شبكة النبأ: ما من شك أن العراق اليوم يجتاز أخطر مرحلة في تاريخه الحديث، وهو لا يزال في مخاض التجربة السياسية التي يُراد منها نقله إلى برّ الحرية بأمان وتوازن واستقرار، وهناك عقبات جدية وتعقيدات بالغة الخطورة تعترض طريق العراقيين لتعبيد الطريق نحو دولة قادرة على حماية الحقوق وتأمين متطلبات حياة مرفّهة، من خلال التخطيط لدولة ذات ركائز اقتصادية معاصرة، مع بلورة نسيج مجتمعي قائم على التعايش وتدعيم منظومة القيم الرشيدة.
ولعل أهم العوامل التي تساعد على نقل العراقيين إلى شواطئ الأمان والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي، هو عامل توحيد الكلمة ورصّ الصفوف، والعيش بسلام ووئام وانسجام بين الأطياف العراقية المختلفة، فهذا الاختلاف ليس خلافا، إنما هو فسيفساء التنوع الذي يمنح الشعب العراقي ميزة تساعده على بلوغ مراتب التقدم أسرع من غيره من الشعوب الأخرى، ولعل الوعي الذي يتحلى به العراقيون وحبهم للثقافة وتمسكهم بإنسانيتهم وقيمهم النبيلة لكفيل بتحقيق تطلعاتهم نحو غد مشرق ودولة مؤسسات راسخة.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظلّه)، يقول في الكتاب القيّم (من عبق المرجعية):
(من أهم ما يجب اليوم على الجميع في العراق، جمع كلمة المؤمنين، وذلك بنبذ الخلافات القبلية والإقليمية والفئوية، وغيرها، ورصّ الصفوف، وجمع شمل الشعب العراقي الواعي والنبيه).
ولعلنا نفهم كعراقيين أن هناك من أعداء العراقيين، من يتربص بهم، ويسعى ويخطط لاستغلال نقاط الاختلاف بين المكونات العراقية، لكي يحولها من صيغة الاختلاف إلى الخلاف، وتصبح ثغرات يتسلل منها هؤلاء المتربصون كي يخلقوا نوعا من الهشاشة التي تصيب النسيج المجتمع، ويسعون من خلال التركيز على الاختلافات لزرع الفتن والتناحر بين العراقيين، من أجل إضعافهم وإلهائهم بالمشكلات الداخلية، حتى يتسنى لهؤلاء المتربصون ومن يقف وراءهم تحقيق مآربهم الشريرة التي تسعى إلى سلب ثروات العراق، وزعزعة أمنهم، ولإفشال وصولهم إلى تحقيق دولتهم العادلة القوية المستقرة، في ظل نظام مؤسساتي دستوري نموذجي.
لذلك ينبغي التنبّه إلى هذه الثغرات المجتمعية وغلقها، وعدم فسح المجال أمام صانعي الشقاق والفُرقة بين العراقيين، لأن مثل هذه الأمور تصبح معيقات للتجربة، وتضع الحجر في طريق المؤمنين وتسعى لمنعهم من بناء الدولة المدنية القائمة على تحقيق الأهداف الإنسانية السامية.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(عدم فسح المجال للرؤى المختلفة، لكي تتسلّل وتوجد الانشقاق والفرقة، وتمزّق وحدة الصفّ والكلمة، فإنها هي الأخرى تعوّق سير المؤمنين قدماً إلى تحقيق الأهداف الإسلامية السامية).
عليكم التزام الصبر والحلم
وكما هو معروف على مر التاريخ، أن الأهداف العظيمة لا تتحقق بين ليلة وضحاها، ولا يمكن أن تتبلور وتنضج من خلال سياسة حرق المراحل، فالنمو السياسي السليم وحده الكفيل بإنضاج التجربة السياسية، أما القفز من حال إلى حال بسرعة ومن دون رويّة وتأنٍ وتخطيط سليم وتخطٍ مدروس وصبور للعقبات، فإنه في الحقيقة لا يكفل الانتقال الصحيح إلى نظام تحرري يضمن الحريات العامة، وخصوصا حرية الرأي وغيرها من الحريات.
هذا الهدف المدني الملحّ والكبير يحتاج إلى شعب صبور، يفهم ويتقن سياسة الحلم والتأني، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا عبر التسلّح بالثقافة العميقة السامية، لكي تتوافر أرضية التغيير اللازمة وإمكانية الانتقال من صيغة حياة قائمة على الأحادية والكبت والقمع وسيادة الأمر الأوحد، إلى حياة سياسية واجتماعية عمادها تلاقي الآراء وتفاعلها بحرية وازدهار، تمهيدا لترسيخ منهج التعددية القادر على ضمان حقوق الجميع بالأخص الأقليات، وهذا يستدعي أيضا ثقافة رصينة قوية وجديدة لكيفية المطالبة بالحقوق واستردادها بالطرق السلمية.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) بقوله:
(على المؤمنين في العراق تقوية أنفسهم، والتسلّح بالثقافة الدينية والسياسة، ورصّ الصفوف، ونبذ الخلافات، وجمع الكلمة، والمطالبة، بـ الطرق السلمية).
أما قضية تطويق حرائق الفتن بين المكونات والأطياف العراقية، فهي مهمة تتصدر جميع المهام، ومن يتصدى لها بشكل عام هم العراقيون جميعا، أم التصدي للتطويق بشكل خاص فهو من مهمة الحكماء والعقلاء من علية القوم، لأم الهدف الأهم والأكثر إلحاحا هو قبر الفتن وهي لما تزل في مهدها، هذه المهمة تتطلب عناصر متعددة تتآزر فيما بينها، أهمها جانب التثقيف والتوعية المستمرة من الحكماء والخطباء لعامة الشعب، وقد أظهرت نتائج التوعية نتائج واضحة في النسيج المجتمعي الذي استطاع أن يستوعب الصدمات المتتالية، ويعي الأهداف الخبيثة للمتربصين، فقاوم الشعب التفرقة بالوعي والثقافة والتقارب والالتفاف حول قادته من الحكماء والخطباء والعقلاء.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(من اللازم على جميع الأحبّة في العراق في هذه المرحلة الحسّاسة والعصيبة، التزام الصبر والحلم، كما أنه ينبغي تطويق الحكماء للفتن التي يراد إشعالها، والقضاء عليها في مهدها).
لا لهيمنة الظلم والانحراف
بات واضحا كلّ الوضوح أن نجاح الشعب العراقي في بناء دولته القوية المستقرة، عبر نظام تحرري تعددي، صار يؤرّق الكثير من الأنظمة الإقليمية التي ترى في نجاح العراق تهديدا مباشرا لها، من هنا فهؤلاء لا يدخرون جهدا في تعطيل مساعي العراقيين لبناء طولتهم ونظامهم السياسي الناجح، لذلك لابد من الحذر الشديد من إثارة الفتن، ورصد التحركات المشبوهة التي تسعى الى خلخلة حالة التعايش التي يتحلى بها العراقيون مع بعضهم، وتوصد الأبواب والنوافذ أما صانعي الفتن سواء الأنظمة التي لا يروق لها نجاح العراق، أو تلك الذيول التي تتحرك في الداخل لزعزعة السلم الأهلي عبر إثارة الفتن وسواها من الدسائس التي تُحاك في الدهاليز المظلمة للحاقدين الخائفين من تجربة العراق التحررية.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) حول هذا الموضوع:
(يجب الحذر من العدوّ اللدود الذي يتربّص بالشعب العراقي المظلوم، ويحاول بشتّى الوسائل أن يشعل فتنة طائفية بينهم، ومثل هذه الفتن لا تنتهي إلاّ بفشل الجميع، كما أنها تعبّد الطريق لهيمنة الضلال والانحراف، والظلم والفساد).
وقد عُرف عن العراقيين عبر تأريخهم الطويل، أنهم شعب أبيّ طيب، ذوّاق ومثقف وباسل في مواجهة التحديات أيَا كان منشؤها أو مصدرها، وهو الشعب الذي اعتاد أن يكون من أوائل المضحين، الذين يفتدون مبادئهم وقضاياهم المصيرية بالأنفس والدماء والممتلكات وبكل غالٍ ونفيس، وعلى الرغم من أن محاولات الأعداء والمغرضين لثني العراقيين عن مواصلة جهودهم الحثيثة في بناء دولتهم وتقوية نسيجهم المجتمعي، إلا أن جميع تلك المحاولات الخبيثة باءت بالفشل حاضرا، وسوف تفشل مستقبلا، من خلال قوة الوعي والصبر والحلم والحرية التي يتمسك بها العراقيون ويتشبثون بها كخيار وحيد لا بديل له ولا حياد عنه.
إن المنافقين والمنحرفين الذي تسللوا إلى مراكز القرار في غفلة عين، لا يمكنهم إلحاق الهزيمة بهذا الشعب الأصيل، وأن مآل محاولات المغرضين ستذهب كلها أدراج الرياح ويبقى العراق وشعبه الصبور في حالة استعداد دائما لمواجهة الدسائس وإبطال مفعولها، ومواصلة بناء الدولة القوية الحامية للحقوق والنظام الذي يستمد سلطاته من شرعية صناديق الاقتراع، وهذا هو ما يليق بهذا الشعب العريق.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يؤكد على هذه النقطة بالقول:
(شعب العراق الطيّب وعبر تاريخه الطويل كان وسيبقى شعب الصمود والصبر والفداء والتضحية، فهو شعب لا تثنيه كثرة المحاولات الأثيمة عن عزمه، ولا يستلب منه المنحرفون والمنافقون الصبر والحلم، والتعايش ووحدة الصفّ، والمطالبة بحقوقه العادلة التي ضمنتها له مبادئ الإسلام, وأقرّتها القوانين الوضعية).