شبكة النبأ: من الجدير بالاهمية أن نذكّر أولي الأمر من قادتنا السياسيين الذين فازوا قبل أيام في انتخابات مجالس المحافظات في العراق وفي عموم البلاد الإسلامية، بالمنظور الإسلامي للضمان الاجتماعي، ومدى اهتمام الإسلام منذ بواكير الرسالة النبوية بتحقيق هذا الشرط الإنساني، الذي يسعى للحفاظ على كرامة الإنسان، من خلال سدّ احتياجاته كافّة بتخطيط وتنفيذ عادل، يوزّع ثروات البلاد بين الجميع في مساواة وعدالة.
لهذا يصف سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله, الضمان الاجتماعي في الإسلام: بأنه (صبابة الإنسانية في قمّتها، ولذا فإنّ الإسلام حيث ينطلق من زاوية الإنسانية، يصب هذا الضمان بما توافق الإنسانية في أعمق أبعادها الفضيلة، وبتأكيد لم ير التاريخ قبل الإسلام، ولم تسجّل الحضارات بعد الإسلام حتى اليوم ضماناً اجتماعياً بعمق الضمان الإجتماعي في الإسلام). وينص الضمان الاجتماعي في الإسلام على: (إنّ كل من يموت وعليه ديون، فعلى إمام المسلمين أداء ديونه، وكل من يموت وله مال، فالمال كلّه لورثته، ليس لإمام المسلمين منه شيء.. فهل سمعت ضماناً اجتماعياً كهذا، حتى في أعمق الحضارات؟. بالتأكيد، لا).
الضمان الاجتماعي في التشريع
نظراً لأهمية الضمان الاجتماعي في الإسلام ومكانته الكبيرة، لذا وردت في نصوص قرآنية وأحاديث نبوية شريفة وأحاديث لأئمة أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، والسبب لأن حياة الناس وكرامتهم تتعلّق بهذا الشرط الإنساني الهام، ولذلك لابد أن يفهم قادة البلاد الإسلامية مدى أهمية الضمان الاجتماعي للإنسان، ومدى حفظه للكرامة الإنسانية، لهذا وردت فيه نصوص كثيرة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في كتابه القيم الموسوم بـ(السياسة من واقع الإسلام)، حول هذا الموضوع: (في نصوص الشريعة الإسلامية زخم كبير من ذلك، وهو إن دلّ على شيء، فإنّما يدلّ على مدى اهتمام الإسلام بالتأكيد على هذا الجانب الاجتماعي المهم، حيث تكرّر نقل ذلك عن نبيّ الإسلام صلي الله عليه وآله والأئمة من العترة الطاهرة عليهم السلام).
وقد أكّدت النصوص رؤية إسلامية صارمة للضمان الإسلامي لدرجة ان الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله يتبنّى الإنسان ويتكفّله حتى أولى من نفسه هو، وكذلك الأئمة الأطهار، وبهذا تتأكّد أهمية الضمان الاجتماعي من المنظور الإسلامي، إذ نقرأ في هذا المجال ما جاء في كتاب سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (في حديث رسول الله: روى الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام سادس أئمة أهل البيت عليهم السلام عن جدّه رسول الله صلي الله عليه وآله أنّه قال: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، وعليّ عليه السلام أولى به من بعدي». فقيل له: ما معنى ذلك؟. فقال: قول النبي صلي الله عليه وآله: «من ترك دَيناً، أو ضَياعاً فعليّ، ومن ترك مالاً فلورثته».. قال الإمام الصادق عليه السلام بعد نقل هذا الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وآله: «وما كان سبب إسلام عامّة اليهود إلاّ من بعد هذا القول من رسول الله صلي الله عليه وآله وأنّهم آمنوا على أنفسهم وعلى عيالاتهم»).
كذلك يتكفّل الأئمة الأطهار بالديون التي يتركها الأموات وراءهم لأيّ سبب كان، إذ نقرأ في كتاب سماحة المرجع الشيرازي المذكور: (في أحاديث الأئمة الطاهرين عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال: «من مات وترك دَيناً، فعلينا دَينه، وإلينا عياله، ومن مات وترك مالاً، فلورثته»).
واجبات المسؤول العادل
لذلك من واجبات المسؤول العادل أن يضمن حاجات الناس ولا يتركهم في عوز وفقر، وذلك من خلال التوزيع العادل لثروات البلاد، وتشريع القوانين التي تحفظ حقوق الناس، والامتثال لسيرة أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال، إذ نقرأ في كتاب سماحة المرجع الشيرازي نفسه: (عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام قال: ما كان رسول الله صلي الله عليه وآله ينزل من منبره، إلاّ قال: «من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك دَيناً أو ضَياعاً، فعليّ»).
هكذا ينظر الإسلام إلى أهمية القيام بمسؤوليات الضمان تجاه المسلمين والمواطنين كافّة بغض النظر عن طبيعة الانتماء الجغرافي والعرقي بل وحتى الديني، لأن اليهودي يجد حقوقه مضمونة في الدولة الإسلامية، وهكذا يتوجّب على المسؤولين اليوم لاسيما من يؤكّد انتسابه للإسلام ديناً وجوهراً وفكراً ومضموناً ومبادئاً، عليه أن يفهم رؤية الإسلام للضمان الاجتماعي وأن يطبّقها بما يحفظ للناس حقوقهم كافّة.
لذا جاء في كتاب سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (عن أبي عبد الله الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنّه قال: «ومن كان له على رجل مال أخذه ولم ينفقه في إسراف أو في معصية، فعسر عليه أن يقضيه، فعلى من له المال أن ينظره حتى يرزقه الله فيقضيه، وإذا كان الإمام العادل قائماً، فعليه أن يقضي عنه دَينه، لقول رسول الله صلي الله عليه وآله: من ترك مالاً فلورثته، ومن ترك دَيناً أو ضَياعاً، فعليّ وإليّ وعلى الإمام ما ضمنه الرسول صلي الله عليه وآله»..هذا واحد من بنود الضمان الاجتماعي في الإسلام، ويظهر منه عمق الإنسانية في الإسلام، وفي هذا النظام بالذات).
ولكن للأسف أن الذي يحدث على أرض الواقع في الدول الإسلامية يختلف عن المنظور الإسلامي للضمان الاجتماعي، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي: (بالعكس تماماً مما تعمله عدّة من أنظمة العالم اليوم، من جعل الضريبة على الإرث على من مات وترك أموالاً. ولو مات شخص وعليه ديون، فليس على النظام الحاكم من دَينه شيء أبداً، أترى كم يساهم مثل هذه الأنظمة في تشتيت المجتمع وتحطيم الديون بين الأفراد والجماعات، إذ الدائن لا يملك ضماناً لو أعطى ديناً لفقير معدم، لأنّه لو مات فمن الذي سيتكفّل ديونه؟ فمن تراه يقرض المحتاجين والمعوزين؟) ثم يتساءل سماحته: (فهل هناك ضمان اجتماعي كما في الإسلام؟).
وهذا ما يتطلّب من المسؤولين الجدّد الاهتمام بهذا الجانب الحيوي من حياة الناس كافّة, ضماناً لحقوقهم وحمايتهم من العوز والفقر والجهل والمرض.