LOGIN
المقالات
alshirazi.org
سياسة العفو وصناعة السعادة والتفوّق
رمز 236
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 8 يناير 2015
شبكة النبأ المعلوماتية: في تعبير مباشر، وبكلمات واضحة دقيقة، لخّص سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، الطريقة التي يمكن من خلالها أن تنجح الحكومة في خدمتها للشعب، وتنال رضاه وقبوله، عندما قال سماحته في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة: إنّ (العفو رمز نجاح الحكومة وخلودها). هكذا يمكن أن تكون لسياسة العفو مفعولها الكبير، في ضمان النجاح للفريق الحكومي الذي يقود الدولة، وقد أثبتت التجارب صحّة ما ذهب إليه سماحة المرجع الشيرازي، فالعفو عن المسيء والإحسان إليه، يجعل من الأخير عنصراً مناصراً للحقّ، فضلاً عن تحوّله من فريق الإساءة والشطط، إلى فريق الخير والإيمان.

لا يقتصر هذا على الحكومات، أو الفعل السياسي حصراً، وإنما ينسحب على الأفراد والجماعات والفعل الأخلاقي أيضاً، فعندما يجعل الإنسان الفرد من العفو أسلوباً في تعاملاته وعلاقاته مع الآخرين، سوف يكتشف بنفسه فيض النجاح الكبير الذي يلوّن حياته ويضفي عليها سعادة لا تزول، ولا شكّ أن هذه السياسة تقوم على ما ورد في النص القرآني الكريم الذي استدلَّ به سماحة المرجع الشيرازي بكلمته: (قال الله عزّ وجلّ في القرآن الحكيم: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) سورة المؤمنون: الآية96. وتعني الآية الكريمة بأنه إذا تعرّض الشخص للإساءة وصنع به السوء فعليه أن يعفو، وأن يزيد على ذلك بأن يُحسن إلى من أساء إليه، ويزيد على ذلك بأن يصنع مع من أساء إليه، بأحسن أنواع الإحسان. فهذا أمر القرآن الكريم).

إذاً يرشدنا القرآن الكريم إلى سياسة العفو، وعدم مقارعة الإساءة بمثلها، بل على العكس تماماً، ينبغي على الإنسان الفرد، والجماعة (القبيلة، العشيرة، الفئة، الطائفة).. اللجوء إلى العفو بل والإحسان مقابل الإساءة، لسبب بسيط، أن سعادة الإنسان وتوفيقه تكمن في هذا التعامل الإنساني، نظراً لأن المسيء سوف يتعامل وفقاً لردّ الفعل، فإذا كان الردّ هو الإحسان، سوف تكون هناك خطوة فعّالة لاحتواء السوء، ومن ثم إلغائه، بل وتحويله إلى جانب الخير.

لذا فقد أكّد سماحة المرجع الشيرازي على: (أنّ الإنسان الذي يعمل بهذه الآية الشريفة ويصنع هذا الصنيع، على شتّى المستويات، أي على مستوى العائلة والعشيرة والقرية والمدينة والجيران والشركاء والأرحام، سيكون موفّقاً وسعيداً في الدنيا وسعيداً في الآخرة).

نموذج أخلاقي عظيم
لا شكّ أن سياسة العفو عن الآخر المسيء، مبعثها أخلاق الإنسان، ونجاحه ووعيه وأخلاقه إذا كان حاكماً أو قائداً، فعندما يسيء لك أحدهم ولا تبادله بالمثل ولا تتسرّع في الردّ، إنّما يدل هذا على سمو أخلاقك وعلوّ شأنك، أما الحاكم الذي يسلك مثل هذا السلوك هو وحكومته، إنما يعبّر عن تحلّيه بأخلاق عالية بل فريدة، لاسيما إذا عرفنا أن هذا الأسلوب في التعامل مع الآخر، هو منهج الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، سواءً أكان ذلك في العلاقة مع المجتمع أو في إدارة شؤون الدولة، فهذا المنهج الأخلاقي الإنساني، يشكّل ملَكة راسخة في شخصية قائد دولة المسلمين، وعياً وسلوكاً، فكان العفو مع الجميع، سياسة لدولة الإسلام.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال، موجّها كلامه إلى الناس والحكّام: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله يزاول خلقه الرفيع في كل مكان، في بيته ومع أصحابه وأعدائه وفي الحرب والسلم. وهذا الخلق جعل من رسول الله صلى الله عليه وآله أنجح حاكم في التاريخ).

علماً أن هذه السياسة ليست حكراً على الحكّام أو المسؤولين الكبار، بل هي حالة سلوك أو منظومة علاقات مع الآخرين، تقوم على سياسة العفو، فليس هناك إساءة مقابلة لمن يسيء، وبهذا لن تكون هناك سلسلة من الإساءات متبادَلة، مع كل ما تتسبب به من أضرار فادحة بالجانبين، فالشخص الذي كان هدفاً للإساءة، سيكون صاحب حق عندما يردّ بالعفو، ولكنه إذا ردّ الإساءة بمثلها، سوف يتحوّل إلى مسيء أيضاً، وهنا سوف يتشابه مع من أساء إليه، بالإضافة إلى أنه سوف يفقد مزايا من يعفو عن الآخرين، لذلك فإنّ الإنسان الحاكم والمسؤول والمواطن العادي، مطالب بهذه السياسة في حياته، كونها تمثّل طريق السعادة للجميع، فما بالك لو كان رئيس الدولة أو الحكومة يتمسّكون بسياسة العفو؟، إنّ النتائج لا شكّ سوف تكون مشرقة وكبيرة تعود بالسعادة والتوفيق على الجميع.

ويرى سماحة المرجع الشيرازي، أن على الإنسان أن يتحلّى بروح العفو، هذه الروح التي ستجعل منه إنساناً ناجحاً وسعيداً في حياته، بسبب تعلّق الناس به، بل على رئيس الدولة أو الحكومة أن يعتمد هذه السياسة مع عامة الناس، لسبب بسيط أنها ذات السياسة التي اعتمدها الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، وهي أيضاً سياسة أمير المؤمنين عليه السلام.

لذا يؤكّد سماحته في هذا المجال قائلاً: (إنّ الملاك هو أن يكون الشخص في نفسه يملك روح العفو، على شتى الأصعدة والمستويات. فعلى الوالدين أن يعفوا عن أولادهم، والأولاد يعفون عن آبائهم وأمهاتهم، وهكذا بالنسبة للأقرباء بعضهم تجاه بعض، والطلاّب والزملاء والمؤمنات، وحتى على أرفع مستوى في الحكومات، أي الرؤساء).

أسباب مشاكل المسلمين
كثيرة هي مشاكل المسلمين عبر العالم، وكثيرة تلك الأسباب التي تقف وراءها، ولكن هناك أسباب واضحة قوية مؤثرة، تزيد من هذه المشاكل، ولعل أهمها أو أبرزها، أن المسلمين ابتعدوا عن سياسة العفو، ولم يعد التعامل فيما بينهم قائماً على هذه الميزة، أو هذا المنهج الذي بُنيَت عليه أقوى دولة في تاريخ الإسلام، ومن أقوى الدول في حينها، ألا وهي دولة المسلمين في صدر الرسالة النبوية الشريفة، وسياسة قائدها الأعلى القائمة على العفو مع الجميع، أفراداً أو جماعات أو حتى دول.

وعندما لا يعي المسلمون، الأفراد والقادة، أهمية سياسة العفو في صناعة المجتمع والدولة المستقرّة المتقدّمة، وعندما لا يعرف المسلمون أهمية هذا المنهج وهذا الأسلوب في إدارة العلاقات المتبادلة بينهم، عند ذاك لابدّ أن تكون هناك خسائر فادحة، وهذا ما تؤكّده الوقائع الراهنة، وما يحصل للمسلمين، وما يتعرّضون له من خسائر كبيرة ومستمرة كالنزيف، كل هذا يجري لأن المسلمين أفرداً وقادة وحكومات، وضعوا سياسة العفو خلف ظهورهم، فكانوا ضحية لهذا السلوك غير السليم.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب تحديداً: (إنّ المشاكل التي ترونها اليوم لدى لمسلمين، في الخارج والداخل، ولغير المسلمين، يرجع القسم الكبير منها إلى انعدام روحية العفو أو ضعفها، مع شديد الأسف، على مستوى الحكومات والأفراد).

ولا شكّ في ان هذه السياسة، نابعة من فحوى التوجيه الواضح للنصّ القرآني (ادفع بالتي هي أحسن السيئة)، فهذه السياسة ترتكز إلى البعد الإنساني في سلوك الفرد، والمجتمع، والحكومة،وتنعكس عنها إيجابيات كبيرة في التفكير والسلوك، لذا ليس هناك مناص من التمسّك بها، بل هناك دعوة بالغة الوضوح يطلقها سماحة المرجع الشيرازي، مؤكّداً فيها على الشباب من الجنسين أن يلتزما بهذه السياسة، وأن يتم تطبيقها في السيرة الشخصية للإنسان، ضماناً للنتائج الجيّدة، التي تضمن بدورها نجاح الإنسان وسعادته، فرداً كان أو مجتمعاً.

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على انتهاج هذه السياسة بقوة، قائلاً بدقّة ووضوح: (أوصي الجميع بالآية الكريمة: (إدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ) وأركّز وأؤكّد على الجميع، بالأخصّ الشابّات والشباب، أن يجعلوا من تركيزهم وعزمهم وتصميمهم، شيئاً فشيئاً، تطبيق الآية الكريمة على سيرتهم الشخصية).