LOGIN
المقالات
alshirazi.org
لماذا لم تتحقّق الوحدة الإسلامية حتى الآن؟
رمز 288
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 7 ديسمبر 2015
شبكة النبأ المعلوماتية: بعض قادة المسلمين لا يهدأ له بال بسبب حالة التشرذم التي أصابت أمتهم، وبعضهم لا يزال ساهياً لاهياً متغافلاً عن حالة التراجع والتخلّف التي تحيط بالمسلمين، وكأن الأمر لا يعنيه من قريب أو بعيد، النموذج الأول من قادة المسلمين هو الذي يعوّل عليه، فالأمل معقود على الحكماء منهم، أولئك الذين لا تمرّ مناسبة دينية للمسلمين، إلاّ وذكّروهم بالدليل القاطع على أهمية وحدة المسلمين، مع بيان السبل التي تقودهم إلى هذا الهدف، مرفقةً بخريطة عمل قابلة للتنفيذ، ولكن مع تواجد الإرادة الحقيقة التي تسعى نحو هذا الهدف.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، بذل جهوداً كبيرة في هذا المجال، وطالما وجّه سماحته للمسلمين كلمات قيمة مشفوعة بخطوات عملية لتحقيق الوحدة الإسلامية، ولم تمرّ مناسبة دينية للمسلمين، إلاّ وتصدّى سماحته لهذا الجانب الحيوي من حياة الأمة، فما يعانيه المسلمون من فرقة وتناحر يمثّل الحالة الطارئة التي لا تدخل في السلوك الإسلامي السليم، ولا في المنهج الذي كان قائماً إبّان قيام البعثة النبوية وتوحيدها لعموم المسلمين عبر العالم.

حتى صارت أمة الإسلام من أقوى الأمم، بل أقواها جميعاً، وأكثرها قدرة على الفعل والفكر الخلاّق الذي أسهم في نقل العالم من الظلام إلى النور، فعندما كانت امبراطوريات الغرب تنشر الفساد والظلم وتصنع لشعوبها أجواء القمع وتغلّفهم بالظلام، كان الإسلام ينشر النور في ربوع العالم أجمع، وكان السبب في قوة المسلمين وحدة الإرادة والصف والكلمة، وصدق السلوك والنوايا والأفكار، ولكن بعد رحيل قادة الإسلام العظام، النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وقائد المسلمين الإمام علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، انحرف خط الإسلام عن الجادة الصواب.

واستمر هذا الخط المنحرف في امتداده إلى يومنا هذا، ومع كل عناصر وأواصر القوة التي يتوافر في أمة الإسلام، لكننا نلاحظ علامات التراجع والنكوص تتضاعف يوماً بعد آخر، وليست هناك خطوات فعلية لانتشال المسلمين من هذا الواقع.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في إحدى كلماته التوجيهية للمسلمين، حول هذا الموضوع تحديداً: (انظروا إلى وضع المسلمين، وخصوصاً في العقدين الأخيرين، ترونه أسوأ مما مضى، بل هو إلى الوراء دوماً).

وليس جديداً على المتابع حالة التردّي التي تجتاح دول وحكومات المسلمين، حيث يطولها التجزيء والاضطراب والاقتتال، والسبب هو ابتعادهم عن منهج الرسول الأكرم في كافة المجالات، كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلاً: (اُوجّه خطاباً للأمة الإسلامية، سواء للحكومات ولغيرهم، ولغير المسلمين أيضاً. فأقول للمسلمين: خذوا الإسلام من رسول الله صلى الله عليه، وخذوا منه صلى الله عليه وآله كل ما تريدونه، في مجال الاقتصاد والسياسة والاجتماع والعائلة والفرد والأخلاق، وغير ذلك).

خذوا الاتحاد من الرسول صلى الله عليه وآله
من الأمور التي يؤاخذ عليها المسلمون، أنهم في الغالب لا يستفيدون من التجارب أو الدروس حتى لو كان مصدرها قادتهم من الثقاة الأمناء، فلو أخذ المسلمون من منهج الرسول صلى الله عليه وآله في إدارة شؤونهم، في مجالات الحياة المختلفة، ولو استمعوا بدقة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وآله ووصاياه للمسلمين، وخصوصا للقادة، لما بات حال المسلمين على ما هو الآن من سوء.

ولهذا السبب نرى سماحة المرجع الشيرازي ينصح المسلمين، بأهمية التمسك بالمنهج النبوي، وبامتداده المتمثّل بعترة الرسول الكريم، من أئمة أهل البيت عليهم السلام، كما نقرأ ذلك في قول سماحته: (حتى الاتحاد والوحدة خذوهما من رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: (كتاب الله وعترتي أهل بيتي). وهذا هو محور الاتحاد والوحدة لا غيرهما).

ولكن عندما نأتي إلى التطبيق، لا نجد من يعمل عليه، والمشكلة أن الجميع يتحدثون عن أهمية وحدة المسلمين، ويدعون لها، ولكن لا تجد أثراً لتلك الدعوات في السلوك والفعل الذي يثبت تلك الدعوات، من هنا نلاحظ تزايد حالات الاختلاف بين المسلمين، على الرغم من الدعوة للوحدة الإسلامية، والسبب بطبيعة الحال افتقار تلك الدعوات للجدية، فضلاً عن استعداد المسلمين وخاصة بعض قادتهم، للاختلاف أكثر من الاتفاق والانسجام ووحدة الصف.

لهذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي هذه الحالة، عندما يشير إلى القول الخالي من التطبيق، كما نلاحظ ذلك في قول سماحته: (أنا شخصياً ومنذ قرابة خمسين سنة أسمع بالوحدة الإسلامية وإلى يومنا هذا. ولكن لماذا لم تتحقّق ولم تتقدّم حتى خطوة واحدة؟).

هذا التساؤل عن سبب عدم وحدة المسلمين، لسماحة المرجع الشيرازي، يثير جملة من التساؤلات الفرعية، إذ من غير المعقول أن يبقى المسلمون على صورة الضعف التي تظهرهم الآن للعالم، لذلك لابدّ من خطوات عملية تدرس الأسباب التي تحول دون وحدة المسلمين، وتعالج نقاط الخلل وتقترح الحلول الناجعة لها.

ما سبب عدم وحدة المسلمين؟
ومع ذلك يبادر سماحة المرجع الشيرازي، ليجيب عن التساؤلات التي تؤرّق الجميع، بخصوص الأسباب التي تقف وراء عدم اتحاد المسلمين كما كانوا أمّة واحدة في السابق، وهي إجابات واقعية مدعومة بالأدلة التي ينبغي أن تؤدي بمن يستمع إليها بالقناعة، والعمل بها، تحقيقاً للهدف الأسمى، ونعني به القضاء على حالة الضعف والتشرذم التي تكتسح أمة الإسلام طولاً وعرضاً.

وعندما يتساءل سماحة المرجع الشيرازي عن سبب عدم وحدة المسلمين، موجّها كلامه للجميع، يقول سماحته بالحرف الواحد: (أتعرفون ما السبب؟ السبب هو عدم الالتزام والتمسّك بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وهو: القرآن الكريم وعترته الطاهرة. ولهذا نرى أنه لم تتحقق الفائدة المرجوّة من المطالبة والمناداة بهذا الاتحاد وبهذه الوحدة).

إذاً هناك سبب جوهري يكمن وراء حالة الخواء الإسلامي، إنهم لم يلتزموا بوصايا الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، ألا يكفي هذا السبب لوحده كي يجعل من المسلمين في حالة من الضعف والتراجع لا تغادرهم إلى الأبد فيما لو ظلوا بعيدين عن وصايا نبيهم صلى الله عليه وآله وقائدهم الذي بنى أعظم دولة للمسلمين، تميّزت بالعلم وحسن الإدارة وكثرة الموارد، وقوة التلاحم بين المسلمين، لدرجة أنهم أصبحوا أقوى الأمم على الإطلاق.

وهكذا يكمن الحل في تمسّك المسلمين بمضامين القرآن، وبسيرة وأحاديث أئمة أهل البيت صلوات الله عليهم، وهم عترة النبي صلى الله عليه وآله والامتداد الناصع له، فكراً ومضموناً وعملاً، أما في حالة إهمال هذه الوصية التي تضاهي الشرط القطعي، فإن النتائج واضحة، وحالة التراجع والضعف ستبقى السمة الأبرز للمسلمين.

لذلك ليس أمامهم سوى إعادة النظر في مواقفهم، ومن ثم العودة إلى الجذور المحمدية الخالدة، ومراجعة الفكر الحسيني الخلاّق، واستنباط الأنماط الجديدة لحياة جديدة محدثة، ترفع المسلمين إلى مستوى المسؤولية العالمية، فقد كان الإسلام عالمياً في أفكاره ومبادئه وفي نتائجه العملية أيضاً.

واليوم ليس أمام أمة الإسلام سوى تفحّص تلك الوصايا وقراءتها من جديد بعيون مسؤولة وعقول فاحصة ذكية مؤمنة، تسعى لتدارك ما يحيط بالأمة من وهن ونكوص، سعياً لتحقيق وحدتها التي لن تتحقّق، وسيكون حالهم أسوأ من دون تطبيق هذين الشرطين اللذيْن طرحهما سماحة المرجع الشيرازي في قوله: (إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسكتم بهما فلن تضلوا بعدي أبداً). فلا يصلح حال المسلمين إلاّ بهذين الشرطين. وسيكون وضعهم أسوأ ويبقون على هذه الحالة حتى إلى مائة سنة أخرى، ما لم يتمسّكوا بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله).