شبكة النبأ: زيارة الأربعين تمثّل قمّة من قمم الشعائر الحسينية وذروتها، فهناك أدلّة كثيرة على صحّة هذا التوصيف وإثباته، فهذه المرحلة والدرجة العالية من حضور الزائرين الكرام التي بلغتها زيارة الأربعين أمر واضح للعيان، لذلك من أوضح الأدلّة على عظمة هذه الشعيرة، ملايين المحبّين التي تكتظ بهم مدينة كربلاء المقدّسة على مدار الساعة، فضلاً عن المدن والشوارع والساحات والمناطق التي يمرّ بها الزائرون وهم يحثّون الخطى صوب سيد الشهداء صلوات الله عليه قاصدين ضريحه الشريف من أقاصي الأرض وبقاعها.
وحتماً أن هذه الأعداد الهائلة التي تقطع المسافات الطويلة إلى كربلاء المقدسة، تحتاج إلى خدمات كثيرة وكبيرة، تبدأ من الطعام والماء والسوائل الأخرى كالشاي والعصائر والمنام والراحة والاستحمام ولا تنتهي بالحاجات المعروفة التي ينبغي توفيرها للإنسان بصورة مستدامة، ومع هذا العدد الهائل لزوّار الأربعين، فإنّ الجهد الخدمي المستمر يحتاج إلى مبالغ طائلة ينبغي أن يشترك في تقديمها الأثرياء والحكومات المسلمة، علماً أن المساهمة في سدّ هذه الاحتياجات أمر ممكن كما أثبت ذلك أهل العراق.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كلمة توجيهية قيّمة للمسلمين: (يجب أن لا نغفل عن الشعائر الحسينية المقدّسة، وأن نشجّع الناس عليها ونرغّبهم إليها، كي تقام بأبهى مظاهرها وأكثر سعة ووسعة. فإن خلا مكان ما من حسينية، أو لا يمكن إقامة المراسيم الحسينية المقدّسة فيه، فيجب الاهتمام لذلك. وهذا العمل ممكن، وأكبر دليل عليه هي مراسيم الأربعين الحسيني في العراق).
لا شكّ أن البسطاء من العراقيين، وأصحاب الدخل المحدود أثبتوا بأنهم موالون للحسين صلوات الله عليه وللأئمة أهل البيت صلوات الله عليهم وذلك من خلال تقديمهم لكافّة الخدمات التي يحتاجها الزوّار، بحيث أن الزائر يجد كل ما يحتاجه من خدمات منذ لحظة دخوله وأدائه لمراسيم زيارة الأربعين حتى لحظة مغادرته المدينة المقدّسة، وقد ساهم الفقراء بكل ما يملكون لتوفير الخدمة اللائقة بالزوّار الكرام.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي إنّ: (أهل العراق، فيهم الألوف من أصحاب الدخل المالي القليل أو الضعيف، وكذلك من المعوزين، نراهم خرجوا من الامتحان والاختبار بشكل حسن ونالوا التفوق الجيّد، لأنهم في سبيل الإمام الحسين صلوات الله عليه وفي إحياء الشعائر الحسينية المقدّسة، باعوا كل ما لديهم من سكن ومأوى وسيارة التي تعتبر عند قسم منها مصدر دخلهم المالي ورزقهم، وصرفوها على الزائرين الحسينيين).
فقراء العراق وخدمة الزائرين
من المؤسف حقّاً أن الحكومات المسلمة لم تبادر كي تنهض ببعض الأعباء التي يحتاجها زوّار أبي عبد الله صلوات الله عليه، كما أن القليل من الأثرياء من يبادر بصورة جادة للمساهمة في هذا المجال، بينما نجد أن الفقراء يتنافسون فيما بينهم كي يقدّموا كل ما يملكون في سبيل إدامة الشعائر وإنجاح مراسيم زيارة الأربعين حبّاً بالحسين صلوات الله عليه ووفاء له وتمسّكاً بمبادئه.
مثل هذه الملاحظات التي تم مشاهدتها وملاحظتها يمكن أن نجدها في واقعنا للأسف، حيث يتلكّأ أصحاب القرار في الحكومات المسلمة من المساهمة في توفير نسبة معيّنة في هذه الخدمات مثلما نلاحظ القصور نفسه لدى المقتدرين مالياً، لكن لا أحد يستطيع أن ينكر على أهل العراق من الفقراء دورهم الكبير في دعم زوّار سيد الشهداء صلوات الله عليه.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها: إنّ (الزائر الحسيني عندما يدخل العراق في موسم الزيارة بحاجة إلى توفّر الماء والغذاء والمكان للاستراحة، فيكون ضيفاً عند محبّي الإمام الحسين صلوات الله عليه أي أهل العراق إلى يوم الأربعين. وهذه الخدمات لا تأخذها على عاتقها لا حكومة مسلمة ولا تاجر ولا ثري بشكل كامل، سوى عدد قليل من التجّار، ولكن السهم الأكبر من هذه التكاليف والمصاريف هي على عاتق الفقراء).
ويؤشّر سماحته إلى هذا الخلل المؤسف لدى الأثرياء والحكومات فيما يتصدّى الفقراء وضعفاء الحال للإيثار والتضحية التي قد تصل إلى التضحية في مصادر أرزاقهم، في حين يتوجّب على الحكومات والأثرياء المبادرة في خدمة الزائرين الكرام من خلال اتخاذ بعض الخطوات المهمة التي تساعدهم وتسدّ لهم بعض النواقص المهمة، مثل تحمّل أثمان رحلات الطيران التي تنقل الزوّار من وإلى بلدانهم.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (حقّاً إنه غير لائق أن لا يقدم المسلمون الأثرياء ولا الحكومات ولا باقي الأثرياء على عمل في هذا الصدد. ولكن ترى الضعفاء والفقراء على استعداد للخدمة وللإيثار! فلماذا لا تقام رحلات طيران مجانية في هكذا مواسم إلى المراقد المقدّسة؟).
ماذا يحتاج زائرو الإمام الحسين
لقد لوحظ معاناة كبيرة لبعض الزوّار الكرام، مثل البقاء بدون مأوى أو النوم تحت المطر، وهو أمر ما كان له أن يحدث لو أن الجميع تعاونوا ومن بينهم الحكومات والأثرياء لمعالجة مثل هذه النواقص على الرغم من أن بسطاء الناس من أهل العراق قد قاموا بما يجب وقدّموا كل ما يتمكّنوا عليه في مجال خدمة زائري أبي عبد الله الحسين صلوات الله عليه، مع العلم أن الثواب الذي يناله من يقدّم الخدمة للزوّار الكرام كبير في الدنيا والآخرة.
حيث يتساءل سماحة المرجع الشيرازي في كلمته قائلاً: (لماذا يبقى الزائر الحسيني بلا مأوى، وينام في الشارع تحت المطر؟ اعلموا ان خدمة الزائر له أجر وثواب كبيرين).
لذا فإنّ من يحبّ الحسين صلوات الله عليه لا يكفي أن يتفوّه بهذا الحبّ بلسانه فقط، هناك واجبات عليه ينبغي القيام بها، منها على سبيل المثال أن يقتدي بالفقراء وبسطاء الناس، فهناك من يبيع بيته وسيارته التي هي مصدر رزقه الوحيد حتى يتمكّن من تقديم الخدمة للزوّار الكرام القادمين من بلدان قاصية لأداء شعيرة زيارة الأربعين.
ثم يتوجّه سماحة المرجع الشيرازي بمخاطبة محبّي الإمام الحسين صلوات الله عليه ويطالبهم بالمساهمة في خدمة الزوّار الكرام، خاصّة القادرين منهم، الأثرياء والتجّار، حيث ينبغي توفير السكن والمنام والراحة لملايين الزوّار، وهو جهد لا يستطيع أن ينهض به الفقراء وحدهم، حتى لو كان عدد المساهمين في هذه الخدمة بأعداد هائلة من محبّي أهل البيت صلوات الله عليهم.
فالمطلوب هو مساهمة المقتدرين مالياً، من أصحاب الثروات الموالين للحسين صلوات الله عليه، عليهم أن يبادروا في هذا المجال ويسهموا بقوّة، حيث يحتاج الزوّار القادمون بزخم هائل إلى المدينة المقدّسة إلى آلاف العمارات السكنية كي تأويهم طوال أيام زيارة الأربعين المباركة، وهو عمل ليس بالعسير على الأغنياء وعلى الحكومات، خاصّة إذا جعلوا من الفقراء نماذج لهم في هذا المجال.
حيث يسعى الفقير إلى إثبات موالاته للحسين صلوات الله عليه ليس بالقول المجرّد وحده، وإنما بالقول المدعوم بالفعل والعمل الملموس، كذلك مطلوب من الأغنياء والحكومات أن لا يبقوا أسرى الكلام وحده، وينبغي أن يبادروا إلى إثبات كونهم من محبّي الإمام صلوات الله عليه، وبالنتيجة فإنّ الثواب سوف يتضاعف لهم، علماً أن الفقراء لا يمكنهم تنفيذ مشاريع سكن عملاقة للزوّار بينما يتمكّن الأثرياء من تحقيق هذا الهدف.
كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي وهو يخاطب المحبّين: (أقول لمحبّي الإمام الحسين صلوات الله عليه عليكم بتوفير وسائط النقل، والسكن في كربلاء وأطرافها. فالزائرون الحسينيون في هذه المناسبة الحسينية الكبيرة، بحاجة إلى الألوف من العمارات السكنية المتعدّدة والكثيرة الطوابق. وهذا الأمر لا يتمكّن عليه الفقراء، والأثرياء فقط هم الذين بإمكانهم أن ينفّذوا مثل هذه المشاريع).