شبكة النبأ المعلوماتية: يستدعي الجانب الإنساني، أن يتم رفض كافة أنواع الفساد، في جميع مجالات الحياة، لأن الهدف الأول والأخير ينبغي أن يتمثّل بالمحافظة على إنسانية الإنسان، وتعد مقارعة الفساد الركن الأهم في تحقيق هذا الهدف، فلا تقارب ولا التقاء بين الإنسانية والفساد، ولعل القول باستحالة تواجد الفساد في مجتمع إنساني هو أمر دقيق تماماً، لذلك ركّز قادة الإسلام العظام، في بداية تأسيس دولة الإسلام بقيادة النبيّ الكريم صلى الله عليه وآله، وكذلك في حكومة الإمام عليّ صلوات الله عليه على أهمية الجانب الإنساني.
وتمّثل ذلك أولاً في نشر المساواة بين الجميع، وعدم منح الامتيازات لأحدهم دون سواه، فالجميع في الإسلام سواسية، ضماناً للجانب الإنساني وعدم السماح للفساد بأنواعه وأشكاله كافة، من التسلّل إلى منظومة القيم التي تسير في هديها الأمة، لذلك حرص الإسلام في الجانبين العملي والنظري على التجانس الدائم بين (الإنسانية والمساواة)، ويأتي هذا الجمع بين الإثنين لتحقيق هدف يعد حجر الزاوية في البناء الاجتماعي والسياسي، ألا وهو القضاء على الفساد، مهما كانت الظروف التي تمرّ بها الأمة.
يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتابه القيّم الموسوم بـ(السياسة من واقع الإسلام): إن (الإسلام العظيم لا يترك الإنسانية في أحلك الحالات وأعسر الظروف).
ويربط سماحته بين تأخّر المسلمين في العصر الراهن، عما كانوا عليه في صدر الرسالة، وبين الفشل في تطبيق الرؤية الإسلامية للحياة، وأن المسلمين لم يتمسّكوا بهذا الفكر، وبالمضامين الإنسانية التي يؤكّد عليها ويدعو للتمسّك بها، كذلك لم يستطع مسلمو العصر الحالي من تطبيق ركن المساواة بين أفراد المجتمع، فانتشر الفساد، في النسيج السياسي وانتقل إلى النسيج الاجتماعي.
وباتت قضية الفساد مشكلة كأداء، يعاني منها المسلمون في هذا القرن، لاسيما الطبقة السياسية الحاكمة، كذلك باتت منظومة القيم نفسها مهددة بالضعف، وهو ما يتّضح لنا من حالة التأخّر التي يعيشها اليوم المسلمون في دولهم، بسبب انتشار الفساد، وغياب المساواة، وهو نتاج طبيعي لضعف الوازع الإنساني الذي ركّز عليه وتبنّاه القادة المسلمون العظماء، إبان قيام الدولة الإسلامية النموذج، لذلك يوجد خلل في تطبيق الإسلام ومبادئه من لدن مسلمي العصر الراهن، وليس في الفكر أو المبادئ الإسلامية.
من هنا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على أن: (هذا التأخّر الفظيع الذي حدث للمسلمين في هذا القرن، ما هو إلاّ وليد عدم قدرة المسلمين على تطبيق الإسلام كما ينبغي).
الصلاح والفساد لا يجتمعان
لقد سعى القادة المسلمون في صدر الرسالة النبوية، إلى بناء دولة قوية، وكان التمهيد لهذا الهدف قد بدأ مع نشر هذه الرسالة، وخوض الكفاح السري ومن ثم العلني، بعد إشهار مبادئ الدين الإسلامي على الملأ من مجتمع الجزيرة العربية الذي كان يعيش تحت وطأة منظومة قاسية ومتخلّفة من القيم، لذلك بدأ الإصلاح من لحظة ظهور الإسلام، وكان الهدف الأساس هو القضاء على العادات والأعراف المتخلّفة.
وقد تم ذلك بالفعل بصورة تدريجية، بسبب تجذّر القيم والعادات السيئة في المجتمع آنذاك، ولكن بدأ العمل بصبر كبير ومخطَّط له، من أجل استبدال الرديء بالجيد من القيم التي سعى قادة الإسلام إلى زرعها بين المسلمين، وكانت النصوص القرآنية تتدخل في رسم الخط العريض للإصلاح والقضاء على الفساد في المجتمع، وفي الطبقة السياسية أيضاً.
وهكذا آمن المسلمون وقادتهم الأوئل الخالدون، بقضية الإصلاح، وحتمية القضاء على الفساد، إذ لا يمكن أن يجتمع الإثنان (الصلاح والفساد) في بوتقة واحدة، بسبب الاختلاف القاطع والجوهري بينهما، من حيث المضمون الأخلاقي والهدف الذي يسعى له (الصلاح)، وهو يختلف بطبيعة الحال بصورة كلّية عن الهدف الذي يريده الفساد.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي في كتابه (السياسة من واقع الإسلام): إن (الإسلام دين الصلاح، والصلاح والفساد لا يجتمعان).
من هنا كان المسلمون إبان تصدّرهم لقيادة العالم، يناهضون الفساد، ويعتمدون الصلاح في كل خطوة يخطونها، وكانت مهمة الجميع، لاسيما (القادة) السياسيون، يتصدون بأنفسهم لحالات الفساد كافة، مهما كبر حجمها أو صغر، وبهذا يكونوا النموذج الجيد لعامة الناس، في قضية مكافحة الفساد وترسيخ أركان الصلاح في المجتمع.
والدليل على ذلك قوة الدولة الإسلامية، ومنافستها بل تفوقها على أقوى دول العالم آنذاك، إذ لا يمكن أن يجد الفساد مكاناً له في دولة نموذجية أقامها الإسلام، على أسس المساواة والعدالة الاجتماعية، ويقودها الحسّ الإنساني الذي يتحلّى به قادة المسلمين، وعملوا في الوقت نفسه على نشره بين عموم الناس، فصار الجميع في صف واحد لمكافحة الفساد وتدعيم ركيزة الصلاح في المجتمع، وهذا ما ينبغي أن يلتفت إليه قادة اليوم في العراق وغيره من الدول الإسلامية، فلا ينبغي أن يجد الفساد مكاناً له بين أناس يتّخذون من الإسلام ديناً لهم.
وهذا ما يدعو إليه سماحة المرجع الشيرازي، عندما يقول بوضوح تام في كتابه المذكور نفسه: (إذن: لا، لكل أنواع الفساد في الإسلام).
المساواة من مختصات الإسلام
يرى علماء الاجتماع أن الفساد يحتاج إلى حواضن ينمو فيها، ومن دون وجودها لا يمكن أن يجد الفساد مكاناً له في النسيج الاجتماعي أو بين أفراد الطبقة السياسية الحاكمة، لذلك ينبغي مكافحة الحواضن التي ترعى الفساد، كالظلم مثلاً، وغياب العدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص، كل هذه العوامل تساعد على درء خطر الفساد، وتقضي عليه وهو قيد التكوين.
لذلك سعى القادة المسلمون في الدولة النموذج التي أنشأها قائدها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، إلى التركيز على المساواة ونشر العدالة، والقضاء على كل أنواع الغبن الاجتماعي والحقوقي، لكونه السبيل المضمون لوأد الفساد وهو في المهد، على العكس فيما لو غابت المساواة والعدالة، في هذا الحالة سوف يشعر الناس بالغبن، وهذا التفاوت سوف يشكّل حاضنة مناسبة لنشوء وتغلغل الفساد في المجتمع والدولة معاً.
وهكذا حرص قادة الإسلام في عصر الرسالة وحكومة الإمام عليّ صلوات الله عليه، على تحقيق المساواة، حتى قيل أن الإمام صلوات الله عليه عندما أمر بتوزيع ما في بيت المال على المسلمين، ركّز على العدالة والمساواة في التوزيع، فكانت حصّة كل فرد (3) ثلاثة دنانير حصل عليها الجميع من دون زيادة أو نقصان، على أساس المكانة في الدولة أو المركز الاجتماعي وما شابه.
لذلك يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (التسوية بين أفراد المسلمين.. كبيرهم وصغيرهم.. حرهم وعبدهم.. شابهم وشيخهم.. قائدهم وجنديهم.. في الحرب وغيرها.. هذا من مختصّات الإسلام).
بل ذهب الإسلام إلى أبعد من ذلك حينما ساوى بين المسلمين في الدم والتضحية، فلا فرق في هذا المجال بين جندي بسيط وقائد كبير، الدم واحد هنا والتضحية واحدة، والغرض هو ترسيخ مبدأ المساواة والعدالة، لمكافحة الفساد، وهذا ما تمّ بالفعل، إذ لا فساد في دولة قادتها مصلحون وعادلون، وينظرون إلى الجميع حتى في تضحياتهم، على أنهم متساوون ولا فرق بينهم.
كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (من مختصّات الإسلام، الكل في الدم سواء، فالعالم والجاهل، والأسود والأبيض، والشيخ والشاب، وذو العشيرة ومن لا عشيرة له، كلهم سواء).