LOGIN
المقالات
alshirazi.org
العدل واللين والرحمة أركان الحكومة المهدويّة
رمز 364
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 15 مايو 2017
شبكة النبأ: من القضايا المعروفة على مستوى التاريخ بأبعاده كافّة، أن النبيّ محمد صلى الله عليه وآله، نشر مبادئ الإسلام العظيمة، وأقام حكومته بأركان العدل واللين والرحمة أولاً، عملاً بالمنهج الإلهي الذي كان يحثّ على أهمية التعامل بلين مع عامة الناس، لأنّ الغلظة والخشونة سوف تجعل الجميع ينفضّون عن قائدهم، حتى لو استخدم وسائل الترهيب والترغيب، فكانت الرحمة والتعامل العادل بأسلوب يحترم كرامة الإنسان، هو الأسلوب الأنجع في كسبهم وضمان تأييدهم ومساندتهم لقائدهم وحكومتهم.
حكومة الإمام المهديّ المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف لا ريب تشكّل امتداداً لهذا النهج النبوي، لأسباب عدّة، أولها أنّ هذا الأسلوب القيادي في إدارة شؤون الناس يضمن نوع من الحياة العادلة لهم، ويسهم في صنع شخصية مكتملة تشعر بالعزّة والكرامة، وتكون مستعدّة لعمل جميع الواجبات المنوطة بها من دون تذمّر، ذلك أنها لمست النهج العادل واللين والرحمة في التعامل، وهذا سوف يشكّل دافعاً للجميع كي يخلصوا في أدائهم للواجبات بأمانة واستعداد الدائم للتضحية، وطالما أنّ هذا الطريق النبويّ أثبت نجاحه في إدارة الحكم، فإنّ الحكومة المهدويّة لن تحيد عن هذا الطريق حتماً. يقول سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) في الكتاب القيم الموسوم (من عبق المرجعية) حول هذا الجانب: إنّ (الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف يشبه جدّه المصطفى الذي قال عنه تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ اللهِّ لِنتَ لَهُم)، وعليه فإنّه سيتبع خطى جدّه الكريم، ولا يحيد عنها قيد أنملة).
وهكذا سوف يستمر هذا الأسلوب النموذجي في التعامل مع الجميع، بمن في ذلك أولئك الذين يقفون بالضد، ويشكّلون صفّ الأعداء، فهؤلاء أيضاً يشملهم التعامل الإنساني الفذ، والعدل، واللين الذي سيجعلهم يغيّرون مواقفهم ويستبدلون العداء بالتأييد، ذلك أنّ العدل والرحمة كفيلان بتذويب جميع رواسب الحقد والضغينة، ليمتلئ قلب الإنسان بالرحمة والرضا والامتنان، ممن يوفّر له فرصة العيش بأمان وعدالة وسلام، وهذه الأركان والحاجات تعدّ من أهمّ ما تقدّمه الحكومة المهدوية للأمة.
لذلك يشير سماحة المرجع الشيرازي في المصدر نفسه الى هذا المنهج النبوي المهدوي فيقول سماحته في هذا المجال: (إذا كان الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف سيعامل الكافرين بالحسنى، فكيف بالمسلمين؟).
العدل مطلب فطري للإنسان
من الملاحَظ على بعض حكوماتنا التي تقول بأنها إسلامية، وأنها تستمد منهجها من ماضي الإسلام العريق، أنّه أغفلت أهم أركان الحكم الذي أقامه الرسول الأكرم في أوائل الرسالة الإسلامية، فكان ذلك النموذج خالد الذكر يجعل من ركن العدل جداراً يعزل الحكومة من الأخطاء التي قد تتسبّب بها للأمة، وجلّ ما كان تقوم به هو تمسّكها بالعدل في التعامل مع الأمة، وهذا وحده كفيل بضمان علاقة متوازنة بين الحاكم والمحكوم.
وقد أكّد ذلك ما يمكن أن تكون عليه حكومة الإمام المهديّ حيث العدالة هي الركيزة الأعظم والأكثر حضوراً، ليعيش الإنسان مصان الجانب، آمناً، كريماً ومكرّماً، حيث الحكومة المهدوية تشهر بين الملأ منهجها القائم على أسس العدالة أولاً، وهو ما ينبغي أن تأخذ به حكوماتنا العربية والإسلامية اليوم، حيث الظاهر يؤكّد العكس من ذلك، فالحاكم والمسؤول كما يظهر مشغول بنفسه وعائلته وحزبه ومصالحه، والشيء الوحيد الذي يتناساه أو ينساه هو واجبه وأمانته تجاه الناس، إضافة الى التعامل الشديد والقسوة وإلحاق الظلم بالناس، وهو منهج يرفضه الإسلام وترفضه الحكومة المهدوية.
يقول سماحة المرجع الشيرازي تأكيداً على هذا المنهج: (إنما جاء الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف أصلاً لإقامة أركان العدل، العدل الذي يشكّل مطلباً طبيعياً وفطرياً للإنسان، لذا، فمن غير الممكن أن يسلك نهجاً ينفّر الناس عنه ويجعلهم يتمنّون لو لم يروه، أو أن يشكّكوا في نسبه وانتسابه بآل النبي صلى الله عليه وآله بسبب العنف والشدّة).
إنّ العنف ليس من شيم الرسول الأكرم، ولا من شيم الإمام عليّ ولا ينتسب في أي حال لأئمة أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، ولابدّ أن يكون الامتداد الطبيعي لحكومة الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف مستنسخاً من لدنّ الأجداد، فالأركان التي سبق ذكرها، العدل، اللين، الرحمة، مبادئ لا يمكن تجاوزها الى عكسها، ولهذا ينبغي على الحكومات التي تدّعي الانتساب الى الإسلام أن تنهج المنهج نفسه، حتى تثبت هذا الانتساب، فضلاً عن أنّ هذا الأسلوب هو الوحيد الذي يضمن كرامة الطرفين الحاكم والمحكوم، وهو ما ستركّز عليه الحكومة المهدوية القادمة، إذ لا يمكن أن تكون القوة والقسوة والبطش طريقاً لإدارة السلطة والدولة.
كما ورد ذلك في نصّ لسماحة المرجع الشيرازي جاء فيه: (قال الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه كلمته الرائعة: (أتأمروني أن أطلب النصرة بالجور)، فقطعاً يسلك الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف ذلك المنهج، وهو الثمرة الطيّبة لهذه الشجرة المباركة.)
بين الرأفة والحزم
ومما يرد في مؤلَّفات المفكّرين، أنّ الدول الناجحة هي تلك التي اختارت أنظمة سياسية عادلة، تنأى بنفسها عن أساليب البطش والظلم، كذلك يذكر لنا التاريخ في تجارب الحكم والسياسية أنّ أعظم الحكومات عبر الأزمنة والأحقاب المتعدّدة، هي تلك التي تقوم على العدل أولاً، وعلى ركيزة الرحمة واللين في التعاطي مع شؤون أفراد الأمّة ومكوّناتها كافّة، استناداً الى الانتماء الإنساني، حيث كان الجميع في ظلّ حكومة الإمام عليّ صلوات الله عليه، سواسية، من دون تدقيق في الهوية الدينية، وكذلك الحال في حكومة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.
لذا فإنّ الشدّة والعنف والبطش والظلم ستكون أساليب ومفردات غائبة عن حكومة الإمام المهدي عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بل هو قادم أصلاً من أجل نشر العدل والرحمة واللين بين الناس، وهذا ما ينبغي أن يشكّل دافعاً حاسماً لكل حكومة تدّعي الانتساب للإسلام وللرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام، على أن تحقّ الحقّ وتدرأ الباطل، وتنشر العدل بالقسطاط، وترعى حقوق الناس بالتساوي بعيداً عن المحسوبية والمنسوبية والحزبية وشبيهها، وتنأى عن العنف كأسلوب في إدارة الدولة، وتحذف القسوة والشدّة من قاموسها الفكري والعملي.
لذا يذكّرنا سماحة المرجع الشيرازي بالمنهج المهدوي قائلاً: (لا يقيم الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف أساس حكمه على قواعد الشدّة والعنف، وإنّما على العدل واللين والرحمة والحسنى).
وينبغي أن تتعلّم الحكومات الإسلامية والعربية، درساً بليغاً يخصّ أسلوب تعامل الحاكم مع الناس من جهة ومع المسؤولين والموظّفين المعاونين له من جهة أخرى، فهو بالقدر الهادئ المتزن المطلوب منه في التعامل مع الناس، ينبغي أن يتغيّر هذا الأسلوب في تعامله مع موظّفيه ومعاونيه وكل من يتسنّم منصباً حسّاساً في الدولة، فالرحمة هنا ينبغي أن تتحوّل الى حزم ومتابعة ومراقبة ومعاقبة من يتجاوز من المسؤولين والموظفين على حقوق أفراد الأمة.
كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي في كتابه نفسه عن هذا الموضوع تحديداً، إذ يقول سماحته في هذا الشأن: (يكون الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف مع الناس والمساكين رؤوفاً رحيماً، بالقدر نفسه الذي يكون فيه حازماً وحسيباً على عمّاله والمسؤولين).