LOGIN
المقالات
alshirazi.org
المسلمون بانتظار الحاكم العادل
رمز 83
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 20 سبتمبر 2012
شبكة النبأ: أمر غريب حقّاً أن تبقى أمة المسلمين من دون حاكم عادل، على الرغم من الإرث الإنساني العميق الذي انطوى عليه الإسلام وقدّمه للمجتمع الجاهلي، الذي تحرّر بدوره، من حالات الاستعباد والظلم والقهر، وانتقل بالإسلام من الظلام إلى النور، ولكن بعد مئات السنين، يعيش المسلمون اليوم في دول متفرّقة، تحكمهم أنظمة سياسية قاصرة عن تحقيق العدل بين أفراد وجماعات المجتمع، لأن هذه الأنظمة لا ترى إلاّ مصالحها ولا تدعم سوى حماية عروشها من السقوط، حتى لو راح ضحية ذلك ملايين الأرواح بسبب التشريد والملاحقة والقمع السياسي للأنظمة السياسية التي تدير شؤون المسلمين حاضراً.

بانتظار العدالة
يحلم المسلمون اليوم بحكومة نزيهة وحاكم عادل، بسبب الويلات التي ذاقتها امة الإسلام على أيدي حكّامها، حيث التسلّط والتهميش وغياب المساواة والعدالة على نحو تام، وهكذا تكون الامة التي أعطت للاُمم الاُخرى سبل التنوير، هي نفسها ترزح تحت الظلام، لتبقى تتطلّع إلى الحاكم العادل، متى يأتي ويظهر، كي يحقّق العدالة المفقودة.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في عدد من كلماته المضيئة: (نتساءل: يا ترى هل سينجب التاريخ حاكماً عادلاً يقتفي أثر الإمام عليّ سلام الله عليه الذي كان يشاطر حتى أضعف مواطني دولته؟).

ولعل مفهوم العدالة لا يرتبط بكثرة العدد، أو الموارد المتاحة، بل يتعلّق بصيغ تحقيق الحكومة للعدالة ونشرها بين أفراد المجتمع، فالصين مثلاً بلغت ملياراً ونصف من الأنفار، لكن ليست أقوى دولة، ولا هي الدولة الأكثر عدلاً بين دول العالم، لأن مفهوم العدالة يرتبط بشخص الحاكم أولاً، وحكومته ومدى التطبيق الصحيح لبنود العدل على الواقع، في هذا الصدد يقول سماحة المرجع الشيرازي: (قد توجد اليوم في العالم حكومة تحكم ما ينيف عن المليار إنسان كالحكومة الصينية ولكنها ليست الأقوى، وقد توجد حكومة تحكم دولة قوية كالولايات المتّحدة ولكنها لا تحكم أكبر عدد من الناس؛ أما الإمام عليّ سلام الله عليه فكان يحكم أكبر رقعة من الأرض وأكبر عدد من الناس، وكانت الحكومة الإسلامية يومذاك أقوى حكومة على وجه الأرض).

لا للحرب في دولة العدالة
من الثابت وفقاً لتجارب التأريخ المعروفة، أن الحاكم العادل يضع الحروب خلف ظهر دائماً، وينشغل ببناء اقتصاد الدولة، وبناء الإنسان كقيمة إنسانية متكاملة غير قابلة للتجاوز أو الانتهاك، مهما كان نوعه أو مصدره، لذلك قادتنا العظام انشغلوا بالعدل والبناء قبل أي هدف آخر، من هنا كما يذكر سماحة المرجع الشيرازي: (لم يبادر الإمام عليّ سلام الله عليه بأية حرب ابتداء، فكل حروبه فرضت عليه، وأوّلها حرب الجمل).

لهذا فإن الحاكم العادل هو الذي يحفظ الحريّات ويحميها ويطوّرها، ويتجنب الحروب ما أمكنه ذلك، إلاّ إذا كانت حرب الدفاع عن النفس، وهكذا حصل الجميع على حرياتهم في عهد الإمام علي عليه السلام، على الرغم من نزعة القمع والاستبداد التي كانت رائجة في العالم آنذاك، في هذا المجال يقول سماحة المرجع الشيرازي: (منح الإمام عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه الحريّات للناس في عصر كان العالم كلّه يعيش في ظل الاستبداد والفردية في الحكم، وكان الإمام رئيس أكبر حكومة لا نظير لها اليوم سواء من حيث القوة أو العدد، لأن الإمام كان يحكم زهاء خمسين دولة من دول عالم اليوم).

ويحرص الحاكم العادل على عدم اتهام المناهضين له بالنفاق أو التجريم من أي نوع كان، فالجميع أحرار بالرأي والقول في ظل العدالة، لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي على: (إن الذين خرجوا ضد الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب هم المنافقون الحقيقيون، ولكن سياسة الإمام سلام الله عليه التي هي سياسة النبي صلى عليه وآله والإسلام ومنهجهما في الحكم هو أن لا يستخدم سيف التخويف، ولا يقال عن المعارضين للحكم أنهم منافقون، وإن كانوا هم منافقين حقّاً! فمن أجل إدارة الحكومة ومراعاة المصلحة الأهم وملاحظة التزاحم ومراعاة حال الأمة والمعارضين أيضاً نهى الإمام أن يقال عنهم إنهم منافقون).

كذلك يذكر لنا التأريخ السبق الذي حقّقه قائد الدولة الإسلامية الإمام علي عليه السلام في مجال صيانة الحريّات وحماية الرأي، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي: (إنّ الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه هو أوّل من سمح بالمظاهرات ضدّه وأعطى مطلبهم، وكان المطلب باطلاً في نفسه).

بناء اقتصاد الدولة
من الواضح أن دولة العدالة، تتمتع بمزايا كثيرة، فبالإضافة إلى الاستقرار والبناء والتوازن في حركة الانتاج وما شابه، ستنشغل الحكومة أيضاً في بناء الاقتصاد الأمثل، وهو ما تحقّق فعلاً في دولة الإسلام إبّان حكم الإمام علي عليه السلام، حيث انتفى الفقر، وغابت مظاهره، حتى انك لا تجد فقيراً واحداً في الدولة الإسلامية آنذاك على الرغم من سعة أراضيها وكثرة نفوسها.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (لقد أوصل الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه خلال أقلّ من خمس سنين من حكمه البلاد إلى حدّ لم يعلم وجود فقير واحد حتّى في أطرافها النائية عن العاصمة، حتى أنّ وجود مستعط غير مسلم كان غريباً وشاذّاً).

ولا تقتصر العدالة والضمان الاجتماعي على المسلمين فقط في الدولة الإسلامية، إنما جميع رعايا الدولة تكفل معيشتهم التي تليق بكرامة الإنسان، فطالما هو أحد أبناء الاًمة ومن رعايا الدولة الإسلامية، فإن حقوقه مصانة بغض النظر عن انتمائه الديني أو سواه، لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلماته المضيئة: (في مجال الاقتصاد، وضمان معيشة الأقلّيات، لم يَدع الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه أيّام حكومته فقيراً واحداً من أهل الكتاب إلاّ وضمن معيشته).

وبهذا يتطلّع المسلمون إلى الحاكم العادل والحكومة الناجحة التي تضمن لهم حياة كريمة، من خلال حماية الحريّات وتحقيق العدل بين الجميع.