شبكة النبأ: عندما يفقد الإنسان السيطرة على نفسه في مواقف معيّنة، وعندما تثور أعصابه فلا يستطيع التحكّم بها، عند ذاك يمكن أن نتوقّع منه أيّ شيء على مستوى الفعل والكلام، فهو يمكن أن يرتكب جريمة بسبب فورة الغضب التي تجتاحه، ويمكن أن يتفوّه بكلمات جارحة تؤذي الآخر بما يفوق آلام الجرح الذي يتعرّض له الجسد، يحدث هذا بسبب عدم قدرة الإنسان على التحكّم بنفسه، والسيطرة على أعصابه، وردود الفعل التي كثيراً ما تكون غير مبرَّرة، وينتج هذا بسبب التربية الخاطئة، وما يعكسه المحيط العائلي والمحيط الأكبر على شخصية الطفل، فضلاً عمّا يرثه بايولوجياً، لتنمو معه أفكار متشنّجة وعادات متحجّرة وغياب للرؤى الهادئة المتسامحة.
من هنا يؤكد سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، على الجميع لاسيما الشباب منهم، ويوصيهم بالتحلّي بأخلاق القرآن الكريم، وأئمة أهل البيت عليهم السلام، حتى يمكنهم تجنّب فورات الغضب، وحتى يكون بمقدورهم عدم الإساءة للآخرين مهما كانت الدواعي والأسباب، فحسن الأخلاق، وترويض حالة الغضب، وردع النفس، تساعد الإنسان على الإحسان للآخر، وكسبه إلى صفّه من أجل بناء علاقات إنسانية متوازنة متماسكة قائمة على المحبّة والاحترام والقبول والتعاون المتبادَل لتقليل مصاعب الحياة الكثيرة.
لذا يخاطب سماحة المرجع الشيرازي الشباب بصورة خاصة، ومنهم إلى عموم الناس، بأهمية حسن الأخلاق، لاسيما مع من يسيئ لهم، قائلاً: (أنتم شباب في مقتبل عمركم، وإن شاء الله سيكون لكم عمر طويل في التوفيق والسعادة، فصمّموا دائماً، وفي كل مكان، وفي كل حال، ومع الجميع، على أن تكون أخلاقكم حسنة، بالأخصّ مع من يسيئ إليكم).
ويضيف سماحته في هذا المجال قائلاً أيضاً: (إنّ التعامل الحسن مع المسيئ يؤثّر على الأخير لا شكّ، وإن طالت مدّة الإساءة. كما ان مولانا الإمام زين العابدين صلوات الله عليه، قال في مضمون حديث له بأنه: كلما أساء إليَّ شخص ما، فإنّي لا أعتني بذلك، وأقول لعله قصدَ غيري).
انطلق ولا تغضب
الانطلاق يُقصّد به سماحة النفس، وأصالة الخُلق، وجمال الروح، لينتج عن هذا كله، أسلوب إنساني حميم في التعامل مع الآخرين، فحالة الانطلاق تعني فتح آفاق التعاون مع الناس بروح تحمل المحبّة للجميع، وتقودها القيم النبيلة، بما يجعل الإنسان متسامحاً ومحبّاً للإنسان، حتى في حالات المنافسة والتميّز، فإنه يلجأ إلى المنافسة السليمة ويطرد الغضب عنه، لأنه وسيلة الفاشلين، وهناك قاعدة عظيمة فيما لو تمسّك بها الإنسان، فإنه لن يفشل في تحقيق أهدافه ونجاحاته، هذه القاعدة النبوية المباركة تقول: (انطلق ولا تغضب).
فقد ذكر سماحة المرجع الشيرازي، رواية عن أهمية اجتناب وترك الخلق السيّئ، فقال سماحته: (كان مولانا النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله يعظ وينصح كثيراً ويوصي الناس دائماً، لكن لم يعهد منه أنه كان يكرّر الموعظة أو النصيحة إلاّ قليلاً ونادراً جدّاً، ومنها: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي عِظَةً أَتَّعِظُ بِهَا. فَقَالَ لَهُ: انْطَلِقْ وَلا تَغْضَبْ. ثُمَّ أَعَادَ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: انْطَلِقْ وَلا تَغْضَبْ، ثَلاثَ مَرَّاتٍ ـ أي كرّرها عليه ثلاث مرّات).
وهكذا لابد أن نلاحظ بدقّة، ذلك الإصرار النبوي الكريم على هذه القاعدة أو الجملة التي تقول (انطلق ولا تغضب)، وتعني الانطلاق أيضاً، أهمية أن يتحرّك الإنسان بجيدة ويسعى بنيّات خالصة، كي ينجح في تحقيق ما يصبو ويتطلّع إليه من أهداف مشروعة، تتطوّر من خلالها حياته وذويه ومن يحيط به، ثم المجتمع الذي ينتمي إليه. لذلك أوضح سماحة المرجع الشيرازي أهمية هذه الجملة المباركة، قائلاً: (إن هذا التكرار من النبيّ صلى الله عليه وآله، هو لأمرين:
الأول: إنّ ترك الغضب أمر صعب، ولكن ليس محال، فيمكن السيطرة عليه رويداً رويداً.
الثاني: ترك الغضب هو مفتاح السعادة لكل إنسان، سواء كان رجلاً أو امرأة، ومهما كان عمرهما ومستواهما ومقامهما الاجتماعي وغير ذلك).
الفشل والغضب قرينان
عندما ندقّق في حالة الغضب بصورة مفصّلة ومركّزة، سوف نكتشف انها غالباً ما تقترن بفشل الإنسان في تحقيق ما يربو إليه، لذلك يُقال أن الفشل والغضب قرينان متلاصقان، لأن الغضب لا يُكسِب الإنسان أية نتائج جيدة، لا في المجال المادي ولا المعنوي، إنها حالة غضبية نفسية أخلاقية تدلّ على الضعف الصارخ للإنسان، فالغضب دليل عجز الإنسان على فشله في حلّ المشكلات بطريقة صحيحة، فضلاً عن أنه اعتراف بعجز عقل الإنسان عن التفكير بالطرق السليمة للحوار والبحث عن الحلول الناجعة لأصعب المشكلات، والغضب بالتالي هو وسيلة فاشلة تضرّ صاحبها قبل غيره، فيخسر بذلك نفسه وقيمته واحترام الناس المحيطين به، لذا تأتي النتائج عكس ما يتوقّعه تماماً، وسيكتشف ذلك في اللحظة الأولى التي تنطفئ فيها فورة غضبه.
لذلك يطالبنا سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، بأهمية الاستفادة من الوصية النبوية الشريفة قائلاً في هذا المجال: (إذن لابد أن نستفيد من وصية مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله، إذ يجدر بالجميع، رجالاً ونساءً، أن يصمّموا لأنفسهم على ترك الغضب دائماً). إذن لا يتعلق ترك الغضب بجنس دون غيره، ولا بفئة عمرية دون غيرها، حتى الأطفال علينا أن نساعدهم في تجنّب الغضب، وعدم تسلّل سوء الخلق والغضب في بناء شخصياتهم منذ البداية، حتى نحصل على أساس مجتمعي أخلاقي خال من الغضب.
لهذا جاء تركيز سماحة المرجع الشيرازي، على حتمية التمسّك بموعظة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، قائلاً: أن (هذه الموعظة مهمة وتؤثّر على مستقبل الإنسان. فاسعوا أيها الشباب إلى العمل على ترك الغضب، وانقلوا هذه الموعظة المهمة إلى غيركم، حتى تكونوا شركاء في أجر وثواب كل من يترك الغضب ويجتنبه).
وبهذا يكون النجاح قرين الأخلاق وكبح حالة الغضب، أيّاً كانت الأسباب التي تقف وراء ذلك، فالغضب ليس له مسوّغ ولا يمكن أن تبرّره كلمات أو أفعال أو مواقف، لهذا تكرّرت أهمية رفضه وكبحه وطرده من حياة الإنسان بصورة تامة، حتى يضمن عدم الوقوع في براثن الفشل.