شبكة النبأ: للمشاعر والأحاسيس دور مهم وكبير في رسم شخصية الإنسان، وبيان مستوى فكره ونوع هذا الفكر الذي ينعكس على سلوك الفرد بصيغ عملية مختلفة، ولا شك أن حامل المشاعر الجيدة، والأحاسيس الإنسانية الجميلة، يميل بطبعه إلى الشخصية الجيدة التي تراعي حقوق الآخرين، وتحرص على حقوقهم ومشاعرهم أيضاً، شرط أن تكون مشاعر الإنسان حقيقية وليست مزيفة أو مصطنعة، حيث تتحول إلى نوع من المجاملة الكاذبة أو الرياء، وهذه صفات لا علاقة لها بالمشاعر الإنسانية الحقيقية للإنسان المؤمن.
في جميع الأحول يحتاج المجتمع إلى الفرد ذي المشاعر الجيدة النقية، وصاحب الأحاسيس الإنسانية الصادقة، فمثل هؤلاء الأفراد يمكن أن يشكّلوا قاعدة ينطلق منها المجتمع نحو بناء علاقات تتسم بالجمال والتوازن كونها تدخل ضمن إطار الأخلاق حيث يحرص الناس في علاقاتهم المتبادلة، أن يحافظ بعضهم على مشاعر وحقوق الآخر، وهذا الهدف لا يمكن أن يتحقق إلاّ عندما تكون هناك شخصية مبنية بصورة سليمة للإنسان.
ففي ظل الصراعات البشرية الفردية والجماعية، وفي ظل العصر المادي، والتكالب على المصالح، والصراع من اجل جمع الأموال بغض النظر عن الاسلوب والطريقة، في ظل مثل هذه الأمور، تغدو الشخصية التي تراعي مشاعر وأحاسيس الآخرين نادرة، ويحتاج الإنسان إلى تربية عميقة وسيطرة عالية على نفسه كي يستطيع أن يحفظ حقوق الآخرين، وهذا يوجب على الإنسان أن يضع نفسه تحت المراقبة والمحاسبة اليومية.
يدعو سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في كتاب (من عبق المرجعية)، حول هذا الموضوع: (ليخصّص المرء كل يوم من شهر رمضان بعض وقته ويخلو فيه، ليراجع ما قد مضى منه خلال الساعات الماضية، فينظر ما عمل وما قال وما سمع وما رأى وما أخذ وما أعطى؟ وباختصار.. ليدقّق مع نفسه فيم صرف وقته؟ وليصمّم بعد ذلك على أن يزيد من حسناته ويقلّل من سيئاته).
والحقيقة ليس هناك أنسب من شهر رمضان، من حيث الاجواء والتوقيت، كي يبادر الإنسان إلى تنقية نفسه من الشوائب، وصقل مشاعره الإنسانية وتهذيب أحاسيسه، سواء يتم ذلك من خلال قراءة الأدعية الرائعة، او آيات من الذكر الحكيم، او القيام بزيارة مراقد أئمتنا الأبرار صلوات الله عليهم، فكل هذه الأعمال تساعد على أن يصبح الإنسان رقيقاً عادلاً إنسانياً، يميل إلى النقاء والجمال ورعاية حقوق الآخرين، بفضل شهر رمضان الكريم.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي قائلاً:(ينبغي التوجّه في شهر رمضان الكريم إلى محاسبة النفس كل يوم، ولو دقائق، يستعرض الشخص فيها ما قال وعمل، وما سكت عنه وترك، خلال يومه وليلته).
رعاية الفقراء والمحرومين
من مزايا شهر رمضان المبارك، أن الله تعالى خصّه بخصائص عظيمة من دون الشهور الأخرى، ومن هذه الخصائص على سبيل المثال، أن جزاء هذا الشهر يكفله الله تعالى لأن شهر رمضان (شهر الله)، كذلك تمتلئ أجواء هذا الشهر بالإيمان على مدار الساعة، حيث المجالس والخطب والندوات التي تسعى نحو جذب القلوب صوب الجمال والنقاء والانتماء إلى العمل الإنساني الجميل، الذي يحسن الاخلاق ويصقل المشاعر، ويهذب الاحساس بالآخر، فتكون الكلمة جميلة مهذبة جذّابة، وتزيد من العلاقات الإنسانية الرائعة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (لقد خصّ الله عزّ وجلّ شهر رمضان الفضيل بالخصائص العظيمة دون سائر الشهور، لذا فهو فرصة مهيّأة من أجل الاهتداء والهداية).
وفي هذا الشهر تنفتح أبواب الرحمة من السماء على الارض، فتدفع بالناس إلى التراحم فيما بينهم، فنرى أن الاغنياء أكثر حرصاً في هذا الشهر على رعاية الفقراء والمحرومين، لأن الصيام يجعل الإنسان أكثر تفهّماً بما يعانيه الإنسان الآخر، ففي شهر الصوم، يجوع الغني والفقير معاً، وبهذا يشعر الغني بمعاناة الفقير، فيسعى لوأد الجوع والحرمان من خلال مدّ يد العون إلى هذه الشريحة التي تعاني من شظف العيش.
وقد لا يكون الإنسان فقيراً، أو يقع تحت وطأة الفقر لأسباب فردية، فهناك ظروف عامة هي التي تجعل من الإنسان فقيراً محروماً، خاصة في ظل بعض الأنظمة السياسية الظالمة، التي لا تحفل بقضايا ومشاكل واحتياجات المواطنين، فتزداد نسبة الفقر، ويتضاعف عدد المحرومين، لهذا لا ينبغي أن نحمّل الفقير مسؤولية فقره، ولهذا ينبغي أن يبادر الأغنياء إلى انتشال الفقراء من الفقر في هذا الشهر الكريم، خاصة الدافع الإنساني والشعور بمشاعر الآخرين يكون حاضراً بقوة في مثل هذا الشهر الكريم وأجوائه التي تشجّع على التعاون والرحمة.
من هنا يدعو سماحة المرجع الشيرازي الأغنياء إلى التعامل بمشاعر إنسانية جيّدة مع الفقراء قائلاً: (ينبغي للمؤمنين الكرام الاهتمام أكثر من ذي قبل بالفقراء والمحرومين في كل بلاد العالم، وخاصة في بلدهم، فقد استشرى الحرمان والفقر في كثير من البلاد من جرّاء المناهج الوضعية الناقصة، والابتعاد عن أحكام الله تعالى الكاملة والمستوعبة، ويكون ذلك خطوة في سبيل تقليص هذه المعاناة المؤلمة).
جمال الأحاسيس والمشاعر
إنّ تحسين المشاعر لا يتمّ من دون السعي إليه، أي على الإنسان أن يسعى إلى تطوير مشاعره الإنسانية، ولا توجد فرصة متاحة أفضل من شهر رمضان لتحقيق هذا الشيء، لذلك فإن رؤية الجمال وتحصيله وتنمية الأحاسيس الراقية، ينبغي أن تتم في ظل أجواء الإيمان والتقوى والعدل، وهذه مزايا وسمات تتضاعف مكانتها في شهر رمضان الكريم.
لاسيما أن المجالس تتضاعف، أو ينبغي أن تتضاعف كما يدعو إلى ذلك سماحة المرجع الشيرازي، كونها وسيلة مناسبة لنشر الوعي والثقافة والايمان والتقوى والتراحم بين المسلمين، ويتم ذلك أيضاَ من خلال إقامة الندوات ذات الطابع العقائدي الفكري المقنع والجميل، فضلاً عن أهمية التشجيع على تلاوة القرآن الكريم، والتركيز على تفسيره، وتنشيط دور المساجد والحسينيات والمعاهد المختصة والمدارس في هذا المجال.
كما يؤكّد على ذلك سماحة المرجع الشيرازي بقوله: (ينبغي على المؤمنين والمؤمنات العمل الجاد لزيادة المجالس الدينية، وتعظيم الشعائر الحسينيّة، وندوات الأدعية الشريفة في أيام شهر رمضان ولياليها، وإقامة صلوات الجماعة وحلقات تلاوة القرآن الحكيم والتدبّر فيه، وتجويده وتفسيره، في كل مسجد، وحسينيّة، ومعهد، ومدرسة، وسائر الأماكن العامة المناسبة، وجمع أكبر قدر ممكن من المؤمنين أو فيها).
هكذا يعدّ هذا الشهر من أنسب الأوقات والشهور لتلطيف المشاعر، وتوجيه الأحاسيس نحو علاقات التراحم والتعاون الإنساني البنّاء، وبالإمكان تطوير مثل هذه الأهداف والنتائج من خلال الصيام الذي يهذّب النفس ويكبح تطلّعاتها المادية، ويجعلها أكثر هدوءاً واتّزاناً، وشعوراً بالفقراء والمحرومين، فعندما تُكبح النفس وتُلجم، بالصوم والصلاة وقراءة القرآن، والتوغّل في الأجواء الإيمانية، والحرص على تحسين الأحاسيس الإنسانية، فإنها تخضع إلى هذا المنطق السليم، لأن شهر رمضان هو أفضل الشهور قدرة وتمكّناً من جعل الإنسان المتمكّن والغني أكثر شعوراً بحاجة الإنسان الآخر، فضلاً عن اندفاعه للتعاون والمساعدة بصورة ارادية كونه يعيش في أفضل الأجواء واكثرها امتلاء بالرحمة والإيمان.
لهذا يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (يلطّف شهر رمضان المبارك المشاعر والأحاسيس، بما جعل فيه من البرامج، وخاصة الصيام، الذي يجعل الإنسان يشعر بآلام الفقر ويعيش، ولو بنسبة، مآسي المحرومين).