شبكة النبأ: من المبادئ الأساسية التي جاء بها الإسلام، مبدأ الإقناع، ورفض التعامل بقوّة، وإيجاد بدائل مناسبة تحفظ حقوق جميع الأطراف المتضادة، فالمشاكل التي تعاني منها الجماعات والأفراد والمجتمعات عصيّة على الإحصاء أو الحصر، نتيجة لاختلاف الثقافات والتقاليد والعقائد، وسبل الحياة، فلكل طريقته في العيش، وطبيعته وسعيه لتأمين مصادر العيش الأفضل، من هنا تتوالد المشاكل على مدار الساعة، الأمر الذي يستدعي معالجات تتكافأ مع سرعة توالد وتنوّع هذه المشاكل، على أن يكون العلاج المطروح لا ينتمي للقوة بأي حال من الأحوال.
في إحدى الكلمات القيمة لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يؤكّد سماحته على منهج الإسلام الرافض لاستخدام القوّة في حلّ مشاكل الناس، مهما كان حجمها أو نوعها... يقول سماحته في هذا المجال: (لا يمكن حلّ ورفع المشاكل والانحرافات بالتعامل بالقوّة، لأنه لا يجوز في الإسلام ولا عند أهل البيت صلوات الله عليهم، التعامل بالقوة وبالخشونة، بل هذا التعامل مرفوض في الإسلام وعند أهل البيت، وغلط ومذموم. فيجب التصرّف بالموعظة الحسنة وبالحكمة).
لذلك فمنطق القوّة مرفوض تماماً، ويتقدّم عليه منطق الإقناع، من خلال الحكمة التي توجّه مسارات العلاقة بين المسلم وأخيه، وبين عامة الناس من الأديان كافّة، فلا يجوز استخدام القوّة ظلماً على الأضعف منك، مهما كانت المبرّرات، ولابدّ من سلوك طريق الحكمة لحلّ النزاعات بأنواعها كافّة، أما اللجوء إلى العنف واستخدام القوّة الظالمة، فهو أسلوب يرفضه الإسلام جملة وتفصيلاً.
كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا المجال: (بعض الجهلة وباسم الإسلام يشدّ حزاماً ناسفاً على بدنه ويفجّر نفسه وسط النساء والأطفال ويزهق أرواح الكثير من الأبرياء، أو يفجّر سيارة مفخّخة، ويزهق أرواح العديد من الأبرياء. وهؤلاء الجهلة هم ضحية الابتعاد عن أهل البيت صلوات الله عليهم، وضحية الابتعاد عن ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم، والإسلام بريء من هذه الجرائم، وهي ليست من الإسلام بتاتاً).
الإسلام منهم براء
ثمّة نفر ضال، ينسبون أنفسهم للإسلام، ويقومون بأفعال شنيعة يرفضها الإسلام بصورة كاملة، لأنها لا تمثّل جوهر التعاليم السمحاء، لذلك فإنّ أيّ فرد يقوم بإزهاق النفس البريئة، هو ليس من الإسلام، وهذا الأمر ورد في نصّ قرآني صريح، فمن يقتل النفس التي أعزّها الله تعالى كما لو أنه قتل الناس جميعاً، وهكذا لا يوجد أيّ نوع من أنواع القبول لما يقوم به الإرهابيون بقتل الناس الأبرياء، بوسائل قمّة في القسوة والإجرام والعنف.
إنّ التأريخ الإسلامي في صفحاته البيضاء، يؤكّد لنا ان هذا الأسلوب العنيف لا علاقة له بالإسلام، بل هو أسلوب شيطاني مرفوض جملة وتفصيلاً، فكيف يمكن أن يقبل الإسلام بقتل الناس الأبرياء، وهو الذي أنقذ العالم من براثن الظلم والعنصرية والتباين الطبقي، وحرّر العبيد، وساوى بين الجميع بغضّ النظر عن المركز الاجتماعي أو الوظيفي، فالكل متساوون عند ربّهم، لا يفرق بينهم سوى العمل الذي يخدم الإنسانية جمعاء، وكذلك جميع الناس متساوون في الحقوق، ولا فضيلة لأحد على آخر، إلاّ بما يقدّمه من خدمات إنسانية تصلح الإنسان وترفع من شأنه وتحمي كرامته، لذلك فإنّ التعامل بخشونة، واللجوء إلى العنف الذي يصل إلى حدّ القتل، باسم الإسلام، يعدّ من الأمور الخارجة على التعاليم الإسلامية.
والدليل القاطع أن جميع الأولياء، وأئمة أهل البيت عليهم السلام، لم يسمحوا قط بقتل طفل أو امرأة، كما يفعل الآن الانتحاريون الإرهابيون، عندما يرتدون الأحزمة الناسفة، ويفجّرون أنفسهم بين حشود الناس الأبرياء، ومن بينهم الأطفال والنساء، فهل هذا هو الإسلام الذي يدّعي هؤلاء الإرهابيون الانتماء له؟!
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله في هذا المجال: إنّ (أصحاب تلك الجرائم – الأحزمة الناسفة وتفخيخ السيارات- تراهم ينسبون جرائمهم وما يرتكبونه من أفعال مشابهة، إلى الإسلام. وهذا كلّه كذب. فلو بحثنا في التاريخ فلن نجد حتى مورد واحد، أمر فيه أهل البيت صلوات الله عليهم بقتل طفل أو امرأة).
الفساد الأخلاقي والعقائدي
إنّ المصدر الأول كما هو واضح للإرهاب، والعنف والابتعاد عن الحكمة، هو سوء الأخلاق، والجهل في العقائد، هذان السببان لهما تأثير كبير على زرع روح التطرّف وجميع مظاهر التعصّب، لذلك لابدّ للفرد أن يكون مسؤولاً عن حمايته كي لا يسقط في مستنقع الفساد الأخلاقي والعقائدي، ولا تنحصر هذه الحماية بالمؤسّسات والمنظّمات المعنية، ولا هي مسؤولية رجال الدين فقط، بل تقع على الفرد نفسه مسؤولية أساسية لمحاربة الجهل والتعصّب والعنف، ورفض منطق القوّة لفرض الرأي أو العقيدة على الاخرين، ومن الجدير بالذكر أن نؤكّد على أن الفرد الذي يحمي نفسه من الفساد في المجالين الأخلاقي والعقائدي، فإنّه سوف يكون قادراً على التعامل بحكمة مع الآخرين، لهذا من المستحسن للجميع أن يتسلّحوا بالعلم حتى يحمون أنفسهم من الانحراف.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (يجدر بالجميع، رجالاً ونساء، وشيبة وشباباً، أن يصمّموا على حفظ أنفسهم وصونها من الوقوع في الهاوية وفي مستنقع الفساد الأخلاقي والعقائدي). ولا يعفى أحد من هذه المسؤولية تحت أيّ مبرّر كان، فالإسلام الصحيح يدعو إلى التعامل بمنطق الحكمة والتروّي، وفق المبادئ والقيم الإنسانية التي تحمي وتصون كرامة الناس وأفكارهم وعقائدهم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع في كلمته نفسها: (علينا جميعاً أن نسعى إلى تصحيح عقائد الناس، وإلى تعليمهم الأحكام والأخلاق، وأن نعمل على نجاة الدنيا من المستنقع الذي غرقت فيه. علماً بأن كل مسلم له قدرة واستطاعة، فهو المعنيّ في هذا المجال وغير معفي منه. وعلى الجميع أن يعلموا بأنهم لهم التأثير بمقدار ما، ويمكنهم أن يكونوا مؤثّرين). وهكذا يبدو أو يتّضح من كلام سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، أن المسلم يجب أن يساهم في تكريس هذا التعامل الإنساني السليم.
وليس هناك من هو غير معنيّ بهذا الأمر، بل من الواضح أن جميع الأفراد المسلمين، لهم القدرة على تصحيح عقائد الناس، وحمايتها من الانحراف، حتى يبتعد المسلم عن فخ الإرهاب، والعنف، والتعامل بعيداً عن مبدأ الحكمة، في معالجة أمور الحياة كافّة.