LOGIN
المقالات
alshirazi.org
الخلاص يكمن في التعايش وإدارة النزاعات
رمز 216
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 28 سبتمبر 2014
شبكة النبأ: التعايش في مفهومه الواضح، هو نشر حالة من التوافق بين الأفراد والجماعات والشعوب داخل الأمة الواحدة وخارجها، بما يضمن درء خطر الحروب الأهلية والدولية، وبما يؤدّي إلى حالة من الوئام بين الجميع حتى لو اختلفت آراؤهم أو افكارهم أو معتقداتهم أو ثقافاتهم، فالكل ينظر إلى الكل بطريقة وأسلوب يمنع الاحتراب، ويتم إدارة النزاعات بطريقة ذكية تمنع وقوع الحرب، وتقتل الفتن وهي في مهدها.

وهناك نقطة مهمّة جدّاً تتعلّق بمعنى التعايش، فهو لا يعني قبولك بالآخر، وإنما يعني التعايش عدم محاربتك للآخر المختلف معك، معنى هذا انك لست مضطرّاً على القبول بفكر الآخر أو معتقده أو ثقافته، ولكن عليك أن لا تتقاتل معه، وعليه أن لا يعلن الحرب عليك بسبب الاختلاف الفكري أو الثقافي أو الديني والعقائدي، هذه هي الفكرة الأساسية للتعايش، وغالباً ما يقترن الأخير بحسن إدارة النزاعات التي تنشأ بين الأفراد أو المجموعات المختلفة. والحقيقة التي نستطيع استنباطها مما يدور في الواقع، أن الشيعة لم يتعلّموا التعايش بعد، بمعنى انهم مطالبون بمعرفة فوائد التعايش وتطبيقها في حياتهم.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، حول هذا الموضوع في إحدى كلماته القيّمة: (يجب على الشيعة أن يتعلّموا التعايش مع بعض. والتعايش ليس معناه أن يقبل كل واحد بالآخر، بل هو عدم التحارب وعدم الزعل. فليبقَ كل واحد أو مجموعة على فكره وفضائيته وصحيفته وما إلى ذلك، ولكن لا يزعل مع الآخرين ولا يتحارب ولا يتقاتل معهم).

وقد أورد سماحة المرجع الشيرازي مثالاً عن التعايش في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وما خلّفته من مآسٍ وخسائر فادحة للشعوب الأوروبية، ودعا سماحته إلى أهمية الاستفادة من هذا المثال الشاخص أمامنا، فقال سماحته في هذا المجال:

(بعد الحرب الكونية الثانية، اتّفق الأوروبيون فيما بينهم وبين أميركا على أمرين، واعتبروهما خطاً أحمر، وهما: الأول: عدم الاقتتال والتحارب بينهما مهما كان سبب الاختلاف والاكتفاء بالحرب باللسان وبالإعلام. والثاني: عدم الزعل وعدم التنافر. علماً بأنهم شعوب مختلفة، وألسنة مختلفة، وأديان مختلفة، وتوجّهات مختلفة، ولكنهم اتّفقوا على ذلك).

ولا تنازعوا فتفشلوا
عندما نطالع صفحات التأريخ، ونقرأ حيثيات النزاعات التي حصلت بين الأمم مع بعضها بعضاً أو بين مكونات الأمة الواحدة، فإننا غالباً ما نصل إلى استنتاج واحد، هو ليس هناك طرف مستفيد من الحرب حتى من يعلن أو يشعر بأنه منتصر على الطرف الآخر، فحقيقة الأمر ان جميع أطراف الحرب والنزاع هم خاسرون وفاشلون، ومن ينجح هو ذلك الذي يستطيع أن يتجنّب الحرب بذكائه في مجال إدارة النزعات. وقد واجه الشيعة مصاعب كبيرة، وقدّموا خسائر كبيرة كان يمكن أن يتجنّبوها لو أنهم أتقنوا ثقافة التعايش.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بكلمته المذكورة نفسها: (ثقافة التعايش هذه لم يمارسها الشيعة، فعليهم أن يتعلّموها ويمارسوها. ولقد قال القرآن الكريم قبل ألف وأربعمائة سنة: وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ. سورة الأنفال: الآية 46 وهذه الآية الكريمة تبيّن أن مع المنازعة الفشل).

علماً ان الشيعة في العالم يمتلكون كل شيء، وفي حالة استخدام قدراتهم بالصورة الصحيحة، فإنهم يكونوا في مقدّمة البشر، ولكنهم يفتقرون للمناعة كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي، والمناعة تتمثل بالتعايش، وبهذا المعنى فإنّ الشيعة في أقصى الحاجة لهذا الأسلوب في الحياة، ألا وهو أسلوب التعايش.

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال على: (أن الشيعة في العالم، عندهم كل شيء. فعندهم الأموال والتجّار والمراجع ورجال السياسة وغيرها، وهم منتشرين في الأرض كلّها، ولكن يفتقدون لشيء واحد وهي المناعة! ومناعة الشيعة هي أن يتعايشوا مع بعض وأن تتّحد كلمتهم).

وعندما تتحقّق وحدة الكلمة لدى الشيعة فإنّ مناعة هذا المكوّن المهم في العالم، والذي يشبه الجسم البشري سوف تكون قوية وكبيرة وعصية على الاختراق، فلا يمكن في حالة انتهاج الشيعة لأسلوب التعايش، أن يتعرّضوا للتصدّع، ولا يمكن أن تشغلهم النزاعات فيما بينهم أو مع غيرهم، لأنهم سوف يكونوا قادرين على وأد الفتن التي تحدث بينهم وهي في مهدها، كذلك سوف تكون لديهم قدرة على إدارة الصراع مع الآخر، بما يضمن عدم إشعال الحروب والاقتتال، وفقاً لمبدأ التعايش الذي ينص على (انني لا أتّفق معك ولا أقبَلك، لكنني لن أُقدم على الحرب أو الاقتتال معك). كذلك من شروط التعايش انك لا تجبر الآخر بالقبول بما تراه أنت، فمثلما لا تقبله أنت، يمكنه أن لا يقبلك، إلاّ بالاقناع.

الشيعة أمّة عظيمة
يرى سماحة المرجع الشيرازي بأن الشيعة أمّة عظيمة في العالم، استناداً إلى ما يمتلكون من مزايا فكرية ومادية ومؤهّلات أخرى كبيرة، ولكن شريطة أن يتقن الشيعة ثقافة التعايش، فهي التي تجعلهم أكثر تماسكاً وقوًة وقدرة على مجاراة المصاعب وإدارة النزاعات بالطرق التي لا تسبّب لهم أذى، ولا تستنزف مواردهم الفكرية والمادية، فضلاً عن أهمية قيام الشيعة بنهضة ثقافية شاملة كما يرى سماحة المرجع الشيرازي دام ظله.

إذن أمام الشيعة كمكوّن عالمي مهم، شرطان أساسيان، لهما أهمية بالغة في حاضرهم ومستقبلهم، وهما فهمهم وإيمانهم ومعرفتهم الدقيقة لثقافة التعايش وتطبيقها على واقعهم بصورية متقنة، أما الشرط الآخر كما ذكرنا سابقاً، أهمية قيام الشيعة بنهضة ثقافية كبيرة لتظهر للعالم أجمع مبادئ الشيعة الإسلامية المتسامحة المستمدّة من القرآن والسنّة النبويّة وسيرة أئمة أهل البيت عليهم السلام.

وعندما يتحقّق هذان الشرطان يتحقّق للشعية ما تصبو إليه من حياة كريمة، ومكانة كبيرة في المجتمع البشري على الرغم من تناقض مكوّناته في الأفكار والثقافات والعقائد وما شابه، وهكذا يطالب سماحة المرجع الشيرازي الشيعة بهذين الشرطين، ويضعهما في مقدّمة الأمور والجوانب والاشتراطات التي تقدّم خدمة كبيرة للشيعة في عموم العالم.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع الجوهري: إنّ (الشيعة هم أمّة عظيمة بالعالم، فعليهم أن يتعلّموا ثقافة التعايش وعليهم أن يقوموا بنهضة ثقافية شاملة). هكذا يشترط سماحة المرجع الشيرازي هذان الشرطان بوضوح تام، وما على الشيعة سوى التنبّه، والعمل بحرص على إتقان ادارة الصراعات، وفهم وتطبيق ثقافة التعايش في واقعهم اليومي المعاش.

وهكذا لا يزال الشيعة وعموم المسلمين يبحثون عن سبل الخلاص، لاسيما ان حالات الاحتراب وتأجيج الصراعات قائمة بينهم، وهم بأحوج ما يكون إلى السلام والاستقرار لكي يتفرّغوا للتقدّم ومجارة العصر الذي يتّسم بسرعته الهائلة في جميع مجالات الحياة، ويرى سماحة المرجع الشيرازي، أن الخلاص من الظلم يكمن في التعايش ووحدة الكلمة. فإذا تمكّن الشيعة من تحقيق ذلك، سوف يصبحون أقرب إلى الخلاص من المآسي والظلم، وسوف يتفرّغون إلى الإبداع والإنتاج والتقدّم حالهم حال العالم أجمع.

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في كلمته هذه على أن: (خلاص الشيعة من المآسي والمظالم في تعايشهم مع بعض ووحدة كلمتهم).