LOGIN
المقالات
alshirazi.org
العراق التعدّدي والإدارة الصالحة
رمز 250
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 12 أبريل 2015
شبكة النبأ المعلوماتية: من الأمور المتَّفق عليها، أن جميع المستلزمات والعناصر المادية التي يحتاجها العراق لكي يكون دولة متقدّمة موجودة، أو متوافرة عند أصحاب القرار، ليس اليوم فقط، بل منذ أن نشأ العراق، كانت أرضه متخمة بالخيرات والثروات، والطاقات التي فيما لو تم استثمارها واستخدامها بالطرق الصحيحة، لكان العراق من الدول الأوائل في العالم التي ترتقي عرش التطوّر والاستقرار، ولكن مشكلة العراق والعراقيين، أن مقوّمات ومستلزمات التطوّر لم يتم إدارتها بصورة سليمة، وقد انعكس هذا على أوضاع البلد بصورة مباشرة، وبدلاً من أن يصطف العراق إلى جانب الدول المتقدّمة، كنتيجة طبيعية لثرواته وخيراته وموارده الهائلة، تحوَّل إلى بلد ضعيف، شعبه يعاني من الفقر ويكافح من أجل القضاء على الاضطراب والاستبداد والإرهاب الذي يعاني منه حالياً.

إذاً فالأمر يتعلّق بطبيعة إدارة موارد البلاد، فضلاً عن طبيعة العلاقات السياسية المتبادَلة بين الأحزاب والكتل والشخصيات الناشطة سياسياً في العراق، وما ينعكس من هذه العلاقات على صناعة القرار بصورة سليمة، لاسيما في مجال التنمية الاستراتيجية، وتقديم الخدمات الآنية للشعب، من أجل حياة أكثر رفاهية وحرية، على أن يكون مبدأ التعددية حاضراً على الدوام، من أجل التعايش السلمي بين الجميع، وكل هذه الأمور تحتاج إلى إدارة ماهرة خبيرة ومدرَّبة وتحمل سمات القيادة النزيهة في نفس الوقت، لذا يحتاج العراق إلى إدارة تحمل الصفات المذكورة، يُطلَق عليها (الإدارة الصالحة)، تعتمد الحرية والتعددية ومعالجة قضية المساحات الهائلة من الأرض، واستثمارها (شعبياً وطوعياً)، بدلاً من تركها بلا فائدة ولا إنتاج.

من هنا يحثّنا سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة، على أولوية تبنّي هذه المبادئ، إذ يقول سماحته في هذا المجال: (الإدارة الصالحة في العراق ينبغي أن تقوم على مبدأ الحرية الإسلامية، والتعدديّة القرآنية، وإحياء الأرض لمن عمّرها). ويربط سماحته سعادة العراقيين بالإدارة والقيادة التي تتمسّك بهذه المبادئ وتعمل في ضوئها، كي تخدم الشعب، وتبني الدولة المزدهرة في آن واحد، كما نقرأ ذلك في قول سماحته: (لو قيّض الله للعراق من يعمل بالمبادئ ـ التي سبق ذكرها أعلاه ـ فسوف يسعد الشعب العراقي ويصل إلى مدارج الرقي والازدهار).

العراق ومستلزمات التقدّم
إذا كانت العلّة التي يعاني منها العراق هي سوء الإدارة، بسبب سياسيين فاشلين، وإداريين لا خبرة لديهم ولا كفاءة، فالمطلوب لتصحيح هذا الخلل واضح، يتمثّل باختيار القادة الذين يمتلكون مؤهّلات الإدارة السياسة الناجحة، وصناعة القرار السليم، والكفاءات المتميّزة في التخطيط السليم، على أن تتم وتقوم كل هذه الأنشطة العملية التنفيذية على منهج واضح، يعتمد الرشاد والدقة والعلمية والعدالة، وهو لاشك موجود في منهج أهل البيت عليهم السلام، فعندما يباشر السياسي والاقتصادي والإداري عمله، لابد أن يكون له نموذج يتعلّم منه ويقتفي آثاره وخطواته، والقدوة والنموذج هنا هم أهل البيت عليهم السلام، وكيف تعاملوا مع هذه القضايا الجوهرية في حياة الأمة، فصاحب القرار الذي يسير على منهج الأئمة الأبرار، لابد أن ينجح في مسعاه.

وهذا ما أكّده سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (العراق لا يحتاج إلاّ إلى إدارة رشيدة تقوم على منهج أهل البيت عليهم السلام). وبطبيعة الحال ليس المطلوب هنا، أن يؤمن أصحاب القرار شكلياً بمبادئ أهل البيت، فالإيمان الشكلي قد يكون غطاءً للجهل السياسي والاقتصادي والإداري، بمعنى، ربما يتسلّق بعضهم نحو مناصب مهمة في الدولة استناداً إلى إيمانه الشكلي المذكور، وقد يكون بلا كفاءة ولا مؤهّلات، هذا النوع من الساسة لسنا بحاجة لهم، لأن العراقيين يحتاجون السياسي المؤمن قولاً وفعلاً بمنهج أئمة أهل البيت عليهم السلام، أي أنه مؤمن ويملك المؤهّلات القيادية المطلوبة والكفاءة التي تساعده على تطبيق المنهج الصحيح في صناعة القرار وتنفيذه أيضاً، لاسيما إذا عرفنا أن العراق لا ينقصه شيء مما يسهم في بناء الدولة القوية الراسخة، فيما لو امتلكت إدارته السياسية والاقتصادية، الكفاءة والقدرة على السمو به إلى آفاق الدول المتقدّمة، كونه بلد يمتلك عناصر السعادة كلها.

وهذا ما يؤكّده تحديداً سماحة المرجع الشيرازي عندما يقول في كلمته المذكورة نفسها عندما يؤكّد على: إن (كل ما يغذّي عصب التقدّم والحياة السعيدة موجود في العراق). وعندما تتوافر جميع المقوّمات لبناء الحياة السعيدة، ولم يهنأ بها شعب العراق، فإنّ الخلل في هذه الحالة واضح تماماً، فالمطلوب قيادة سياسية تمتلك القدرة والخبرة الإدارية المتميّزة، والمدعومة بالخبرة والكفاءة اللازمة، مع أهمية جودة التخطيط والمنهج الذي تسير عليه في إدارة الدولة وشؤون المجتمع.

آن الأوان لينعم العراقيون بخيراتهم
ليس الشعب العراقي وحده، بل التاريخ والعالم كله، يُجمع على أن هذا الشعب ذاق الأمرّين من حكوماته، وقادته، فكانت الأخطاء السياسية والإدارية كارثية دائماً، أما الضحية لهذه الكوارث وما ينعكس من أضرار فادحة نتيجة عدم كفاءة الحكومات، فإنّ العراقيين من عامة الناس هم الذين يتحمّلون عبء تلك الأخطاء القاتلة، فلا عدالة ولا مساواة ولا تكافؤ فرص، ولا استثمار صحيح للثروات، مع أن هذا البلد يحمل في تربته وارضه موارد هائلة، لكن شرائح واسعة تعاني من العوز والفقر، والسبب دائماً جهل القادة واستئثارهم، وتفضيلهم لمصالحهم الشخصية والعائلة على حساب حقوق الشعب.

إنّ فشل الساسة والمخطّطين والإداريين يعود في حقيقة الأمر، لأنهم لم يستحضروا قادتنا العظماء في تاريخنا، وكيف تعاملوا مع الدولة ومواردها، وكيف كان منهجهم في القيادة والإدارة واستثمار الموارد والأموال، فلو كان أولئك القادة على اطّلاع وإيمان بسيرة الإمام علي عليه السلام، ولو انهم جعلوا منه نموذجاً لهم، لاختلفت أحوال العراقيين حتماً، عمّا عليها من أذى، ولا تزال الفرصة سانحة لهم جميعاً، إذ يمكنهم استذكار هذا النموذج العظيم، واعتماد سيرته في القيادة منهجاً فكرياً وعملياً، من أجل النجاح في إدارة البلاد.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (ينبغي التذكير - دائماً- بالفترة الذهبية من تاريخ العراق الذي تنعّم فيه بحكم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام، مستحضرين نماذج من عدله حتى مع أعدائه). إذن قضية العدل في القرار، وفي توزيع الثروات، والتعامل مع الآخرين، ينبغي أن تكون منهجاً لا يحيد عنه القائد السياسي، حتى مع أعدائه.

لذلك يحتاج العراقيون إلى مثل هذه القيادة، وهذه الإدارة الناجحة، لاسيما أن الظروف الراهنة كلّها تصبّ في هذا الاتجاه، وتساعد على تحقيق هذا الهدف، فالشعب العراقي في الحقيقة متلهّف للقيادة الناجحة، وهو يتطلّع إلى تعويضه عن عقود بل حقب الحرمان والعوز التي عانى منها أشدّ المعاناة، فقد آن الأوان فعلاً لتحقيق ما يتطلّع له العراقيون في هذا المجال، علماً أن قيام الإدارة الناجحة ليس محالاً، ولا يدخل في خانة المستحيل، ولعلّ الشرط الأول لتحقيق هذا الهدف، هو أن تتوافر الإرادة القوية الصادقة، لتأسيس وصناعة إدارة دستورية قوية وخبيرة وقادرة على تحقيق تطلّعات العراقيين في هذا الجانب.

كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بوضوح تام: إنّ (الإدارة الصالحة التي يطمح إليها الشعب العراقي ويتوقُ لها منذ عدّة قرون قد جاء الوقت لأن ينعم بها).