LOGIN
المقالات
alshirazi.org
هل يحتاج المسلمون للثقافة النظيفة؟
رمز 240
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 7 فبراير 2015
شبكة النبأ المعلوماتية: بداية ما هي الثقافة النظيفة؟ وهل هناك ثقافة تقف بالضدّ منها، وتعطي نتائج معاكسة لها، فكما يؤكّد المنطق والاستنتاج، أن المصادر النظيفة فكرياً وأخلاقياً وماديّاً، ينتج عنها ثقافة نظيفة ونتائج نظيفة أيضاً، على العكس من المصادر التي تفتقر للنظافة، فإنّها وفقاً للمنطق تنتج ثقافة غير نظيفة، وهذه سوف تنعكس على الواقع المادي والفكري على حدّ سواء، فيكون الإنسان المعرَّض لمثل هذه الثقافات ضحيّة لها، كونه سوف يفقد إنسانيته وفطرته وعفويته، ويتمّ تشويه ذائقته وأفكاره وعقليته، ومن ثم أفعاله بفعل وتأثيرات الثقافة الوسخة، فيتحوّل إلى (لا إنسان)، بسبب فقدانه لمزاياه الإنسانية تحت تأثير الثقافة غير النظيفة ومصادرها.

لذا من أهم ما يحتاجه إنسان العصر الراهن، مسلمون وغيرهم، الثقافة النظيفة، بسبب احتوائها على أهم ما تحتاجه البشرية، وهو الفكر النظيف والمبادئ التي تقف إلى جانب الإنسان، وتنمّي فيه روح الرأفة ونكران الذات ومحبّة الآخرين، مع حزمة من المبادئ الإنسانية الخالصة، وهذا تحديداً هو ما تفتقر إليه ثقافة التوحّش والعنف والاستهتار بحقوق وحريّات الإنسان، بهذا المعنى يحتاج المسلمون جميعاً ومعهم العالم أجمع، إلى الثقافة النظيفة، فما هي مصادر هذه الثقافة، وكيف يمكن الحصول عليها؟

إنّ الاجابة عن هذا السؤال الكبير ببساطة وسرعة وثقة ووضوح: هي ثقافة أهل البيت عليهم السلام.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في إحدى كلماته القيّمة التي وجهّها مؤخّراً إلى المسلمين: إنّ (ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم، إذا وصلت إلى كل إنسان، صغيراً كان أو كبيراً، وعالماً أو جاهلاً، حتى إن كان حبراً يهودياً، فسيرونها ثقافة معقولة، فيدخلون في الإسلام، والكثير من علماء اليهود وأحبارهم، كتبوا العديد والعديد من الكتب بعد إسلامهم لتأييد الإسلام).

لذلك نحن بأمسّ الحاجة إلى ترسيخ الثقافة النظيفة ونشرها في الدول والشعوب الإسلامية، بل والعالم أجمع، وهذا يستدعي جهوداً كبيرة، بل استثنائية، ينبغي أن يتصدّى لها جميع المسلمين المؤمنين بمبادئ الرسالة النبوية، بمعنى يحتاج هذا الهدف إلى جهد إعلامي وفكري جمعي منظّم ومدروس ومتواصل.

كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله: (هذا الهدف بحاجة إلى توسيع وتركيز وتنويع، وبحاجة إلى عرض ثقافة أهل البيت النظيفة، وأأكّد وأقول النظيفة، عبر الإعلام الحديث، بالأخصّ القنوات الفضائية، عرضاً يبلغ الجميع ويصل إلى الجميع، كل بمستواه. فللمثقّفين بمستواهم، ولعامّة الناس في مستواهم، وللرجال في كل العالم بمستواهم، وللنساء في مستواهنّ، وللأطفال في مستواهم).

جذور الثقافة النظيفة ومسؤوليتها
يثبت الواقع، ويسجّل التاريخ بأمانة، أن مصادر الثقافة النظيفة هم أهل بيت النبوّة الشريفة بلا منازع، ففي قراءة موضوعية حيادية لتاريخ أهل البيت عليهم السلام، سوف يكتشف المدقّق من دون عناء، أن كل ما دعا له أهل البيت من مبادئ وكل ما أعلنوه من نصائح، وكل ما طرحوه وطبّقوه من قيم وأخلاقيات وضوابط تطابق النصوص القرآنية المباركة ومعانيها، لذلك فهي ترتفع بواقع الإنسان وقيمته ومكانته وتضاعف من ميله لمحبّة الناس بمختلف مشاربهم، كون هذه الثقافة تمتلك مواصفات وسمات النظافة الفكرية والعملية استناداً لأمرين:

الأول: إنّ جذرها ومصدرها هو نبيّ الرحمة وسيّد المرسلين محمّد صلّى الله عليه وآله، وعنه أخذها آل بيته الأطهار، ونشر الأئمة المعصومون عليهم السلام هذه الثقافة كلُّ في عصره وزمانه، وهذا ما تؤكّده صفحات التأريخ الإسلامي المشرق.

الثاني: أن هذه الثقافة أينما وُجدت وُجد العدل والمحبّة والتسامح، وانتشرت قيم التعايش وحفظ الحقوق والحريّات، وكل ما يصطف إلى جانب الحياة الكريمة للإنسان، لذلك استحقّت هذه الثقافة صفة وتسمية (النظيفة)، لأنها لا تحمل في طيّاتها، أي نوع من التطرّف والتعصّب والضغينة والأحقاد، كما هو الحال مع الثقافة الأخرى المشبوهة التي يحاول أصحابها تشويه جوهر الإسلام المحمّدي من خلال قيامهم بجرائم يندى لها جبين الإنسانية، ويلصقونها بالإسلام وهو منها براء، فيظن العالم ان هذا هو الإسلام الحقيقي، وهنا تكمن الخطورة، وتتضاعف مسؤولية جميع المسلمين من أصحاب الثقافة النظيفة والمنتمين لها والآخذين بها، لاسيما شيعة أهل البيت وأتباعهم، فهؤلاء مسؤوليتهم مضاعفة وكبيرة لإيصال ثقافة أهل بيت النبوة إلى العالم.

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها على: (أنَّ ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم ثقافة نور وثقافة أخلاق وثقافة فضيلة، وليس فيها جزء لا يرتضيه العقل والعياذ بالله، وليس فيها كلمة باطلة. فلماذا العالم محروم من هذه الثقافة؟ ومن المسؤول عن ذلك؟).

إنّ الإجابة تؤكّد أن لا أحد من المسلمين يُستثنى من هذه المسؤولية، ولكن هناك شرط يفرضه المنطق، يتعلّق بأهمية إيمان المسلم بالثقافة النظيفة، بل ولابدّ أن ينبذ ما يخالفها ويعمل بالضدّ منها ويذهب إلى تشويه الإسلام الحقّ، وهذا يستدعي أن يتصدّى الجميع بإيمان وصبر وقوّة وذكاء لهذه المسؤولية الكبرى.

إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها: (الكل مسؤولون، كلّ في مجاله، وبمقداره، سواء في العراق أو في البلاد الإسلامية وغير الإسلامية).

سينعم العراق بالحرية
من هنا كلما كان المسلم مثقّفاً واعياً ومطّلعاً على تاريخ أهل بيت النبوّة، كلما كان أكثر قدرة على نشر الإسلام الحقيقي، من خلال العمل الجادّ المتواصل والمدروس لنشر الثقافة النظيفة، وهنا يبرز دور الإعلام بأنواعه ووسائله كافة، لاسيما القنوات الفضائية، في أسرع وصولاً للآخرين وأكثر تأثيراً بهم، لهذا لابدّ أن يرتفع مستوى القنوات الفضائية الشيعية التي تبثّ ثقافة أهل البيت عليهم السلام بصورة متزايدة، وأن يتضاعف الأداء وأن يكون منسجماً مع روح العصر، فيتم تقديم الإسلام والثقافة الإسلامية بجوهرها الحقيقي المتمثّل برفض الظلم والتطرّف والعدوان في آن واحد، واستثمار المشاعر والعقل الأفكار لكي تتآزر وتعمل في خدمة الإنسان.

وثمّة دعوة ووصية مهمّة جدّاً يقدّمها سماحة المرجع الشيرازي ويخصّ بها شباب المسلمين، طالباً منهم وجوب الاطّلاع على تاريخ العراق، والمعني هنا هو الاطّلاع على تاريخ آل البيت عليهم السلام، لكي يستمدّوا منها مآثر ومزايا الثقافة النظيفة وتحويلها إلى مفردات عمل تصبّ في صالح المسلمين، وتجعل منهم أمّة قوّة مستقرّة ومتطوّرة.

لذلك يوجّه سماحة المرجع الشيرازي وصيّته هذه إلى كل الشباب الشيعة والمسلمين بل وشباب العالم أجمع، قائلاً سماحته في هذا المجال: (أنا أوصي شباب العراق أولاً، وشباب الشيعة في كل العالم ثانياً، وثالثاً شباب المسلمين في كل العالم، وبعد ذلك جميع الشباب في العالم كلّه، أوصيهم بقراءة ومطالعة التاريخ المهمّ للعراق، أي تاريخ أهل البيت صلوات الله عليهم في العراق، وتاريخ علماء الإسلام في العراق، حتى ينعموا جميعاً بالخير أكثر من ذي قبل، ويكون الشباب سبب لهداية الآخرين).

وإذا التزم هؤلاء لاسيما الشباب الشيعة الموجودين في العراق، بهذه الوصية، وركّزوا جهودهم على فهم التاريخ الحقيقي للعراق ولأهل البيت عليهم السلام، فإنّ النتائج التي تتحقّق ستكون بمثابة قفزة كبيرة في التاريخ الإسلامي، وفي إعادة الجوهر الحقيقي للإسلام، فيصبح العالم الأجمع على دراية واطّلاع تامّ على الإسلام الحقّ، وعندها سوف يفرّق العالم الغربي وسواه ما بين الإسلام الذي يتمّ تشويهه عن عمد من خلال المجاميع الإرهابية التي تسيء للإسلام وتعاليمه الواضحة، وبين الإسلام الحقيقي الذي يبثّ الثقافة النظيفة ويعتمدها فكراً وعملاً.

وبهذا إذا تم التزام الشباب في العراق وسواه بهذه الوصية، فإنّ السلام والحريّة هما هدية يستحقّونها وستكون تحت تصرّفهم، وسيغدو العراق بلداً معافى، وشعبه قويّاً موحّداً متطوّراً، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بكلمته المذكورة نفسها: (سوف يقبل العراق إن شاء الله وسائر بلاد الإسلام على الحرية التي أينما أتيحت بمعناها الصحيح، عمّ الخير الجميع وكانت الأخلاق الحسنة تحكم الجميع).