LOGIN
المقالات
alshirazi.org
بناء المجتمع المستقرّ بين رفض المحرّمات والالتزام الواجبات
رمز 252
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 18 أبريل 2015
شبكة النبأ المعلوماتية: من المقوّمات الأساسية التي تساعد على ارتقاء المجتمع، ابتعاد الإنسان والجماعة، عن المحرّمات، ونبذ المجتمع لكل ما يتصل بالمعاصي والمحرّمات، بدءاً بالأفكار الخبيثة، التي تعدّ خطوة أولى لانحراف الإنسان، صعوداً إلى الخطوات العملية اللاحقة، ولذلك يؤكّد العلماء والمعنيون بقضايا المجتمع، أن هناك نوعا من الترابط أو التعالق فيما بين (المحرّمات والواجبات) من حيث السبب والنتيجة.

فعلى الرغم من تناقض المفهومين (المحرّمات والواجبات)، في المعنى وفي التطبيق، إلاّ أن إهمال الواجبات، تعدّ من الأسباب الرئيسة التي تقود الإنسان نحو المحرّمات، كذلك يمكن أن تدفع المحرّمات بالإنسان إلى إهمال الواجبات، والتعامل معها بلامبالاة، بحيث يغدو إهمال الواجب أمراً عادياً بالنسبة للإنسان الذي يتعاطى المحرّمات، وعندما ينحرف الإنسان، فإنه لا يمكن أن يصلح الآخرين، تبعاً لقانون أو مقولة (فاقد الشيء لا يعطيه).

فبالإضافة إلى قيام الإنسان بالمحرّمات وغض الطرف عن الواجبات، وما ينعكس عن هذا السلوك من أخطاء فادحة، تعود على الفرد والمجتمع، فإننا سوف نخسر الصوت الذي يحثّ على الفضيلة والأخلاق والعمل الصالح، من يحدث تقصير في مجال نبذ المحرّمات كما نلاحظ ذلك في الحياة اليومية وبعض نشاطاتها وعلاقات الناس المتبادلة.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، كما ورد في الكتاب القيم الموسوم بـ(من عبق المرجعية): (إننا نرى محيطنا مليئاً بالمحرّمات، وذوينا لا يؤدّون الواجبات، ولا نكترث، فلو أن أحداً من أبنائنا مرض وزادت سخونته نعمل كل شيء لطرد هذه السخونة، أما سخونة المرض الروحي، وضعف العقيدة والإيمان والسرطان الذي يأكل الإيمان فلا نبالي به).

وهكذا نحن نعاني من نقص في مجال الاهتمام بالواجبات ومحاربة المحرّمات، لذلك لو لأننا نطمح حقيقة إلى بناء مجتمع متوازن مستقرّ ومنتج، لابد أن نعمل بوصية واضحة وعميقة يقدّمها سماحة المرجع الشيرازي لأعضاء المجتمع كي يلتزموا بها، خدمةً لأنفسهم وذويهم، فهذه الوصية كفيلة بتحصين المجتمع كلّه من كل أشكال وأنواع ومصادر الانحراف.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في وصيته هذه: (على كل فرد منّا أن يعرف ما هي الواجبات بحقّه؟ وما هي المحرّمات عليه؟).

ملَكة لتحصين الذات
الإنسان يحتاج أن يدرّب نفسه دائماً على سبل الفضيلة والارتقاء، ليس في جانب التفكير فحسب، بل يعلم نفسه عملياً كيف يلتزم بالعمل المفيد، المنتج، الذي ينفع صاحبه والناس جميعاً، ولكن هذا الهدف يعدّ من الصعوبة بمكان، بحيث يتطلّب سيطرة تامة على النفس ورغباتها، بل لابدّ للإنسان في هذه الحالة أن يكون قائداً لنفسه ومتحكّماً بها، بدلاً من حدوث العكس، فإذا سيطرت النفس على الإنسان وقادته كما تهوى، فلا شك أن النتائج ستكون خطيرة، لأن النفس أمّارة بالسوء، إلاّ من استطاع أو تمكّن منها.

لذلك يحتاج الإنسان إلى ملكة تحصّنه من الزلل والخلل، بغضّ النظر عن عمره أو جنسه أو ثقافته، لأن مغريات الانحراف والمحرّمات لا حدود لها وتتطلّب حصانة من نوع خاص، تحمي الإنسان من نفسه إذا حاولت أن تقوده نحو الخطأ، وعندما يبذل الإنسان ما يكفي من الجهود سوف يحصل على الملكة التي تقيه وتحميه من مشاكل المحرّمات وعواقبها الخطيرة، وعند ذاك لا ينبغي أن يتوقّف الإنسان عند هذا الحد، فمن يستطيع الحصول على الملكة بعد المثابرة والتدريب، عليه أن يعلّم الآخرين كيفية الحصول عليها ولا يكتفي بنفسه فقط، لأن التعليم والاقناع والمراس المتواصل، يعلّم الإنسان ويمكّنه من درء مخاطر الانزلاق في الرذيلة، لذلك سوف يساعد ذلك في تعليم المجتمع على تحصين الذات.

من هنا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في الكتاب نفسه: (على كل فرد منّا، سواء كان رجلاً أو امرأة، شابّاً أم شيخاً، من أهل العلم أم كاسباً، أن يحصل على ملكة تحصّنه من ارتكاب المحرّمات أو التخلّف عن الواجبات، ثم عليه بتعليم الآخرين حسب مقدرته ومعرفته).

ومن المتَّفق عليه أن تحقيق هذا الهدف يحتاج إلى جهد روحي وعملي استثنائي، ينبغي أن يبذله الإنسان، لكي يتمكّن من تحصين نفسه من الزلل، وفي هذه الحالة لابد للإنسان أن يستثمر جميع الفرص المتاحة له في هذا السياق، ومنها مثلاً الاستفادة من الحياة، واستخدام الزمن بصورة صحيحة واستثمار كل لحظة تمرّ علينا، وعدم التهاون أو تضييع الوقت في اللهو الفارغ، لأن اللحظة الخاطفة التي تمرّ على الإنسان، لا يمكن تعويضها، فكيف إذا تمّ إهدار أيام وشهور وسنوات من دون فائدة تذكر، كما يفعل البعض في تعاملهم مع الزمن، لذلك على الإنسان الذي يسعى ويهدف إلى تحصين نفسه من المحرّمات، عليه ان يستفيد من حياته ووقته.

كما نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (على الإنسان أن يستفيد من حياته ووقته أحسن الاستفادة وبأقصى ما يستطيع).

النقد وتطوير القدرات
في جميع شؤون الحياة يحتاج المجتمع إلى التوجيه، ويبدأ ذلك من الفرد صعوداً، ولعل المنهج الأول للتصحيح، هو أسلوب النقد البنّاء أو السليم الذي يخلو من الأهداف المبيّتة ويبتعد عن التجريح والتشهير والتسقيط، فعندما نحث على الابتعاد عن المحرّمات والالتزام بالواجبات، ينبغي أن يكون أسلوب النقد حاضراً، وفاعلا، مع أهمية النزاهة والهدفية التي تسعى إلى تشذيب الأخطاء وليس تكريسها.

من هنا ينبغي على الجميع اعتماد النقد واستحضار النزعة النقدية البنّاءة، في حياتهم وأعمالهم وأقوالهم، على أن يبدأ الإنسان بنفسه، فلا يصحّ أن ينتقد الآخرين وينسى عيوبه، علماً اننا ملزمون بالالتزام بمبدأ النقد السليم حتى نكون نماذج جيدة لأولادنا ولمن يعيش معنا وينظر إلى أفعالنا، ويستمع لأقوالنا، ولا يستثنى من هذا الفعل أحد، حتى تكون النتائج لصالح بناء النشء الجديد وفق أسس أخلاقية وفكرية رصينة.

لذا يدعو سماحة المرجع الشيرازي بوضوح تام إلى هذا المنهج الحياتي المهم، قائلاً في كتاب (من عبق المرجعية) في هذا المجال: (يلزم على الجميع: الآباء والأمّهات، والأهل والعشيرة، وعامة رجال المجتمع ونسائه، الاهتمام بالواجبات ونبذ المحرّمات، لينشئوا جيلاً صالحاً، ويبنوا حضارة المستقبل على أسس الفضيلة والتقوى، والرفاه والخير، والعدل والقسط).

ويدعو سماحته إلى أهمية فسح المجال أمام النقد المتبادَل لكي يصبح منهجاً معتاداً بين الناس، فلا ينبغي ردّ النقد ورفضه إذا كان نزيهاً، لأننا نستطيع أن نعرف نواقصنا وعيوبنا من خلال النقد، لذلك فمن حق الجميع أن يعتمد أسلوب النقد البنّاء المتوازن، على أن يكون هذا النقد بالمواصفات التي تبني المجتمع وليس العكس، وأهم سمة يتّصف بها هذا النقد كما ذكرنا سابقاً ابتعاده عن إلصاق التهم بالآخرين، والتذكير دائماً بالنماذج المشرقة التي يمكن أن يستفيد الإنسان من أفكارها وأفعالها، وعندما يوجّه لنا أحدهم انتقاداً منطقيّاً وحقيقياً، علينا التعامل معه برحابة صدر، لأن الإنسان الذي يحبك هو الذي يذكرك بأخطائك بأسلوب جميل ولائق، ويدعوك لتصحيحها، أما الذي لا يهمّه أمرك، فهو لا يتعب نفسه معك ولا ينبّهك على الأمور والأفعال الخاطئة، وهذا يختلف كل الاختلاف مع أسلوب الفضح والتشهير المرفوض في جميع الأحوال.

لذلك ينبغي أن نشجّع الآخرين، على تذكرينا بما يصدر منّا من أفعال وأعمال قد يكون بعضها ليس سليماً، خاصة إذا اقتربت بعض الأفعال والأقوال من حدود المحرّمات، لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً حول هذا الجانب: (لندع الآخرين ينقدوننا ونشجّعهم على ذلك، ثم نطوّر قدراتنا للاستفادة من وجهات النظر الصحيحة من بينها).