شبكة النبأ: للبصرة تاريخ عتيد، غني بالعلم والفكر والأدبيات المختلفة، هي مركز حضاري لا يمكن إغفاله تاريخيا ولا حاضرا، وهي أيضا ثاني أكبر مدينة في العراق بعد العاصمة، حافلة بكل ما يمت للحياة من جوهر أصيل، وهذا التميز الجغرافي والفكري يمنحها مكانة خاصة عند من يألفها أو حتى من يقرأ عنها، بما يفرض على سكانها وقادتها المحليين والاتحاديين، أن يرفعوا من شأنها ولا يتركونها في مهب الموجات الفكرية المسمومة، لأن خسارة البصرة ليست كأي خسارة، إنما تعني خسارة تاريخ مكتنز بالإبداع، وخسارة مكانة تحلم بها مدن العالم أجمع.
ومما زاد من عنفوانها وألقها، ما قدمه لها ساكنوها والنخب المخلصة من جهود عظيمة، خاصة في المجال الفكري والعقائدي، فقد تحمل البصريون الطيبون أصناف العذاب والويلات، حتى قيل أن البصرة واجهت أقوى العواصف في الحروب الفكرية والفعلية إبان الاحتلال الانكليزي وقبله وبعده، ولكن الناس الأفاضل الذين عاشوا في هذه المدينة لم يتخلوا عنها، وقدموا من الإخلاص والخيرات ما يُشكرون عليه، وبما يستطيعون بلا خوف أو تردد، وهذا ما هو مطلوب منهم الآن أيضا، حيث تتعرض البصرة إلى موجة سوداء من الفكر المسموم.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كلمة توجيهية قيمة لسماحته:
(إنّ العراق ككل، وبالذات البصرة التي هي ثانية أكبر المدن في العراق، قد عاش فيه وفيها أمثالكم الألوف، وعملوا، وذهبوا إلى الله تعالى، كلّ بمقدار ما أخلص ونشط وتعب وتحمّل).
إن شريحة الشباب في البصرة هي الأكبر من بين الشرائح الأخرى، مجاراة مع العراق كله، وهؤلاء الشباب معرَّضون لموجات مغرضة من الفكر الملوّث الذي يهدف إلى تحطيم إرادتهم وتلويث عقولهم وتحييد قدراتهم وطاقاتهم وتدمير مواهبهم، فالشباب البصريون يعانون اليوم من البطالة وغول الفراغ، والحرمان والجوع وضبابية المستقبل، وبهذا فقد كثيرون منهم الأمل، وأصابه الإحباط حتى بات لقمة سائغة للمتصيدين في مثل هذه الظروف، فلم يعد يعرف الشاب ما هو حاضره ولا مستقبله نتيجة للإقصاء والإهمال الذي يعانون منه.
لذلك مطلوب حملات كبيرة وجادة ومخطط لها بصورة علمية جيدة، لانتشال الشباب من هذا الواقع البائس، وحمايتهم من الموجات الفكرية المسمومة كالشيوعية والبعثية وسواها، ومن المعروف أن الشاب المحبط في الواقع ولا يرى مستقبلا مضمونا أمام عينيه فإنه سرعان ما يسقط في فخ الأفكار المسمومة، لهذا ليس هناك مفر من تقديم العون والتعبئة والتحصين الفكري لكافة الشباب، لأن إهمالهم يعني خسارتهم، والأخيرة ستطول العراق كله، وستكون الخسارة هائلة تطول الجميع بلا استثناء حتى من يتسبب بإهمالهم، لذا ينبغي رعاية الجميع من كلا الجنسين، والشروع بتعبئة واسعة تحميهم من السقوط في الفخاخ الفكرية التي نُصِبت لهم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(تواجه البصرة أجواء مسمومة فكرية وشيوعية وعلمانية وبعثية ووهابية، وبالأخص جيل الشباب، بنين وبنات، وهذا كلّه بحاجة إلى الجهود من الكلّ، وبحاجة إلى تعبئة واسعة).
عواصف فكرية فاسدة
ويضرب لنا سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) مثلا تاريخيا يعاصر الإمام الصادق عليه السلام، هذا المثال يوضح كيف يمكن أن يكون الفكر في موقع بالغ الخطورة، خصوصا على الشباب، بسبب مرحلتهم العمرية الحساسة واستعدادهم لاستقبال الحياة وأفكارها، وانفتاحهم وحماستهم التي قد تجعلهم صيدا سهلا لذوي الأفكار السوداء فيما لو تم إهمالهم وتركهم عرضة للمتصيدين، من دون حصانة أو حماية عقائدية تجعلهم في مأمن من الاختراق الثقافي والفكري المسموم.
وإذا كان الإمام الصادق عليه السلام بنفسه يحذر من الثقافات المغرضة والأفكار المريضة، فحريّ بمن يؤمن به ويحذو حذوه ويسير في خطّه أن يعرف بالدقة ما الذي تتعرض له البصرة اليوم من هجمات فكرية مريبة، قد يكون ظاهرها مغلفا بالعلم والمعاصرة والإنسانية، لكننا يجب أن نستغور بواطن هذه الهجمات المسمومة ونتعامل معها على أنها خطير يتهدد حاضر البصرة ومستقبله فضلا عن ماضيها العتيد وتاريخها الناصع.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(كان في زمن الإمام الصادق صلوات الله عليه، فرقة تسمّى بالمرجئة، وكانت بمثابة عاصفة فاسدة فكرية. فكان الإمام الصادق صلوات الله عليه يوصي بالشباب وبالاهتمام بهم قبل أن تسبق إليهم المرجئة).
لذلك قبل أن يسقط الفأس بالرأس، يجب أن يفهم المعنيون من أهالي البصرة، وأصحاب القرار، ما الذي يجري اليوم، وعليهم اتخاذ الخطوات التي تصون شباب البصرة وجميع أهاليها مما يتعرضون له من الثقافات الدخيلة وأصحاب المآرب التي تهدف إلى مسخ هذه المدينة وإرثها الديني والفكري والثقافي المعروف على مرّ التاريخ، فالبصرة ليست أية مدينة، لذلك يستهدفها الأعداء، وهذا يستدعي وضع الخطط الكفيلة بمواجهة هذه الأهداف، وكشفها ووضع من ينبغي من حماية فكرية عقائدية خصوصا الشباب الذين يعانون من البطالة والفراغ والحرمان في هذه المدينة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): (أنتم الآن وقبل أن يسبقكم إلى شباب البصرة والعراق، العلمانية العالمية والشيوعية العالمية والبعثية المحليّة والوهابية المحلّية، عليكم بالاهتمام بالشباب).
الصعوبات تضاعف إصرارنا على النجاح
بالطبع ما تم ذكره حول التسميم الفكري الذي يتعرض له أهالي البصرة وخصوصا شبابها، لا ينبغي أن يكون مدعاة للتراجع أو الإحباط والاستسلام، فالجهات والحركات التي تبثّ سمومها بين الشباب، تهدف بالفعل إلى صنع الإحباط في النفوس، ويريدون فرض الاستسلام على البصرة وشبابها، لذا ليس هناك سوى المواجهة، والاستعداد التام لذلك، بل والإصرار التام على النجاح الذي يجب أن يكون هناك بديل له.
ويجب أن تتوافر هذه الصفات وهذه الإرادة عند الجميع، قادة أو من عامة الناس، إن حماية الشباب يجب أن يكون على رأس الأهداف، حتى أولئك الذين انخرطوا في دروب الانحراف والضياع، فهؤلاء أيضا شبابنا، ومسؤولية إعادتهم إلى رشدهم تقع على عاتق علية القوم والحكماء والنخب الدينية والثقافية وجميع التربويين والمفكرين الذين يقع عليهم القسط الأكبر من المشقة والإجهاد، لأنه ليس هنالك أي بديل عن هذه المواجهة التي لا يمكن الاستغناء عنها أو المضي في طريق الهروب إلى الأمام كما يُقال، فالتهرّب من مسؤولية المواجهة والتصحيح تحت تبريرات واهية لا ينبغي أن تكون متَّكئا لمن يعنيه الأمر من المسؤولية.
وفي كل الأحوال الشباب أبناؤنا، كل شباب العراق، وطالما أن الحديث يتعلق في البصرة وما يدور فيها وما تعانيه من ظروف خطيرة، تتعلق بالإهمال الصحي نتيجة شحة المياه وملوحتها، ومنح فرص العمل للأجانب، وانقضاض غول الفراغ وشبح البطالة على حاضر الشباب ومستقبلهم، فإن النتيجة التي تتمخض عن ذلك شباب مهيّئين للانحراف، وأن من يتصيّد في المياه العكرة سيجد كل شيء متاحا لتطبيق أهدافه، من هنا يجب أن يعي الأخيار المفكرون الحكماء من أهل البصرة خطورة ما يتعرض له شبابها، ويجب العمل الفوري على احتضان الشباب وتلبية كل احتياجاتهم المادية والمعنوية لكي يتم إفشال الأهداف التي تسعى إليها مصادر التسميم الفكري للبصريين وشبابها على نحو الخصوص.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(لا شكّ أنّ هذا الأمر فيه صعوبات وصعوبات، ولكن لابدّ من العمل. فالشباب كلّهم، حتى الذين تعرّضوا للانحراف، هم أبناؤنا، ورغم كل السلبيات، فيجب العمل بهذا الخصوص للشباب).