LOGIN
المقالات
alshirazi.org
كيف يستثمر الإنسان حواسّهِ وطاقاته إيجابياً؟
رمز 243
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 26 فبراير 2015
شبكة النبأ المعلوماتية: أعطى الله تعالى الإنسان مزايا كبيرة وكثيرة، أهمّها الفهم والشعور والإدراك، وأضفى عليه طاقات متنوّعة، وذكاءً، وقدرات ظاهرة وأخرى كامنة، وكل هذه المزايا والطاقات، ميَّزتْ الإنسان عن الكائنات الأخرى كافّة، فصار سيّداً عليها، بوساطة مزاياه التي وهبها الله له، ومقابل ذلك، فإنّه تعالى يطالب مخلوقاته البشرية بالعمل وفق هذه الطاقات إيجابياً، بما يحقّق الفائدة للذات وللآخر، ويبني الحياة بصورة صحيحة، لكي تشكّل هذه الأعمال خطوة تمهيدية صحيحة للعبور إلى الدار الأخرى.

فعندما يُمنح الإنسان كل هذه الهِبات والعطايا في الفهم والإدراك والشعور، ومن ثم القدرات الجسمانية على استثمار تلك المزايا، فإنّ طريقة الاستثمار ينبغي أن تكون سليمة، هذا أولاً، أما الشرط الثاني للإفادة من قدرات الإنسان، فهو يتمثّل بوجوب أن تُستثمَر طاقاته في المكان الصحيح لها، وفي النسبة المقبولة مما يصرفه الإنسان في سبيل الله تعالى، علماً انه سبحانه منح الإنسان هذه المزايا والهبات بنسب مختلفة، بمعنى هناك تفضيل بين الناس مما يحصلون عليه من هذه القدرات، ولكن ينبغي أن يبذل الإنسان نسبة مقبولة من طاقاته وقدراته في الاتجاه القويم.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في إحدى كلماته التوجيهية للمسلمين: (إنّ الله تعالى منح كل إنسان فهماً وشعوراً وإدراكاً بمقدار معيّن، كما في قوله عزّ وجلّ: وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ). وهناك حكمة تقف وراء هذا التفضيل، لأن الامر المهم هو النسبة التي يبذلها الإنسان في فعل الخير بما يتناسب مع ما يمتلكه من ثروات وإمكانيات وطاقات، علماً أن مفردة (الرزق) التي وردت في الآية الكريمة المذكورة، تعني ما حصل عليه الإنسان من الفهم والعلم. كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها: إذ يقول سماحته (وجاء في الحديث الشريف أن – الرزق- في الآية الكريمة المذكورة يعني العلم. فقد يكون أحدهم أذكى من الآخر، أو يكون أقوى حفظاً من الآخر، أو يكون أفهم من الآخر. والمهم هنا هو ان كل واحد، أو كل إنسان، كم ينفق في سبيل الله تعالى من هذا الفهم ومن هذا الذكاء والإدراك؟).

النسبة المطلوبة لعمل الخير
في تعريف العمل لله تعالى، يقول العلماء المعنيّون، انه بمثابة كل ما يقدّمه الإنسان من عمل صالح لنفسه وللبشرية، من أجل إدامة الحياة الراهنة، بما يجعلنا الخطوة التمهيدية الصحيحة لانتقال الإنسان إلى الآخرة بحصيلة النجاح والتوفيق، وعندما نلقي نظرة على معنى العمل لله تعالى، فإننا سوف نصل إلى نتيجة مؤدّاها، انه سبحانه، رحيماً بعباده وخلقه، لهذا يضع على الجميع واجب العمل الصالح، بنسبة متساوية بين الجميع، شرط أن تتساوى هذه النسبة مع حجم الطاقات التي حباها الله للإنسان، فنسبة ما يقدّمه الأكثر إدراكاً وفهماً وشعوراً، لا يصح أن تتساوى مع نسبة ما يقدّمه الأقل منه إدراكاً وفهماً وشعوراً، بمعنى على الإنسان أن يُسهم بتطوير الحياة وجعلها أفضل بما يتناسب مع ما يمتلك من مؤهّلات وقدرات، وفي هذه الحالة فإنّ الثواب سوف يشمل الاثنين، (الأكثر والأقل) لأنهما قدّما ما هو مطلوب منهما وفقاً لما يمتلكان من مزايا وقدرات ومؤهّلات.

كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله: (فقد يعمل شخصان معاً في سبيل خدمة أهل البيت صلوات الله عليهم، فترى الأول يعمل خمس ساعات يومياً مثلاً، والثاني يعمل عشر ساعات. فسيكون أجر الأول كأجر الثاني. أو أحياناً يكون أجر الأول أكثر من الثاني، لأن الأول ربما قد صرف كل طاقاته، أو عمل خمس ساعات مع ابتلائه بمشاكل عديدة كأن تكون مالية أو اجتماعية وغيرها. والثاني يعمل عشر ساعات لكنه لا يصرف كل طاقاته أو غير مبتلى بأيّة مشكلة).

لذلك فإنّ الإنسان مطالَب بالمشاركة في تطوير الحياة باستثمار حواسه وإدراكه وفهمه وذكائه، بالصورة الصحيحة بما يحقّق فوائد للذات وللآخرين، لأن العمل لله تعالى حتماً سوف يصب في جانب عمل الخير، والأخير سوف يشترك في تحسين مواصفات الحياة، وسوف يجعلها أكثر تناسباً ولياقةً بالإنسان، وكلما كانت حياة الإنسان أفضل وأكثر حفظاً لكرامته وقيمته وكيانه، كلما كان أكثر استعداداً لعمل الخير والعمل من أجل الله تعالى، لذلك نلاحظ ان المجتمعات التي يكثر فيها الظلم والفساد والتجاوزات، تقلّ فيها نسبة الإقبال على تقويم الحياة وتحسينها، من هنا يدعونا الله تعالى ودعاة الدين والمراجع العظام، إلى أهمية أن نستثمر قدراتنا لتطوير الحياة، حتى نتخلّص من حالات الظلم التي قد تجعل الإنسان أكثر استعداداً للانحراف.

من هنا يوجد تأكيد متواصل على أهمية بل حتمية، أن يقدّم الإنسان ما يتمكّن عليه وبما يتناسب مع قدراته الحسية والإدراكية والعملية من الأعمال الصالحة، تطويراً لحياته هو والمحيط الاجتماعي الذي يشاركه حياته بكل تفاصيلها، لاسيما أن الإنسان حصل بالخلق على مزايا كثيرة ومهمة تتعلّق بالفهم والإدراك والحس وما شابه، من هنا لابد أن يبذل الإنسان أقصى ما يستطيع في هذا المجال، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته التوجيهية نفسها: إن (كل إنسان، منحه الله تعالى مقداراً من الطاقة ومن القدرة كاللسان والبصر والقلم والحضور والمال وغيره، فكم ينفق منه في سبيل الله تعالى).

وفي ذلك فليتنافس المتنافسون
عندما تكون الأعمال الصحيحة محط تنافس الآخرين، فهذا سيكون مدعاة للفخر، وسبيلاً مفتوحاً ومتاحاً لتطوير الحياة، شريطة أن يتوافر الدافع الذاتي لدى الإنسان لكي يقيّم ويعرف المزايا الحسية والشعورية التي يمتلكها، ومن ثم كيف يوظّف هذه القدرات بما يخدم الذات والآخر والحياة، فمجال المنافسة في عمل الخير متاح للناس كافّة من دون استثناء، خاصة أن التعاليم الواردة في النصوص القرآنية تبيّن ذلك بوضوح.

لذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا المجال: (على كل إنسان أن يرى كم منحه الله تعالى من فهم وشعور وإدراك، وكم منحه من طاقات، وكم يصرف من ذلك في سبيل الله سبحانه وتعالى، والقرآن الكريم يقول: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ).

من هنا ينبغي أن يستثمر الإنسان كل الطاقات التي وهبها الله تعالى له، استثماراً سليماً، لأن هذه القدرات في حالة عدم فهم الإنسان لها وعدم إعطائها حقّ تقديرها، فربما يذهب استخدامها في الاتجاه المضاد، بمعنى ربما تكون في خدمة الشر، فالفهم والذكاء والحس والشعور، يمكن أن تكون أدوات لصالح الانحراف، لذا على الإنسان أن يحترس من الزلل، وعليه أن يسعى للحصول على درجة عالية من العمل الصالح، لأننا جميعاً مطالبون بمثل هذه السعي والاستثمار، وتبقى الدرجات متفاوتة بين الناس حسبما يقدّمونه للخير من أفعال وأقوال وأعمال، وسوف يكون الأفضل من بينهم، هو ذلك الإنسان الذي يستثمر طاقاته في سبيل الله تعالى، بأعلى نسبة ممكنة.

كما نقرأ ذلك فيما يقوله سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب بكلمته نفسها، إذ يقول سماحته موجّهاً خطابه إلى المسلمين: (فليسع كل واحد منكم إلى أن يحصل على الدرجة العالية من العمل في سبيل الله تبارك وتعالى. وهذا قد يكون فيه صعوبة، بل فيه الصعوبة لا شكّ، ولكنه ممكن). ويضيف سماحته أيضاً مخاطباً الجميع: (ابذلوا قصارى طاقاتكم في سبيل الله تعالى).