LOGIN
المقالات
alshirazi.org
الإيمان بين الظاهر والباطن
رمز 247
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 21 مارس 2015
شبكة النبأ المعلوماتية: لا يُخفى على أحد ذلك الدور الكبير للإيمان في حياة الإنسان، فقد أثبتت دراسات وبحوث وتجارب لا حصر لها، على أن الإيمان ينعكس بصورة مباشرة على شخصية الإنسان ويُسهم في تحسين حياة الفرد والجماعة، وأظهرت حالة الاقتران بين الإيمان والنجاح، ترابطاً كبيراً، لدرجة أن المعنيين أكّدوا على أن الإيمان أينما يتواجد سوف يتواجد النجاح، وطالما أن الأخير يمثّل هدفاً للجميع، فإنّ العامل المكمِّل والمحقِّق له هو الإيمان، ولكن هناك أكثر من وجه له، أي أن الإيمان يمكن أن يتوزّع بين وجهين، أحدهما ظاهر للجميع بحيث تتم ملاحظته ورؤيته بحواس الإنسان المعروفة، ووجه آخر باطن للإيمان، لا يمكن معرفته وملاحظته بحواس الإنسان، الأمر الذي يجعل من كشفه ومعرفته على درجة من الصعوبة، كونها حالة بين الإنسان ونفسه وضميره وقلبه، فهي تتعلّق بسريرة الإنسان وضميره الذي لا أحد يستطيع الاطلاع عليه، ومعرفة بواطنه وما يضمره من نوايا وأفكار وأهداف إلاّ الله سبحانه وتعالى.

كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتابه القيّم، الموسوم بـ(نفحات الهداية)، إذ يقول سماحته حول هذا الأمر: (إذا كان الإنسان قادراً على خداع أخيه الإنسان بظاهره، فإنه لا يقدر على ذلك مع الله لأن الله سبحانه وتعالى يعلم ما في الضمائر وما تخفي الصدور).

ولكن قضية الإيمان الظاهر لا تشكّل عيباً أو قصوراً في سلوك الإنسان، أي أنه عندما يكون ذا مظهر حسن يدل على الإيمان والورع ظاهرياً، فهذا لا يتناقض مع الإيمان، ولا ينتقص من قيمة الإنسان، بل على العكس، من الأمور الجيّدة في شخصية الإنسان أن يكون إيمانه ظاهراً في شكله المرئي وفي سلوكه المسموع بحواس الناس العادية، حيث يتحرّك وينشط ويتفاعل الإنسان في محيط اجتماعي أو عملي يحتوي على أفراد أو جماعات يحتك بها ويدخل معها في تعاملات عديدة، وهذه هي طبيعة الحياة، فهل سيكون مظهره الجيّد وكلامه الذي يوحي بالإيمان والورع سبّة عليه؟، وهل يحقّ للآخرين الانتقاص من هذا الشكل والسلوك والكلام المؤمن؟، بطبيعة الحال من الأمور الجيّدة والإيجابية أن يكون ظاهر سلوك الإنسان وكلامه وأفعاله جيّدة وتوحي بالإيمان، وليس العكس (مخافة الاتهام بالخداع والتمثيل والإدّعاء وما شابه)، فالظاهر الجيد، مطلوب أن يظهره الإنسان للآخرين، ولكن ينبغي أن يرافقه الباطن الجيد.

كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله في الكتاب المذكور نفسه: (هذا لا يعني البتّة أن الظاهر لا ينبغي أن يكون جميلاً، بل المقصود ان جمال الباطن مطلوب مع جمال الظاهر).

الإنسان وحسن المظهر
يستطيع من يتفحّص ويدقّق في طبيعة البشر، أن يكتشف بأنهم مجبولون على إخفاء النواقص والعيوب، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هم مجبولون أيضاً على تحسين الظاهر، وليس ثمة إشكال في ذلك، بمعنى من الأفضل أن يسعى الإنسان لأن يظهر أمام الآخرين بمظهر وظاهر حسن، على أن يكون متطابقاً مع يتطلّبه الإيمان من الإنسان من تشابه بين الظاهر والباطن من سلوكه وأفكاره وأهدافه، فيكون هناك تطابق بين طرفي المعادلة، وهذا هو ما يهدف إليه الإيمان الحقيقي، بمعنى أكثر دقّة، إذا أراد الإنسان أن يحبّب نفسه وشخصه للآخرين فلا مانع من ذلك، بل هذه طبيعة بشرية، وهدف مزروع في ذات الإنسان وتركيبته التكوينية، ولا إشكال في ذلك، على أن لا يتم استخدام الظاهر لخداع الآخرين، إذ يحدث هذا عندما يكون الظاهر شيئاً ذا مواصفات جيدة، في حين يكون المضمَر في الذات والباطن ذا مواصفات سيئة، يحاول بعضهم إخفاءها من خلال الظاهر الحسن.

هنا سوف يتناقض الأمر مع الإيمان، لأن الإنسان المؤمن، لا يُظهِر خلاف ما يُبطن، وإذا حدث ذلك واختلف ما يظهره الإنسان عن ما يخفيه، فسوف يكون هناك تناقض، وربما يكون هناك تحايل على الآخرين، إذ قد يبدو الفرد للآخرين من أصحاب الخير والاستقامة، ولكنه في دخيلته غير ذلك، أما لمإذا يلجأ بعضهم لهذا التناقض، فالسبب واضح، عندما يكمن هدف استغفال الناس بالظاهر من أجل تحقيق ما يترسّخ في باطن الإنسان.

في هذا المجال يقول سماحة المرجع الشيرازي موضّحا ذلك: (يحاول الإنسان أن يحسن ظاهره، بل هو مجبول على ذلك، وعلى إخفاء عيوبه ونواقصه، ولذلك فهو يسعى إلى أن يخفي حقيقته وباطنه، لئلاً يكتشف الآخرون اختلافه عن ظاهره وما يتظاهر به).

وهذا ما يحدث في الواقع فعلاً، فإننا غالباً ما نستدل على طبيعة الناس من ظاهرهم، كونه متاح لنا، ويمكننا من خلال القياس عليه رسم انطباع أولي على درجة استقامة وإيمان الإنسان، ولكن في الحقيقة ليس هذا هو المعيار الحقيقي لتقييم الإنسان بصورة صحيحة، إن باطن الإنسان وجوهره هو المقياس الصحيح لمعرفة درجة إيمانه ونيّاته التي لا تظهر للعلن.

ويدعم سماحة المرجع الشيرازي هذا الرأي بقوله في كتابه (نفحات الهداية) عن هذا الموضوع: (إذا رأيت شخصاً يواظب على الحضور في صلاة الجماعة، تحكم بأنه إنسان خير وانه ملتزم بالحضور إلى صلاة الجماعة بدافع قلبي، وهكذا الحال إذا رأيت عالِماً أو شخصاً يرتاد الأماكن المقدسة أو المساجد، فإنك ستحمل عن واقعه فكرة إيجابية، أي انك تعتبر ظاهره هذا دليلاً على انه إنسان خير).

الله تعالى ينظر إلى قلوبنا
إنّ حيثيات الإيمان وكل ما يتعلّق به تنطوي على نقائض، إذا ما أخطأ الإنسان في التعاطي معها، سوف يخسر الكثير، لأننا نتّفق جميعاً على القدرة الكبيرة للإيمان في دفع الأفراد والمجتمعات إلى الأمام، فالحقيقة عندما نلاحظ رجلاً متّسماً بالإيمان، فإننا سوف نلمس نجاحه واستقامته وقدرته على التطوّر ومواجهة المصاعب بالبر والتعلّم وما شابه، على خلاف الإنسان الخالي من الإيمان، فهو في الغالب فاشل متسرّع ومتعصّب وغير عقلاني، وهذا ينعكس على عموم المجتمع، فكلما كثر عدد غير المهتمين بالإيمان كلما شكّل ذلك مشكلة للمجتمع وإخفاقاً للأفراد والجماعات غير المؤمنة، وقد يكون مصدر عدم الإيمان الإنسان، قياسه لقيمة نفسه على آخرين يشعر أنهم أفضل منه في المقام الاجتماعي أو العلمي أو الديني أو غير ذلك ومع ذلك هم من المخطئين، ولكن الله تعالى لا يفرّق بين إنسان وآخر وفق المراكز أو الجاه أو المنصب، ولا يصحّ أن يكون الإنسان نموذجاً لغيره بمجرّد كونه من أصحاب المراكز والنفوذ، إنما إيمان الإنسان وجوهره هو المعيار الأهم، لأن الله سبحانه لا يقيس على المظاهر، بل يجعل من قلوب الناس هي المعيار الأساس للتمييز بينهم.

لهذا يشير سماحة المرجع الشيرازي إلى هذه القضية قائلاً في الكتاب نفسه: (هناك ظاهرة خاطئة في المجتمع، وهي أن كثيرين من الناس يقولون إذا كان فلان – مع ما له من المقام الاجتماعي أو العلمي أو الديني- يعمل المنكرات أو في حياته زلات، فماذا تتوقّعون منّا نحن الناس العاديين؟).

ويضيف سماحته قائلاً في هذا المجال أيضاً: (لا شك أن هذا الكلام ليس صحيحاً، بل هو يمثّل ظاهرة خاطئة، ويدل على ان قلب المتفوّه به غير مرتبط بالله، بل بغيره، وكأنه قد نسي ان الله سبحانه وتعالى ينظر إلى قلوبنا ولا ينظر إلى صورنا). لذلك نحن نتفق على ان الإيمان هو مصدر نجاح الفرد والمجتمع، وان التطابق بين ظاهر الإنسان وباطنه في إنجاز أعمال الخير دليلاً لا يقبل الشكّ على قوّة الإيمان الذي يتحلّى به الإنسان.