LOGIN
المقالات
alshirazi.org
ماذا يحتاج المسلمون لكي يتقدّموا؟
رمز 37
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 19 يناير 2012
شبكة النبأ: تمرّ علينا هذه الأيام ذكرى استشهاد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، ولابدّ لنا كمسلمين أن نقف طويلاً عند هذه الذكرى، من أجل استلهام الدروس العظيمة التي خلّفتها لنا شخصية الرسول العظيمة، أفعالاً وأفكاراً، كلّها تستند إلى ما جاء به الوحي الإلهي، من آيات مباركات وضحّت المنهج الحياة الجديد لمجتمع كان يقبع في درك الجاهلية والظلام آنذاك.

التأسّي برسول الله

ومع ذلك تمكّن رسولنا الكريم بأخلاقه العظيمة وأعماله الفذّة أن يعطي النموذج الأمثل للناس جميعاً، فكان اسوة حسنة لمن يبحث عن الهداية والسير في الجادة الصواب، لهذا تقدّم المسلمون في عهد الرسول صلى الله عليه وآله تأثيره الكبير في عموم المجتمع، وتمسّك المجتمع من ناحية اخرى بمنهج الرسول المستمد من القرآن الكريم.

في هذا الصدد يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في إحدى محاضراته القيّمة: (أشير في المناسبة إلى نقطة واحدة أقف عندها قليلاً، وهي قضية التأسّي برسول الله صلّى الله عليه وآله. قال الله تعالى في كتابه الكريم: «لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» -1-. ومعنى هذه الآية بعبارة بسيطة: أن تعلّموا أيها المسلمون من النبي صلّى الله عليه وآله كل شيء في حياتكم، واقتفوا أثره في كل ما كان يفعل في حياته).

ولم تقتصر قضية النموذج على مجموعة دون غيرها، ولا فرد دون غيره، بل هو نموذج يسترشد بسيرته الجميع، تحقيقاً للهدف الأشمل والأعمّ، لهذا لا يمثّل النبي صلى الله عليه وآله، فئة دون غيرها، من المسلمين، بل هو نموذج لكل الإنسانية الباحثة عن الخلاص والسبل الصحيحة في تطوير الحياة قُدُماً، لهذا كانت الدعوة إلى اتخاذ الرسول الاكرم أسوة شاملة، كما يتضح ذلك في تأكيد سماحة المرجع الشيرازي إذ يقول بهذا الخصوص: (إن الآية لم تجعل من النبي صلّى الله عليه وآله أسوة لفئة خاصة، بل قالت «لكم» أي لكل المسلمين، فشملت العالم والكاسب والموظّف والمعلّم والتلميذ ورجل الدولة والمواطن، والرجل والمرأة، والغني والفقير، والمريض والمعافي، والطبيب والمهندس، ومن يقيم المجالس أو يدفع الأموال لإقامتها أو يجمع الأموال لها، أو يشترك فيها متحدثاً أو مستمعاً...).

ضرورة مطالعة تأريخ النبي

إن قضية الاسترشاد بالنموذج تستدعي معرفة واسعة بما يتصف ويتميّز به ذلك النموذج، ولا يصحّ أن نعتمد السماع فقط في هذا المجال، بل لابد أن يطّلع الإنسان بنفسه للتعرّف على شخصية النموذج وقدراته وتطلعاته الإنسانية الهادفة إلى تطوّر الناس في منهج الحياة وميادينها كافّة، لذا يوصي سماحة المرجع الشيرازي بأهمية أن يطّلع الشباب وغيرهم بصورة اكيدة ومباشرة على تأريخ النبي الأكرم في حلقاته المشرقة التي أضاءت واقع وتأريخ المسلمين والإنسانية جمعاء، يقول سماحة المرجع الشيرازي مؤكدا في هذا المجال: (إن وصيّتي للجميع ولاسيما الشباب الأعزّاء أن يطالعوا بأنفسهم تاريخ نبيّهم صلّى الله عليه وآله والكتب في هذا المجال في متناول الجميع، فكتاب - بحار الأنوار- على سبيل المثال موجود في المكتبات، ليطالع الإخوة والأخوات الأعزّاء الأجزاء من الخامس عشر إلى الثاني والعشرين، فكلّها تتحدّث عن حياة وسيرة النبي المصطفى صلّى الله عليه وآله).

لهذا السبب يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في محاضرته أيضاً: (لقد أمرنا الله تعالى في هذه الآية أن نتأسّى برسوله صلّى الله عليه وآله في كل شيءٍ، ووصفه بأنه الأحسن في كلّ شيء، وأنه سبحانه أثنى عليه صلّى الله عليه وآله في آية أخرى ثناءً خاصاً، وذلك في قوله تعإلى: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)-2-.

التأسّي بالجانب الأخلاقي

ويتّفق الجميع على الدور الجوهري والأساسي للأخلاق في بناء الفرد والمجتمع، وما كان للدين أن ينتشر بهذه الصورة ويتغلغل في نفوس الناس لو لا الطراز الأخلاقي العظيم الذي كان يتحلّى به الرسول الكريم صلى الله عليه وآله، لذا جاء في محاضرة سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص، دعوة قوية للتمسّك بالجانب الأخلاقي، إذ يقول سماحته: (لنصمّم على العمل بهذه الآية الكريمة، التي أمرتنا بالتأسّي برسول الله صلّى الله عليه وآله، ولنتّخذ منه صلّى الله عليه وآله أسوةً في حياتنا حقّاً، ولنتأسّ به في جميع الأمور ولاسيما بأخلاقه صلّى الله عليه وآله).

لذلك لا يقتصر الأمر على جانب العبادات مع أهميتها، إذ لابد للجانب العملي أن يحضر ويتحرّك في الوسط البشري استرشاداً بالخلق العظيم، لذلك يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا الصدد: (لقد بُعث رسول الله صلّى الله عليه وآله يبلّغ الناس الإسلام وهو رسالة شاملة لكل شؤون الحياة، ولكنا مع ذلك نسمع أنه صلّى الله عليه وآله قال: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»(4)، ولم يبلغنا أنه قال: إنما بعثت للصلاة أو الصوم والحجّ والخمس وغيرها من التشريعات والعقائد مع أنه صلّى الله عليه وآله هو الذي أتى بها من قبل الله عزّ وجلً. ولئن دلّ هذا على شيء فإنما يدلّ على أهمية الأخلاق في الإسلام؛ فكأنه صلّى الله عليه وآله يقول تتلخّص بعثتي في مكارم الأخلاق وهي الغاية).

وكلنا نتّفق على النجاح العظيم الذي تحقّق للمسلمين في ظل القيادة المتميّزة التي تحقّقت في زمن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله والإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه، لذلك كان منهج حياة المسلمين ابان حكومتهما يسير بالاتجاه الصحيح، ولكن ما أن جاءت الحكومات المستبدّة حتى بدأت رحلة تراجع المسلمين إلى الوراء بسبب تنامي الجانب المادي على حساب الروحي الأخلاقي، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي: (لقد انحسر الإسلام ومنهجه في الحكم والحياة، - بعد الرسول والإمام أمير المؤمنين- ومعه غابت السعادة عن حياة الناس. ورغم مرور أكثر من أربعة عشر قرناً على ذلك التاريخ لم ينعم الناس بعدهما بما نعموا به في ظلّهما. وزاد شقاء الناس يوماً بعد يوم مع ابتعادهم عن الإسلام وترك التأسّي بسيرة رسول الله صلّى الله عليه وآله، حتى عاد ما لا وجود له اليوم هو السعادة، وما متوافر بكثرة هو الشقاء والمشاكل).

كيف يمكن أن نحقّق السعادة

السعادة هي هدف الإنسانية جمعاء، وهناك سبل ووسائل لتحقيقها، فإذا أراد المسلمون الحصول عليها، يجب أن يتمسّكوا باُسوتهم، نبيهم الأكرم صلى الله عليه وآله, فهو النموذج العظيم الذي يمكنهم من خلال التمسّك به أن يتجاوزوا حالات التردّي إلى أجواء النجاح الدائمة، لذا يدعونا سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا المجال: (فلنزد من العمل بالآية والتأسّي بالنبي الكريم، لكي نحقّق السعادة؛ كلٌّ بمستواه ومن موقعه: الأب من موقعه، والأم من موقعها، والأبناء من مواقعهم، والراعي من موقعه، والرعية من موقعها، والرئيس من موقعه والمرؤوس من موقعه، وهكذا الكاسب والموظف والواعظ والمرجع، و... كل من موقعه في المجمتع، عليه أن يتأسّى بالنبي صلّى الله عليه وآله، لتغيير نفسه والمجتمع) .ويضيف سماحته قائلاً: (وإذا لم يكن الفرد قادراً على تغيير العالم فهو قادر على تغيير ذاته. فلنجرّب إذن، ولنحاول، ونبدأ بأنفسنا، في ترسيخ ومضاعفة التأسّي برسول الله صلّى الله عليه وآله، سنحسّ بالسعادة أكثر كلما ازددنا تأسّياً به وقرباً منه صلّى الله عليه وآله).
___________________________
(1) سورة الأحزاب: الآية 21.
(2) سورة القلم: الآية 4.