(ألا يا أهل العالم أنا الإمام القائم .. ألا يا أهل العالم أنّ جدّي الحسين قتلوه عطشاناً .. ألا يا أهل العالم إنّ جدّي الحسين سحقوه عدواناً) (الإرشاد: ج2 – ص384)
موقع الإمام الشيرازي
تبقى ذكرى عاشوراء يوماً للبكاء والحزن والأسى، فلا يوم كيوم أبي عبد الله، فالمصيبة عظيمة والمصاب جلل. فجيعة مروعة ووجيعة وصف الإمام الباقر (عليه السلام) جانباً منها، فقال عن قتل جده الإمام الحسين (عليه السلام): ".. لقد قُتِلَ بالسيف، والسنان، وبالحجارة، وبالخشب، وبالعصا، ولقد أوطأوه الخيلَ بعد ذلك" (تاريخ الطبري ج4 - ص339).
وفي خطبة لها، تحدثت بطلة كربلاء، السيدة زينب (عليها السلام)، عن هول ما وقع في العاشر من محرم/ 61هـ، فقالت: "فسليل خاتم الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، وأمارة محجتكم، ومدرجة حجتكم خذلتم، وله قتلتم؟! ألا ساء ما تزرون، فتعساً ونكساً، فلقد خاب السعي، وتربت الأيدي وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة! ويلكم أتدرون أي كبد لمحمد فريتم وأي دم له سفكتم، وأي كريمة له أصبتم؟ لقد جئتم شيئا إدا، تكاد السماوات يتفطرن منه، وتنشق الأرض، وتخر الجبال هدا، ولقد أتيتم بها خرقاء شوهاء، طلاع الأرض والسماء، أفعجبتم أن قطرت السماء دما؟! ولعذاب الآخرة أخزى" (بحار الأنوار: ج45 – ص165).
وورد في زيارة الناحية المأثورة عن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه): ".. فهويتَ إلى الأرض جريحاً، تطؤك الخيول بحوافرِها، وتعلوك الطغاةُ ببواترِها.." (بحار الأنوار: ج98 – ص322).
وقال الإمام الباقر (عليه السلام): "ولقد قتلوه قتلة نهى رسول الله أن يقتل بها الكلاب، لقد قتل بالسيف، والسنان، وبالحجارة، وبالخشب، وبالعصا ولقد أوطأوه الخيل بعد ذلك" (بحار الأنوار: ج45 – ص91).
بالموازاة، فإن ذكرى عاشوراء، أيضاً، محطة روحية وأخلاقية كبرى، تتجدد فيها الدعوة للاقتداء بأبطال كربلاء، واستلهام معاني التضحية والوفاء والإيمان. كما أنها فرصة متجددة لتعميق الوعي الديني وترسيخ مبادئ العبودية الخالصة لله تعالى، وتعزيز القيم الإنسانية الرفيعة كالإيثار، ونصرة المظلوم، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، وبذل الجهد في خدمة الناس. يقول المرجع الديني المجدد، السيد محمد الحسيني الشيرازي (قدس سره):
"مَنْ يريد الخلاص من الذل والعبودية، ومَنْ يريد العزة والسعادة، فعليه أن يتعلم من مدرسة أبي الأحرار الحسين بن علي (عليه السلام) دروس الشهامة والشجاعة، وسمو النفس، ورفض العبودية، وإصلاح المجتمع وإنقاذ الإنسان، وأخيراً الجهاد في سبيل الله وفي سبيل الإنسانية ضد الظلم والطغيان".
ويقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله): "لم يكن يوم عاشوراء مناسبة للندب والتعزية فحسب، بل كان وما يزال وقفة للتأسي بدروسه والاقتداء بأبطاله، فإن ذكرى عاشوراء فرصة عظيمة لترسيخ مبادئ العبودية لله (عز وجلّ)، وترسيخ قِيَم الإنسانية، والإيثار، وخدمة الآخرين، ومدّ يد العون للفقراء والمحتاجين، والدفاع عن المظلومين".
وهكذا، عاشوراء ليست لحظة بكاء عابرة ولا طقساً يمر في الذاكرة فحسب، بل هي لحظة وعي تتجدد في ضمير الأمة كل عام. إنها نداء دائم لاستنهاض القيم الكبرى التي استشهد من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) كـ الحق، والعدل، والكرامة، والحرية.
أيضاً، ذكرى عاشوراء دعوة مفتوحة للعودة إلى جوهر الدين، تتجلى في كسر سلاسل الفساد والاستعباد، وإغاثة الضعفاء، وخدمة الناس فقد قال رجلٌ لرسول الله (صلى الله عليه وآله): "أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ خَيْرَ النَّاسِ؟" فَقَالَ (صلى الله عليه وآله): "خَيْرَ النَّاسِ مَنْ ينفع الناس؛ فكن نافعاً لهم" (كنز العمال" ج16 - ص128).
فإنما خرج الإمام سيد الشهداء ليقيم ميزان الإصلاح في أمة انحرفت دينياً وسياسياً وإنسانياً عن مسارها. لذلك، فإن إحياء ذكرى كربلاء يبدأ بالشعائر الحسينية، ويكتمل بأن نحيا بالقيم التي استشهد الإمام سيد الشهداء من أجلها، فنقاوم الظلم حيثما كان، ونكافح الفساد الديني والسياسي حيثما كان، ونصون إنسانيتنا، ونحفظ كرامتنا، ولا نفرط بحقوقنا، وأهمها حقنا في وطن رغيد، وحياة كريمة، ومستقبل واعد.