شبكة النبأ: في الوقت الذي تطوَّر فيه العلم إلى أقصى المراحل الممكنة ولا يزال يرتقي سلّم التقدّم إلى أمام، هناك من لا يزال من المسلمين من يعيش بعقلية لا تتناسب مع هذا النزوع الكبير للمعرفة وارتياد العلوم بأصنافها وأشكالها، سعيا لرفع مكانة الفرد والأمة، وهناك تداخل وتبادل للأدوار بين الطرفين الأمة والفرد، كلاهما يرفد الآخر بالديمومة والرقيّ، فالأمة حاصل مجموع الأفراد النابغين، ونبوغ الأمة سينعكس على أفرادها، فالعملية انعكاسية متبادلة، بالأخص في عصر العلم والعولمة وانفتاح العالم على نفسه.
إن الأمة كما يراها النابغون عبارة كائن حي، له عقل وإرادة وأهداف وأدوات، وهناك ما يعيق الأمم عن أهدافها والسبب الأول السلطة غير الشرعية وسعيها لضرب طوق من الجهل حول عقول الناس، لذا فلا غرابة في القول بأن عالم اليوم مبتلى بأنماط شتى من الجهل، وعلينا أن نتعامل مع هذا الحال بهمّة الرجال الأقوياء، أصحاب الإرادات الكبيرة، ولابد أن يؤازر هذا الطرح نوع من التخطيط الميداني العلمي المتخصص لتمحيص الأحداث والوقائع، ومن ثم وضع ما يلزم من إجراءات نظرية وتطبيقية.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقدّم حلولاً ممكنة ومنطقية للتعامل مع هذا مشكلة الجهل، لذلك يؤكد سماحته قبل كل شيء في كلمة توجيهية قيمة على ظاهرة طفحت بقوة في الواقع العالمي برمته، ألا وهي الجهل، فسماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) ينبّه على هذه القضية الخطيرة، فيقول سماحته:
(إن عالم اليوم مبتلى بجاهلية من نوع جديد).
من الواضح إن هذا الأمر ينمّ عن مشكلة محورية، فهذه الجاهلية الجديدة تستدعي ما يقابله من علم وثقافة وفلسفة وحملة عقول تنويرية تأخذ على عاتقها مواجهة صنّاع الجهل، فهل هنالك فعلا من يطور عوامل الجهل ويصنع الجاهلية ويديم وجودها؟، الجواب: نعم، فالحكام المستبدون والحكومات الفاسدة تسعى لصناعة الجهل ترعى الجاهلية لكي تبقى تتنعم بامتيازات السلطة، وهذا ما حدث في السابق وما يحدث الآن، وهناك نماذج حيّة تثبت هذا الرأي، فمن هم المتصدون لموجات التجهيل المتعاقبة على الأمة وما هي الشرائط التي ينبغي توافرها فيهم؟ إن أهم ما تحتاجه الأمة لصنع الحاضر المتميز هو الإرادة الفولاذية، فإذا كان الإنسان قويا وخصوصا إذا كان في موقع الصدارة فإنه يمنح الجميع قوة واقتدارا.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(على الإنسان أن لا يسمح للمشاكل والمصائب بتحطيم معنوياته وإيذائه نفسيّاً، لأنه إن كان ذا شخصية انهزامية، هجره الآخرون، ولن يتمكن من إيجاد أية حالة إيجابية في داخله).
التأكيد على ميزة المشاركة الجمعية
لابد أن يكون هناك انسجام بين الفرد والجماعة من حيث أداء الأدوار، لأن البناء الكلّي يحتاج إلى جهود مشتركة جمعية تدمج الطاقات الفردية مع الجماعية فحيلها الى قوة هائلة في طريق الإنجاز الأعظم، نعم مما لا نقاش فيه أن الهمّة العالية تحتاج الى دعم تنظيري وعملي، أي أننا نحتاج الى العلم والعمل، ونحن كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي يوجد لدينا منهج حاضر ومتكامل بين أيدينا، ألا وهو المنهج النبوي وعلوم أهل البيت عليهم السلام وسيرتهم، لأن هذا المنهج يدعم توجهات الإنسان، ويقف إلى جانب إرادته، كونها إرادة الخير والحق والعدالة في الحياة، فكل من اطلع على سيرة أهل البيت عليهم السلام وتجاربهم مع الحكام والطغيان ومواجهة ومعالجة الجهل، سوف يكون قادرا على توظيف تلك التجارب لصالحه بسبب عظمة تلك التجارب الخلاقة.
لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) قائلا:
(ينبغي معرفة أن كل من قام بإنجاز كبير، فإنه قد قام به ضمن جهد جهيد وسعي حثيث).
من هنا يتبيّن أن علوّ شأن الأمة يعتمد الجهد الفردي ولكن في الإطار الجمعي، ولكن ينبغي التأكيد أن تحقيق الهدف لا ينحصر بالفعل الجمعي فقط، لأن الفرد يمكنه أن يصنع الكثير حتى لو كان معرَّضا للملاحقة، والنفي والإقصاء وما شابه، والدليل أبو ذر رضوان الله عليه.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(لابد أن يكون صاحب الهمّة والإيمان، مستعدا لدعم إيمانه بالفعل والجهد، لأن الشرط الثاني الذي يوجبه سماحة المرجع الشيرازي، حول تحقيق النجاح في الأهداف المطلوبة هو: (بذل الجهد الدائم. فالأئمة صلوات الله عليهم ورغم شأنهم الرفيع، ومنزلتهم وقربهم من الله سبحانه وتعالى كانوا لا يكلّون عن العمل والنشاط).
ما هي نتائج العمل الحثيث؟
إن أية أمة لا يمكن أن تحقق التطور ما لم تجدّ وتكدّ في تقديم الجهود المطلوبة التي ينبغي أن تكون بعيدة عن التقليدية وتعتمد الابتكار والإبداع والحداثة في الطرح والتطبيق، وباختصار شديد بعد توافر الإرادة والهمة العالية للفرد والجماعة، ينبغي أن يكون هناك مواصلة للعمل على مدار الساعة، حتى لو تم ذلك باستخدام نظام البديل، فالعمل ينبغي أن لا يتوقف قط.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(لقد ورد في مضمون رواية عن الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، حيث أجاب من سأله بخصوص سعيه وعمله الدائم، ولماذا لا يأخذ لنفسه قسطاً من الراحة، قائلاً: إن نمت النهار ضيّعت رعيتي، وإن نمت الليل ضيعت نفسي).
ويدل هذا بشكل قاطع على الدور المتميز القائم على الجهد الفردي الكبير، حيث يقف بقوة وراء الانجاز المهم في طريق التطوّر الكلي للأمة، مع أهمية أن يندمج العمل الفردي بالعام وأن يؤثر من حيث المبدأ في الآخرين، ولدينا في سيرة الأفراد العظماء شواهد تؤكد هذا المنحى.
حيث يشير سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) على سيرة رجل فذ وعلامة فارقة في التاريخ الإسلامي، ألا وهو أبو ذر الغفاري (الفرد)، الذي قدم جهودا عظمى ودروسا كبرى للمسلمين، فيقول سماحته:
(أما أبو ذر رضوان الله تعالى عليه، فلم يكن استثناءً من هذه القاعدة، إذ استطاع بجهود جبارة أن ينال شرف هداية أغلب سكان المنطقة وتشيعهم على يديه وبروز المئات من العلماء والفقهاء الشيعة).
ومع توافر الإرادة التي تسعى نحو الارتقاء هناك شرط آخر كما ذكرنا سابقا، وهو العمل، وثمة شرط أو ركن ثالث وهو (العمل الصحيح)، فلا فائدة من الإرادة القوية، ولا من العمل، إن لم يكن ذلك (صحيحا)، فالعمل ينبغي ان يكون مقرونا بالصحة، وهذه الشرائط الثلاثة كفيلة بتحقيق طموحات الأمة، وحتى نضمن نجاح المسعى بهذا الاتجاه، لابد أن نضمن ثلاث شرائط هي (الإرادة، العمل، العمل الصحيح).
إذ يبيّن سماحة المرجع الشيرازي ذلك قائلا: إن (العمل الصحيح، هو أن يقوم الإنسان بما يقوم به، ببصيرة ووعي وإدراك تام).
وهكذا يوضّح سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) الخطوات الممكنة والعوامل المساعدة للأمة كي ترتقي عاليا في الحاضر وتضمن المستقبل من خلال خطوات علمية عملية تكفل النهضة الشاملة للأمة من خلال النقاط المذكورة فيما تقدّم من أفكار خلاقة لسماحته يمكنها فيما لو اعتمدها المسلمون أن تعيد لهم اعتبارهم ومكانتهم المستحَقّة.