LOGIN
المقالات
alshirazi.org
دور شهر رمضان والقرآن في صناعة الشخصية
رمز 265
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 8 يوليو 2015
شبكة النبأ المعلوماتية: يُسمى شهر رمضان بـ(ربيع القرآن)، والمقصود هنا، أن تلأوة القرآن الكريم تتضاعف وتزدهر في هذا الشهر المبارك، نظرا للأجواء الايمانية التي تسوده، بالإضافة إلى السعي لطلب المغفرة، وزيادة رصيد الروح والقلب والوجدان من نفحات الايمان، عبر التواصل المستمر مع الآيات القرآنية الكريمة، التي تزيد من الورع والتقوى لدى المسلم، لدرجة أن هناك من يتورّع عن المعصية ويكف عن التفكير بها بصورة تامة، بمعنى أن هناك من لا يمتنع فقط عن ارتكاب الذنب، وانما يكف أيضاً بالتفكير به، حتى يقضى على هذا التصوّر بصورة تامة ويقتلعه من جذوره، فتصبح روحه ونفسه مشذّبة من الذنوب وخالية منها تفكيرا وفعلا.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في احدى كلماته التوجيهية للمسلمين حول هذا الموضوع: (إنّ هناك فريقاً من الناس لا يتورّعون عن المعصية ويكفّون عنها وعن المحرّمات فحسب، بل يتورّعون عن التفكير فيها أيضاً، فهم يصومون عن المفطرات العامة، وتصوم جوارحهم عن ارتكاب الذنوب).

وهكذا يؤثر فعل الصوم ويساعد على تنقية النفس وحمايتها من الانزلاق في مهأوي الذنوب والمعاصي، ليس في مجال ارتكابها فقط، وانما حتى التفكير بها لم يعد له وجود في ذهن المسلم وقلبه أو يتضاءل تأثيره على قلبه وتفكيره، بسبب الاجواء الرمضانية التي تساعد بدورها على نشر اجواء الايمان بين عموم المؤمنين في هذا الشهر تحديدا، حيث تُغلّ الشياطين، وتحجّم قدراتهم في مجال اغواء الإنسان لكي يندفع في طريق الانحراف.

بمعنى أن الله تعالى يغلّ الشياطين في هذا الشهر الكريم ويتم تحييد التأثيرات والاغواءات التي يقدّمها الشياطين للناس من اجل جرّ اقدامهم إلى الانحراف، ومع هذا التحجيم الالهي للشياطين وقدراتها، نجد هناك من الناس من يفتح هذه الاغلال بسبب أفعالهم التي تقوم على ارتكاب المعاصي والذنوب وعدم الامتثال لحرمة هذا الشهر الكريم، لذلك على الإنسان ان يكون اكثر حذرا في هذا الشهر المبارك، بخصوص الافعال والاقوال التي تصدر منه، لأنها تساعد بصورة أو اخرى على فك الاغلال عن الشياطين، فتقوم بسحب الإنسان نحو الخطأ شيئا فشيئا، حتى في هذا الشهر الذي تحجّم فيه الشياطين، لذلك ينبغي الحذر الشديد من الوقوع في هذا الخطأ الجسيم، والعمل الجاد على استثمار شهر رمضان لتقوية النفس، وعدم تحويل الصوم إلى ممارسة آلية يقوم بها الإنسان من دون أن يكون لها تأثيرها الايماني النفسي العميق عليه.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (في شهر رمضان تُغلّ الشياطين، بيد أن عمل بني آدم قد يفتح الغلّ من الشيطان فيتسلّط عليه من جديد، فلنكن حذرين يقظين منتبهين جدّاً!).

ماذا فعلت فيما مضى من الوقت؟
من الامور التي تساعد الإنسان المؤمن على الاستفادة من شهر رمضان، هي متابعة أعمال النفس في الكلام والعمل، ومتابعة ذلك بجدية، حتى فيما يتعلق بالأمور اليومية المعتادة والبسيطة منها، مثل الاعمال التي يقوم بها الإنسان في بيته وعائلته ومع الزوج، وهل كان سلوكه واقواله مناسبة وصحيحة أم انها تنطوي على التجنّي والإساءة، ومن خلال هذه المتابعة يكون هناك تصحيح متواصل للاعمال والاقوال الخاطئة، واذا تم الالتزام بهذا المنهج على نحو يومي خلا ثلاثين يوما يستغرقها هذا الشهر الكريم، فإن الإنسان سوف يتمسك بها وتصبح جزءا من شخصيته وسلوكه.

لذلك يحض سماحة المرجع الشيرازي المسلمين على التمسك بهذا الاسلوب الحياتي بشكل يومي، وفي جميع الانشطة في البيت وخارجه، إذ يقول سماحته في هذا الصدد: (ليخصّص المرء كل يوم من شهر رمضان بعض وقته ويخلو فيه، ليراجع ما قد مضى منه خلال الساعات الماضية). ويضيف سماحته قائلا: (لينظر الإنسان ما عمل وما قال وما سمع وما رأى وما أخذ وما أعطى، وكيف تصرّف مع زوجته وأصدقائه وزملائه؟ وباختصار.. ليدقّق مع نفسه في صرف وقته؟ وليصمّم بعد ذلك على أن يزيد من حسناته ويقلّل من سيئاته).

لأن هذه التفاصيل العملية التي تبدو للإنسان عادية، كونها تحدث يوميا، لها اهمية بالغة في صناعة شخصية الإنسان وتحديد ميوله نحو الخير أو الشر، فإذا كان من النوع الذي يتابع افعاله وتصرفاته واقواله مع الاخرين، ويقوم بتصحيح ما هو مسيء منها والتخلص من الاخطاء ومعالجتها بصورة دائمة، فإنه سوف يكون سليم النفس واللسان وسليم النيّات أيضاً، وهذه هي المواصفات التي يحملها المسلم المكتمل، حيث لا يصدر منه اذى بحق الاخرين، القريبين منه كالعائلة، أو البعيدين عنه وهم زملاء العمل وعموم الناس في المجتمع.

ولعل هذا المنهج هو الاكثر قدرة على صناعة شخصية سليمة ايجابية تنتمي للخير وتعمل من اجله، وفي هذا فوائد كثيرة تعود على الإنسان ذاته، فضلا عن العائلة والمحيط الذي يعمل به، بالإضافة إلى المجتمع عموما، ولعل صناعة شخصية من هذا الطراز هو هدف للمؤمن الحقيقي والإنسان الذي يرغب أن يكون صالحا في هذه الحياة، وهذا الهدف يمكن تحقيقه من خلال التفكير بصوت عال والتساؤل دائما ماذا فعلتُ فيما مضى من الوقت؟.

لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته المذكورة: (ليس هناك طريق للتوفيق أسهل من طريق محاسبة النفس، لأنها مطلوبة جدّاً ولها تأثير كبير على الإنسان).

فرصة الهداية المحسومة
يقول أهل الشأن، أن شهر رمضان يعد فرصة محسومة لصالح هداية الإنسان، وهذه نتيجة متحققة من دون ادنى شك، لاسيما اذا كان هناك وعي يرافق تصورات الإنسان عن اهمية استثمار شهر رمضان لتحصيل الهداية وتحصين النفس، ومن ثم تكوين الشخصية المؤمنة التي تستمر على هذا المنوال حتى بعد شهر رمضان، وطالما ان هذا الشهر سمّي بشهر الله نظرا للمزايا الالهية التي حباها الله تعالى لهذا الشهر، لذا ينبغي على الإنسان ان يستفيد بأقصى ما يمكن من هذه الفرصة المتاحة امامه.

إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً حول هذا الجانب: (لقد خصّ الله عزّ وجلّ شهر رمضان الفضيل بالخصائص العظيمة دون سائر الشهور، لذا فهو فرصة مهيّأة من أجل الاهتداء والهداية). علما هناك عوامل ووسائل مساعدة للإنسان كي يحصل على فرصة الهداية في هذا الشهر الكريم.

ومنها أهمية تلاوة القرآن الكريم في هذا الشهر المبارك، وقد سبق القول أن (رمضان ربيع القرآن)، والربيع يعني الازدهار والنمو باتجاه الخير، وهذا ما يحدث فعلا عندما يقوم الإنسان المؤمن بملازمة القرآن الكريم، وقراءة نصوصه المباركة والتمعّن في معانيها واعماقها، فهي الطريق الأوضح والاقصر لمعرفة الخط الفاصل بين الخير والشر، وعندما يتوصل الإنسان لهذه المعرفة فإنه سوف يفوز بالرضا الهي، وهذه غاية كل إنسان مؤمن، لذلك علينا أن نزيد من علاقتنا مع كتاب الله، ونصوصه المباركة، وعلينا أن لا نفارق القرآن كل حسبما يتمكن ويستطيع، ففي تلأوة القرآن فوائد لا يمكن احصاؤها، وهي بالنتيجة تساعد على صنع شخصية ورعة قوة مؤمنة تتمسك بطريق الحق والوضوح وتنبذ الضلال والانحراف، وبهذا فإن الإنسان الذي يتمسك بالقرآن، يحصل على سعادة الدنيا والآخرة.

كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (ينبغي علينا في شهر رمضان المبارك تلأوة القرآن الحكيم والتدبّر فيه، فهو المقياس الأدبي لسعادة الدنيا والآخرة، فمن اتّبعه سعد في الدارين، ومن تركه شقي في الدارين).