LOGIN
المقالات
alshirazi.org
قمّة الحضارة في ثقافة أهل البيت
رمز 298
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 27 فبراير 2016
شبكة النبأ: الثقافة كما توصف هي الطريق الذي يمهّد لوصول الإنسان إلى التحضّر التام، وهذا يعني أن الحضارات نتاج لثقافات الأمم، فالحضارة كما يسهب في وصفها العلماء والمفكّرون وأصحاب الشأن، هي نظام اجتماعي يعين الإنسان على الزيادة من إنتاجه الثقافي لرفع مستوى التفكير وتنظيم الحياة وتطويرها، وتتألّف الحضارة من عناصر أربعة هي الموارد الاقتصادية، والنظم السياسية، والتقاليد الخلقية، ومتابعة العلوم والفنون؛ وهي تبدأ حيث ينتهي الاضطراب والقلق، لأنه إذا ما أمِنَ الإنسان من الخوف، تحرّرت في نفسه دوافع التطلّع وعوامل الإبداع والإنشاء، وبعدئذ لا تنفكّ الحوافز الطبيعية تستنهضه للمضي في طريقه إلى فهم الحياة وازدهارها.

ويرى بعض المختصّين أن الحضارة عبارة عن أسلوب معيشي يعتاد عليه الفرد، بدءاً من التفاصيل الصغيرة إلى التفاصيل الأكبر التي يعيشها الإنسان في مجتمعه، ولا يقصد من هذا استخدامه إلى أحدث وسائل المعيشة، بل تعامله هو كإنسان مع الأشياء المادية والمعنوية التي تدور حوله وشعوره الإنساني تجاهها، ويمكن أيضاً تعريف الحضارة على أنها الفنون والتقاليد والميراث الثقافي والتاريخي ومقدار التقدّم العلمي والتقني الذي تمتع به شعب معيّن في حقبة من التاريخ.

من هذه المقدمة نستطيع أن نجزم بأن حجر الزاوية في تحقيق درجة عالية من التحضّر لشعب ما، هي الثقافة الإنسانية والقدرة على نشرها وزرعها في نفوس وعقول أكبر عدد ممكن من أفراد المجتمع، وإذا اتفقنا على هذا الدور المهم الذي تقوم به الثقافة.

فإننا نقف إزاء (ثقافة أهل البيت عليهم السلام)، لكي نبحث في مدى تأثيرها وفاعليتها الكبيرة وقدرتها المتميّزة على نشر التحضّر بين أفراد المجتمع، لسبب بسيط، أنها تنطوي على أعظم القيم الإنسانية التي قدّم الإنسان من أجل إحيائها والتمسّك بها، الغالي والنفيس من الأرواح والممتلكات، وبذل أعظم التضحيات والجهود من أجل الحفاظ عليها والتمسّك بها، إنّ عالمنا اليوم يعاني من التوتّر والاحتراب وأنواع التطرّف، والسبب هو تراجع الثقافة الإنسانية والقيم النبيلة التي تمثّلها ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم بكل ما لهذه الكلمة من معنى، لذا هناك مسؤولون عن نشر هذه الثقافة في عموم العالم.

يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كلمة وجّهها للمسلمين حول مسؤولية حمل ونشر ثقافة أهل البيت: إن (الكل مسؤولون في حمل ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم إلى العالم كلّه، لا فقط في الشرق الأوسط أو في البلاد العربية فقط. فالعالم اليوم بحاجة إلى ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم أكثر من حاجته لها بالماضي). ويضيف سماحته مؤكّداً على: (انّ ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم تتجّلى في رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما. والكل، في مجاله، عليه مسؤولية حمل هذه الثقافة).

حمْل ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم
دائماً هناك من يؤمن بالثقافة كطريق نحو بناء الحضارة ونشرها، وهناك مستويات متباينة في الوعي والقدرة وحجم المسؤولية، ولكن على العموم ليس هناك فرد غير معني بها، أو مسموح له عدم القيام بدوره في نشر ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم، لاسيما الشيعة من أتباع الأئمة صلوات الله عليهم والخط الواضح لهذه الثقافة، فالجميع هنا معني بالترويج لهذه الثقافة والعمل على نشرها بجميع السبل المتاحة، لأن الطريق الذي يؤدّي إلى تحضّر الإنسان على المستوى العالمي هو ثقافة أهل البيت عليهم السلام، ولذلك جميع الناس لهم أدوارهم في هذا المجال.

ومن الواضح تماماً، أن حجم المسؤولية يرتبط بدرجة الوعي والثقافة والعقلية وطبيعة العمل، فالأكاديمي والأستاذ والمفكّر، لهم دورهم في نشر هذه الثقافة، والإنسان العادي له دوره أيضاً، ولكن قد تختلف درجة التأثير في الآخرين، بيد أن هذا الاختلاف لا يعني إعفاء الناس من هذه المسؤولية، فالكل له دوره في إحياء ثقافة أهل البيت ونشرها.

كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله في الكلمة المذكورة نفسها: على (الخطيب والعالِم والأستاذ، وباقي الناس، كل في مجاله، حمل ثقافة أهل البيت إلى العالم).

المطلوب في هذا الإطار، عدم التقصير في نشر هذه الثقافة العظيمة كون الهدف من ذلك هو إسعاد البشرية جمعاء، من خلال نشر التحضّر في ربوع المعمورة كلها، ولا يُستثنى أحد من هذه المهمة، على أن يكون أتباع أهل البيت صلوات الله عليهم في الصدارة دائماً لتطبيق هذا الهدف، لاسيما حملة القلم وصنّاع الإبداع، من شعراء وكتّاب ومفكّرين، على أن يقوموا بتضمين إبداعاتهم المتنوّعة في الشعر وسواه، جوهر ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم.

لذلك يطالب المرجع الشيرازي المبدعين وغيرهم بالمشاركة الفعّالة لتحقيق هذا الهدف المهم، كما نلاحظ ذلك في قول سماحته: (حاولوا أن لا تقصّروا في سبيل أهل البيت صلوات الله عليهم، فاحملوا ثقافتهم وانشروها في كل مكان، من خلال القصائد. فمثلاً: على الشعراء ومنظّمي القصائد أن يضمّنوا قصائدهم وأشعارهم ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم).

ثلاث كلمات عظيمة
ولا شك أن من يريد يتقن هدفه عليه أولاً أن يهضمه جيّداً، فعلى أتباع اهل البيت ومحبّيهم أن يعرفوا أولاً ما هي ثقافة أهل البيت وما هي مقوّماتها وشروطها من حيث العقائد والأفكار والضوابط كافّة، وبعد الوصول إلى اتقان ذلك يمكن الشروع بعملية نشر هذه الثقافة إلى أبعد حدّ ممكن من حيث حجم المساحة الجغرافية، وإعداد الناس الذين يصل إليهم هذا الفكر وهذه الثقافة المعطاء، ومن بين هذه المقوّمات التوحيد وهو شرط أساس، والعدل وهو أحد أركان ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم وفي الحقيقة ان سعادة البشرية كلها تقوم على العدل وشروط أخرى كالأخلاق الحسنة، وهذه وغيرها من صفات ثقافة أهل البيت عليهم السلام.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إنّ (ثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم تتلخّص في ثلاث كلمات، الأولى: عقائد أهل البيت صلوات الله عليهم، في التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة والمعاد. الثانية: الأخلاق الحسنة من أهل البيت صلوات الله عليهم).

وهناك ركن مهمّ جدّاً لثقافة أهل البيت وهي الكلمة الثالثة التي أشار إليها سماحة المرجع الشيرازي، وهي تخصّ الأحكام الشرعية، فالحقيقة ان شؤون الإنسان في هذه الحياة وتعقيدها يوماً بعد آخر، وتضارب المصالح وتداخلها، وتعقيد التركيبة التكوينية للإنسان، وخطورة المنظومة الغرائزية لديه، كل هذا وسواه يجعل من الأحكام الشرعية ذات أهمية قصوى في تنظيم حياة الإنسان الفرد والمجتمع والبشرية جمعاء.

إنّ الأحكام الشرعية وما سبقها من القول بخصوص الثوابت والعدل والأخلاق والعقائد والإمامة وكما جاء في كلمة سماحة المرجع الشيرازي، كلها تعدّ عوامل مساعدة للإنسان حتى ينجح بصورة تامّة في إدارة شؤونه وفي المجالات كافّة، وإذا ما التزم الإنسان في العالم أجمع بهذه الثقافة الإنسانية التي تحتضن الجميع من دون فرق أو تفضيل بين أحد وآخر، عند ذاك يصل الإنسان إلى قمّة التحضّر، وتسود الحضارة الإنسانية عموم العالم.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب، إنّ الكلمة الثالثة التي تتعلّق بثقافة أهل البيت صلوات الله عليهم هي: (الأحكام الشرعية من أهل البيت صلوات الله عليهم. وهذه الكلمات الثلاث هي قمّة في الفضيلة وقمّة في الحضارة).