LOGIN
المقالات
alshirazi.org
العراق التعدّدي ومسؤولية البناء
رمز 188
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 24 أبريل 2014
شبكة النبأ: يتّفق الجميع على أن فرصة البناء المتطوّر للعراق، متيسّرة الآن بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى ومستلزمات، فهذا البلد يملك الموارد الكافية، ويملك الطاقات، والعقول، لكن الحاجة الأساسية للبناء، تتمثل بتوافر الإرادة السياسية الحازمة، مع الكفاءة المطلوبة علمياً وعملياً، لكي يُبنى هذا البلد على أسس حديثة، وركائز وقواعد ثابتة، حتى تمنع من انزلاقه مرة أخرى نحو الطغيان والجبروت السلطوي، ومع أننا نعترف بصعوبة مرحلة التحوّلات الاقتصادية والسياسية الحسّاسة التي يمرّ بها العراق، إلاّ أن الفرصة مواتية كي يقف هذا البلد هو وشعبه على قدميه، معتمداً على القدرات الهائلة التي تتوافر له.

لكن كلّنا يعرف ويلاحظ الموانع والمعوّقات الكثيرة التي تحاول أن تبقي على العراق بلداً ضعيفاً، بمعنى هناك دوائر وأذرع دولية وإقليمية تخطّط وتتدخل لكي يبقى العراق دولة مستهلة ضعيفة، فتعمل على إلهاء الشعب بأمور جانبية غير البناء والاستقرار، لذلك لابدّ لمن يتصدّى لمسؤولية قيادة هذا البلد أن يتنبه لهذه الأمور التي تحدّ من تطوّر البناء المجتمعي والسياسي والاقتصادي.

لذلك ينبّه سماحة المرجع الديني الكبير آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الجميع إلى أهمية الظرف العراقي المعقّد، قائلاً سماحته في هذا المجال بالكتاب القيم الموسوم (من عبق المرجعية): (ينبغي على الجميع الانتباه والالتفات لما يجري في العراق). بمعنى أننا جميعاً مطالبون بالتصدّي لمسؤولياتنا من أجل استثمار الفرصة الثمينة، للشروع ببناء الدولة القوية المستقرّة، حتى نتجنب المآسي التي أحالت حياتنا كعراقيين إلى سلسلة من القهر والحرمان والتجهيل، بالإضافة إلى التشريد والتعذيب والقتل والمطاردة.

مأساة الماضي وفرص الحاضر
إنّ مجموعة المحن والمآسي التي تعرّض لها العراقيون، هي من النوع الشامل، بمعنى معظم طبقات العراق - باستثناء تلك (الاستثناءات) المقرّبة من السلطة- نالت قسطها من العذاب والقهر، لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً سماحته في هذا المجال: (نحن العراقيين جميعاً في كل مكان، وفي كل أرجاء الأرض، في بلاد الإسلام وفي غير بلاد الإسلام، قد شملتنا المأساة بشكل أو بآخر).

من هنا لابد أن تكون مأساتنا دافعاً لاستثمار الفرصة التاريخية المتاحة الآن لنا، من أجل بناء الدولة القادرة على تحقيق التعايش السلمي، وتعميق قيم السلام، والقبول بالتعدّد والرأي الآخر، وهي قيم لابدّ من ترسيخها في السلوك اليومي للشعب، وأن تتشبع أفكاره بهذه القيم عن معرفة وقناعة، فالمقوّمات المطلوبة لبناء الدولة المتطوّرة، كلها موجودة في العراق، ولم يبق سوى التخطيط السليم والتنفيذ الجيّد لخطوات البناء بكفاءة وعلمية، بمعنى أننا نحتاج إلى إرادة الشروع بالتنفيذ السليم لبناء المجتمع والدولة القوية المستقرّة القادرة على منح فرص الابداع والإنتاج الأمثل على المستويات كافّة.

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب على: (ان العراق فيه كل مقوّمات التقدّم والتطوّر والرفاه والراحة، فهو يملك المال والنفط والأرض الخصبة). وهذه كلها مقوّمات مساعدة لبناء الدولة والمجتمع، شريطة أن يتم استثمار الفرص بالطرق الصحيحة، وهنا تبرز أهمية الاستفادة من دروس الماضي، خاصّة ما يتعلّق بالأخطاء وتصحيحها، ومعرفة مكوّنات المجتمع، ومحاولة فهم الاختلافات والتفاهم بشأنها، والتدريب على احترام الرأي، ونشر منهج احتواء الصراع قبل أن يتحوّل إلى مرحلة التصادم، وهنا يبرز دور المنهج التعدّدي وقدرته على استيعاب جميع المتناقضات وصهرها في بوتقة واحدة، تنسجم وتتفاعل مع بعضها في إطار القبول والاحترام.

الإنسان طاقة فاعلة
في مجال البناء يمكن أن يتحوّل الإنسان إلى شمعة تضيء للآخرين سبل التقدّم إلى أمام، فكل فرد له القدرة على تحفيز الآخرين على الإنتاج الأمثل، وكل كلمة لها تأثيرها ومفعولها الكبير في دفع الإنسان نحو المسار الصحيح، انطلاقاً من الشعور بأهمية المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأهمية التصدّي لها بروح قوية وإرادة فاعلة متميّزة، فكلّنا كما يقول سماحة المرجع الشيرازي مسؤولين عن بناء العراق، بالوسائل المتاحة لنا ولكن ضمن التخطيط السليم والكفاءة والتميّز.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بالكتاب المذكور نفسه: (يجب علينا أن نقوم بدور مسؤولية بناء العراق، فإنّ مسؤوليتنا كبيرة وواسعة وبحاجة إلى جهود كثيرة وكبيرة، فكل إنسان منّا يمكن أن يكون شمعة في هذا المجال، وكل كلمة لها قيمتها).

ولكي نضمن النجاح في مسعى البناء، لابدّ أن نبدأ بتعضيد التجربة السياسية، وفي الوقت نفسه نعمّق قيم التفاعل المجتمعي، ومنها كما ذكرنا سابقاً مبدأ التعدّدية والتنوّع، لأن المنحى الشمولي والأحادية أثبتت فشلها الذريع، في السياسة أو غيرها، سواء على مستوى العراق أو التجارب الأخرى لدى الأمم والشعوب، علماً ان التعدّد ينتهي إلى نشر حالة التعايش كطريقة أو منهج للحياة، لذلك الكل سوف يقبل بالكل ويتعاون معه، من هنا يتّفق الجميع وكما تدلّ التجارب القائمة على الأرض، أن الدواء الأكثر فاعلية في تدمير الدكتاتورية والتخلّص من مخاطرها، هو اعتماد المنهج التعدّدي، والقبول به من لدن الجميع ونشره كدليل ومسار نحو العيش باعتدال وقبول متبادل، مع احترام الجميع للجميع في كل مجالات الحياة.

لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إن (العراق بحاجة إلى التعدّدية لا الدكتاتورية، فبقدر ما تجرّع العراق آلام الدكتاتورية، هو بحاجة اليوم إلى التعدّدية).

هكذا ليس أمامنا لدرء خطر الدكتاتورية، سوى التمسّك بمجموعة قيم القبول بالآخر والاحترام المتبادل والتعدّد والتعايش والتكافل، وهي قيم وسطية تنبذ التطرّف، وترفض العنف كطريقة لإدامة الحياة، وتشجّع على العيش في ظل نظام اجتماعي متوازن، تسوده قيم إنسانية راسخة، تساعد بدورها على بناء العراق سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، ولكن كل هذا ينبغي أن يتمّ تحت خيمة الشعور الجماعي بمسؤولية البناء والتطوّر والاستقرار.