LOGIN
المقالات
alshirazi.org
الهداية ومسؤولية صناعة المجتمع الناجح
رمز 274
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 15 سبتمبر 2015
شبكة النبأ المعلوماتية: كل لحظة تمرّ من عمر الإنسان محسوبة عليه، ولا يمكنه استرجاعها، لذلك من المؤسف حقّاً أن تضيع هذه اللحظة أو سواها من عمر الإنسان بلا هدف، أو بلا منجز تتحقّق منه فائدة للذات أو للآخرين، لذلك ليس أمام الإنسان إلاّ أن يوظّف أقصى طاقاته، لكي يضعها في خدمة الناس أولاً ومن ثم خدمة ذويه ونفسه، ولا خير في من لا يعرف قيمة الزمن، ولا يعطيه الاستحقاق الذي يناسبه من حيث التوظيف السليم للعمر، الذي قد يمرّ من دون أن يتنبّه الإنسان للدقائق التي تجري من بين أصابعه وهو لا يشعر بها ولا يعطيها ما تستحقّ من الاهتمام.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة الموجَّهة للمسلمين حول هذا الجانب: (إنّ عمر الإنسان هو فرصة وحيدة وفريدة لكي يستفيد منها الإنسان نحو الأحسن. ولذا يجب على الإنسان أن يستفيد من كل لحظات حياته نحو الأحسن).

ويجدر بالإنسان أن يتنبّه إلى قضية مهمة، تتعلّق بجانب الاستعداد النفسي والصحّي والعملي للتضحية من أجل الآخرين، فعندما يكون صحيح الجسم وسليم العقل والنفس، فإنه سوف يكون أكثر استعداداً لاستثمار عمره في الخير وهداية الآخرين، على العكس مما لو كان يعاني من الأمراض، لأسباب مختلفة ومنها كبر سن الإنسان مثلاً، وهذا يدخل ضمن مبادرة المسلم للعمل من أجل الآخرين ونفسه، من خلال عدم التفريط بالزمن الذي يمرّ عليه وهو على قيد الحياة.

لذلك ينبّه سماحة المرجع الشيرازي على هذه النقطة قائلاً: (يجدر عدم تضييع الفرص، ويجدر اغتنامها قبل فواتها، وهذه مسؤولية تقع على عاتق جميع المسلمين في مجال الاستفادة من عمرهم الذي وهبه الله سبحانه وتعالى لهم. ففي الحديث الشريف: اغتنم شبابك قبل هرمك واغتنم صحّتك قبل سقمك).

ولا شك أن هناك تسلسل في خطوات استثمار العمر، من حيث الأولويات، فالهداية ينبغي أن تتصدّر الأهداف، وتزكية النفس ينبغي أن تتصدّر الهداية، ولابدّ للإنسان أن يهتم أولاً بتربية نفسه، بما يجعلها قادرة على هداية الآخرين والتضحية من أجلهم، لأن النفس إذا لم تحصل على التربية اللازمة، قد لا تتمكّن من خدمة الآخرين ومساعدتهم على سلوك طرق الهداية والإحسان، وبهذه الطريقة يضيع عمر الإنسان هدراً.

لذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها، على أن: (الخطوة الأولى والصحيحة في مجال - الهداية- هي تزكية النفس وتربيتها على الإحسان للآخرين. فالنفس يمكن أن تكون زكية ومحسنة ومطيعة لله، ويمكن أن تكون بالعكس والعياذ بالله).

مسؤولية رجال الدين
من الأمور المعروفة أن مسؤولية تحقيق الهداية، ذات طابع جماعي، بمعنى ليس هناك شخص بعينه مسؤول بصورة فردية عن هداية الجميع، بل تحقيق الهداية يقع على عاتق الجميع، ولكن هناك درجات في تحمّل هذه المسؤولية، فرجل الدين مثلاً يقع عليه عبء أكبر من الإنسان العادي، في نشر الهداية بين الناس، وهذا أمر واضح ومعروف، لأن رجل الدين يمتلك من المعارف الدينية أكثر من غيره، ولديه قدرة على الإقناع أفضل من غيره فيما يتعلّق بالدين والإيمان والخصال والصفات التي تدفع الإنسان نحو الهداية.

لذلك لا يتساوى رجل الدين مع الشخص العادي في مسؤولية نشر الهداية، إذ تقع على عاتق الأول أهمية أكبر في توصيل الرسالة الإلهية للناس، ولعلّ هذه المهمة تقع من ضمن الأعمال التي يتخصّص بها رجل الدين أكثر من غيره بكثير، لذلك يضع أهل التخصّص مسؤولية أكبر على رجل الدين في هذا الجانب، وهو أمر واضح جدّاً، ولكن هذا لا يعني إعفاء الآخرين من هذا الدور، لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على هذا الدور وأهمية أن يتصدّى له رجل الدين ويتميّز في هذا الواجب من دون تردّد.

إذ يقول سماحته حول هذا الموضوع تحديداً: (إنّ هداية البشرية نحو الطريق الصحيح والصواب هي مسؤولية تقع على عاتق جميع المؤمنين والمؤمنات، بالخصوص رجال الدين، لأنهم يؤدّون دور إيصال الرسالة الإلهية للمجتمع).

إن هدف الهداية لا يتعلّق بجماعة أو فئة دون غيرها، كذلك هي ليست حكراً على أشخاص أو أمم أو شعوب بعينها، إنها تشمل البشرية من دون استثناء، هكذا يراها سماحة المرجع الشيرازي، لذلك يعطي لهذا الهدف أهمية تصل إلى درجة الخطورة، ويمنح هذا الهدف صفة السموّ، (فالهداية هدف سامي) كما يصفه سماحة المرجع الشيرازي، كونه يبعث الأمل في البشرية كلها، من هنا تأتي خطورة عدم تحقّق هذا الهدف أو عدم السعي إليه، أو هدر سنوات العمر، من دون العمل من أجل تحقيق هذا الهدف الإنساني الكبير.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (إن هداية البشرية هو أمر مهم وخطير بحدّ ذاته، وتحقّق هذا الهدف السامي، مؤدّاه الراحة وبعث الأمل للبشرية بأجمعها، ونستعيذ بالله تعالى في حال عدم تحقّق هذا المطلب، لأنه ستظل المجتمعات تتردّى في الهوى والضلالة والمتاهات).

النجاة من الظلمات
من الأمور البديهية أن الإنسان عندما يهتدي، فإنه ينتقل من حالة الظلام إلى النور، ومن حالة الجهل إلى المعرفة، هنا بالضبط تكمن أهمية الهداية، لذلك استوجب الأمر من كل إنسان ينتمي للبشرية في أي مكان كان، أن يوظّف كل لحظة ودقيقة تمرّ من عمره لصالح تحقيق هذا الهدف، لأن النتيجة للأعمال الفردية والجماعية التي تهدف لتحقيق الهداية، سوف تصب في صالح البشرية كلها، وفي حالة الوصول إلى هذا الهدف، فإن العالم سيكون أفضل للجميع من دون استثناء.

لذا يحثّ سماحة المرجع الشيرازي الجميع، على أهمية بل حتمية استثمار كل ثانية وكل دقيقة من عمر الإنسان، في مجال هداية الآخر الأقلّ فهماً ومعرفة ووعياً، وهذا الاستثمار ينبغي أن يصب في الاتجاه الصحيح، أي لما فيه خير الإنسان.

كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في كلمته المذكورة نفسها: (إنّ تحقّق هداية البشرية يكون في استفادة الجميع من الفرص المتاحة لهم، وبالاستفادة من جميع دقائق وثواني أعمارهم، لما فيه الخير والسداد).

علماً أن هناك شرطين أو ركيزتين، تعتمد عليهما (الهداية) لكي يتم تحقيقها على الوجه الأمثل، هاتان الركيزتان هما (تزكية النفس/ والاستفادة من العمر)، إذ لا يمكن الحديث عن الهداية والعمل في نشرها وترسيخها في النسيج المجتمعي، ما لم يتم ترسيخها أولاً في ذات الإنسان ونفسه، لأن الإنسان إذا لم يك مهتدياً لا يمكن أن يهدي غيره، لسبب معروف (أن فاقد الشيء لا يعطيه)، لذا فإن أول شرط في من يريد أن يعمل على نشر الهداية وبثّها في نفوس وقلوب الآخرين، أن يكون هو صالحاً ومهتدياً بما لا يقبل الشكّ وبما لا يثير الريبة، لأن هناك من يحاول خداع الآخرين من أجل تحقيق مآرب ومنافع فردية!

أما رجل الدين والناس الذين يهدفون حقّاً إلى هداية الآخرين، فإنهم أناس صالحون مهتدون، وقادرون على بث الهداية في نفوس الناس، فلا مآرب لديهم سوى رضوان الله، وفائدة الآخرين، إذ ليس هناك من أروع وأفضل وأجمل من مجتمع مكلّل بالهداية والتوازن والإيمان، فمثل هذه المجتمعات لن تقربها الظلمات.

إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (مع الالتزام بالأمرين المذكورين، أي تزكية النفس، والاستفادة من العمر لما هو الأفضل، تتحقّق هداية البشرية ونجاتهم من الظلمات).