وببركة تطبيق قوانين الإسلام، لم يعهد وجود فقير يستعطي). ويضيف سماحته قائلاً أيضاً: (لأول مرة في تاريخ العالم فتح الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه للناس باب المظاهرات الحرّة، وسمح لهم بالتعبير عن آرائهم حتى في مسألة غير مشروعة، وقد تمّ ذلك في زمن كان العالم بأسره يلفّه ظلام الاستبداد من جميع الجهات).

وهكذا كانت مصابيح العدل تنتشر بين الحكومات وأفرادها وشعوبها بفضل الإسلام، وكان الإحسان جوهرا للفعل الحكومي الإسلامي آنذاك، ولنا في سيرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، وسيرة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، في قيادة المسلمين، نماذج لا تتكرّر في مجال السياسة وإدارة الدولة وفق مبادئ العدل والرحمة والمساواة، ولعل أولى البوادر والإجراءات العظيمة التي تؤكّد ذلك هو القضاء على الفقر بكل السبل المتاحة.

وهنا في هذا المجال يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً: إن (التاريخ المنير والمشرق لسيرة النبي الأعظم والإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليهما إبّان حكمهما، زاخر بنماذج كثيرة، تدلّ على تعميم العدل والإحسان بالنسبة للجميع، وعدم ظلم ولو فرد واحد من الأقليات، حتى أعداء الحكومة الإسلامية، وأعداء الحاكم الأعلى، وحتى المنافقين منهم). هكذا كانت حرمة الأقليات في ظل دولة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، فلا أحد يتعرّض للظلم أو التكميم أو المطاردة، وهناك ضمان شامل لحريّة الفرد والرأي والحقوق التي طالما نادى بها الإسلام، حمايةً لحرمة الإنسان وكرامته وأمنه، وضماناً للعيش الذي يليق بكينونته ووجوده.