LOGIN
المقالات
alshirazi.org
القنوات الفضائية وثقافة الاعتدال
رمز 183
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 18 مارس 2014
علي حسين عبيد

شبكة النبأ: في عصرنا الراهن، أصبح الإعلام أكثر تأثيراً من أيّ وقت مضى، في بلورة الرأي العام وتوجيهه في المسارات المطلوبة، وصار الخطاب الإعلامي محرّكاً للكثير من الاعتراضات، أو التوافقات السياسية والاجتماعية، لدرجة أن معظم الدول والحكومات، أخذت تبذل ما في وسعها لتطوير المؤسسات الإعلامية بأنواعها المختلفة، حتى يمكنها من الترويج لأهدافها وأفكارها تحديداً، فتضاعف الاهتمام بالإعلام بدرجة أعلى، وبدأ الجميع يفهم تماماً، ما يعنيه الإعلام من قوى فاعلة ومؤثرة في جميع المجالات.

من وسائل الإعلام الأكثر تأثيراً في الوسط المستهدّف، إعلام الصورة التي تقترن بالصوت، أو ما يطلق عليه بالإعلام المرئي، ويُقصد به تحديداً، الخطاب التثقيفي اللفظي والصوري الذي تبثّه القنوات الفضائية، على المشاهد والمستمع في وقت واحد، ومما يمكن تأشيره وملاحظته في هذا المجال، تلك المسارات المتطرّفة لبعض الفضائيات في خطابها الثقافي الذي يتمّ بثّه عبر برامجها ومضامينها، وأفكارها التي غالباً ما تأتي، خلافاً لمنهج الإسلام وتعاليمه الواضحة التي توجّه الجميع، بأهمية الاعتدال والوسطية المقرونة بالتناغم والانسجام والتعايش، فالإسلام دين السلم والسلام، وتعاليمه ومبادئه كلها تدعو للوئام، ونبذ الاحتراب بأشكاله كافّة، بغضّ النظر عن الأسباب التي تهدف إلى إثارة الضغينة والأحقاد بين الناس، في المجتمع الواحد، أو بين الدول والمجتمعات.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، حول ما يدعو له الإسلام، وما تهدف إليه تعاليمه، كما ورد ذلك في الكتاب الذي يحمل عنوان (من عبق المرجعية): إنّ (الإسلام دين السلم والسلام، ويعمل على نشر الأمن والأمان والسلم والسلام في العالم، ويسعى في إطفاء نار الحرب، وإخماد لهيبها، وانتزاع فتيلها من بين الناس، باجتثاث العوامل الداعية للحرب، وزرع العوامل المشجّعة على المحبّة والوئام).

هذا بالضبط ما نحتاجه في عالمنا اليوم، لاسيما إذا علمنا بأن الاحتقان وصل الذروة بين القوى المتصارعة على مصالحها، وبين الجماعات أيضاً، بل ينسحب هذا على الأفراد أيضاً، حيث الفضائيات ذات الخطاب المتطرّف، تواصل نهجها في إثارة الفتن والمشاكل، من خلال خطابها الذي يفتقر إلى أدنى معايير الاعتدال، والمنطق السليم، خلافاً لما دعا إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، كذلك هو خطاب يتنافى مع سيرة أئمة أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، وتوجيهاتهم التي تحثّ الجميع على أهمية نبذ التطرّف، ونشر المحبّة والتقارب والتكافل، والتمسّك بالاعتدال، وحماية حقوق الآخر من الانتهاك أو التجاوز.

لذلك يحتاج الأمر إلى نشر ثقافة التسامح، والتعايش والتنوّع والقبول بالمكوّن الآخر، وحماية الأقليّات، واحترام ما تراه مناسباً لها من أفكار أو عقائد، طالما انها لا تنتهك حريّات الآخرين، ولا تتجاوز على حقوقهم المعنوية والمادية، من هنا فإنّ الخطاب الذي تبثّه القنوات الفضائية المعنية بالمسلمين، ينبغي أن يكون خطاباً معتدلاً وبعيداً عن الأحقاد والعنف بكل أشكاله.

كما يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي، قائلاً في هذا المجال: (يمكن مكافحة العنف في المجتمع من خلال تعميم ثقافة اللاعنف، وتوضيح ان العنف نار تحرق الكل ولا تستثني أحداً، وبيان مضار العنف النفسية والاجتماعية والدينية، وتوفير الحريّة للمجتمع). وبهذا فإنّ الإعلام المرئي المؤثّر، الذي تعتمده القنوات الفضائية، لابد أن يتشذّب ويعتدل ويتم تخليصه من خطاب التطرّف، حتى يكون مناسباً لبثّ المحبّة والسلام، والحثّ على التعاون، والتعايش باستقرار، وتطلّع نحو غد أفضل، يسمح للجميع بالعيش، ضمن الحقوق المصانة والمحترمة، من لدن المكونات كافّة بصورة متبادَلة.

على أن تكون مهمة الفضائيات، أو الإعلام المرئي، واضحة الأهداف، من خلال اعتمادها منهج الاعتدال، والوسطية في طرح الآراء المختلفة، ومعالجة الأوضاع الشائكة، التي قد تثير الأحقاد والعداوات، بين الأفراد والمكوّنات التي تشترك في العيش في مدينة واحدة، أو دولة واحدة، فلا يجوز للقنوات الفضائية أن تثير الضغينة بين المسلمين، لأنّ هذا النهج يخالف مبادئ الإسلام بصورة صريحة، لا تقبل التبرير مهما كانت الأسباب أو الدوافع، فالأصل في الإسلام هو السلم والسلام والاحترام والتعايش، والتزام كل القيم التي تصون كرامة الإنسان، وتحميه من التجاوز، أو الاحتراب بكل أشكاله وصوره.