شبكة النبأ: إن شَرْطِّية التكامل في العلاقة بين أهم مخلوقين في الأرض (الرجل/ المرأة)، لا تجيز حصول العكس فيما يؤثَّث حياة هذين الكائنين على مستوى العلاقات الإنسانية، ومن الأمور المفروغِ منها أن مكانة المرأة في الإسلام تتقدَّم بأشواطٍ كبيرة عمّ هي عليه في المجتمعات التي تدّعي التقدّم، ولكن لا يفوتنا القول أن حكوماتنا لم تحفل بالتشريع الوضعي بما يحقق للمرأة الحماية التامة لوجودها واعتبارها، فثمّة من القادة السياسيين من يتحدّث في تصريحاته وأقواله عن حقوق المرأة بألفاظ وبنود جميلة المحتوى، لكن واقع حال المرأة غير ذلك، لدرجة أننا حين نسمع مثل المحتوى الجيد نشعر بالراحة والأمل بتحسين أوضاع المرأة.
ولكن بعد التدقيق بنصوص التشريع الوضعية، لا نجد توافقا بين واقع المرأة وبين ما يعلنه الساسة في هذا المضمار، فالمشكلة أننا نصطدم بالواقع، حيث الفارق الكبير بين الكلام الجميل عن حقوق المرأة وعدم تطبيقه في الواقع، عند ذاك يتحول الكلام إلى نوع من الدعاية المجانية لأن ما نراه ونلمسه في واقع المرأة يحدث وسلب بعض حقوقها، يجعلنا نشك في أهلية التشريعات في هذا الجانب.
والأهم من ذلك ليس التشريعات، وإنما الوضع الفعلي للمرأة في المجتمع، لأننا نلاحظ اختلافا واسعا بين القول الجميل والفعل القبيح بشأن حقوق المرأة، مع أن الصحيح والسليم هو ما يكفله العقل والفكر السليم والمبادئ الإنسانية من مساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، كما ورد ذلك بوضوح في تعاليم الدين الإسلامي، مع أن مضامين القرآن والأحاديث النبوية في هذا الشأن تنصف المرأة وتمنحها المكانة التي تستحقها، قياسا بالحقوق التي يحصل عليها الرجل.
وتبعا لهذا الأمر نلاحظ أنّ سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يؤكّد على: أن (حقوق النساء على الرجال مماثلة لحقوق الرجال على النساء). كما ورد ذلك في كتاب من عبق المرجعية، تأكيدا لرؤية المرجعية الرشيدة في هذا الشأن، مع تركيزها على الأهمية القصوى لحقوق المرأة في المجتمع الإسلامي.
وعندما يتم التدقيق فيما يتم تشريعه، وبين التطبيق الفعلي، فإننا سنشهد بوناً واسعا بين ما يُعلّن عنه، وبين ما يتم تطبيقه عمليا، فالقول الجميل عن حقوق المرأة في الغالب لا يقترن بالفعل، وهذه مشكلة خطيرة ينبغي معالجتها، لكي نضمن واقعا سليما يكفل ويضمن حقوق المرأة من الانتهاك، فما بين الواقع والتصريح الجميل فجوة كبيرة، تُفصِح عن فارق كبير بين المُعلَن والمُطبَّق على الأرض.
كما يركّز سماحة المرجع الشيرازي على ذلك بالقول: إن (تحرير المرأة مثلا كلمة جميلة، ولكن عندما تنبش قلب هذه الكلمة لكي تعرف حقيقتها والواقع الذي تعيشه المرأة المعاصرة في ظلها تكتشف أن فيها تقييد المرأة وإذلالها وليس حريتها كما يزعمون).
إن التشريعات السارية التي تنظّم هذه العلاقة الثنائية، لابد أن تسعى لتثبيت ركن الكرامة الإنسانية في التعامل مع المرأة داخل الأسرة أو خارجها، لاسيما أنها انخرطت في أعمال مختلفة في المجتمع ينبغي أن تناسب قدراتها الفسيولوجية على نحو خاص، علما أن العلاقة بين الرجل والمرأة غالبا ما تكون ذات صيغة تعاونية، متسمة بالاحترام بالتعاون والدعم المتبادل، لأن كلاهما بحاجة للآخر لإدامة مسيرة الحياة على الصعيد الفردي أو الجمعي.
ويرى سماحة المرجع الشيرازي أهمية بالغة في العلاقة التكاملية بين الاثنين حيث يقول سماحته: (مَثَل الرجل والمرأة في الحياة مثل العظم والغضروف في بدن الإنسان).
حتى طبيعة العمل المختلف بين الرجل والمرأة، ينبغي أن لا يعمّق الفوارق بينهما، ذلك أن هذه الطبيعة المختلفة هي التي تقود الى التكامل بين الطرفين، فالأقطاب المتشابهة حتى في العلم أو في الطبيعة تتنافر، أما إذا اختلفت فسوف تصحّ، وحتى الآراء (إذا اختلفتْ صحّتْ) كما في القول المأثور، فمع أن واجبات الرجل تختلف عن المرأة، ولكن هذا لا يمنع التعاون بينهما، بل على العكس إذ يحتّم التعاون بينهما من اجل تحقيق التكامل.
من هنا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي ذلك بقوله: (من الطبيعي أن تختلف واجبات المرأة عن واجبات الرجل، بسبب الاختلاف الموجود في طبيعتهما، فكما تختلف واجبات الغضروف عن العظم في بدن الإنسان، حيث استقامة البدن بالعظم، وحركته بالغضروف، ولو أردت أن تساوي بينهما فمعناه انك شللت البدن).
لهذا فإن التشريع الوضعي ينبغي أن يراعي هذا الشرط التكاملي بين الرجل والمرأة، ولا يصحّ أن يصبح عائقا لهذا التكامل، والأهم هو كيفية تحويل النصوص التشريعية الى التطبيق، والحقيقة أن القوانين وحدها لن تكون قادرة على حماية مكانة المرأة وحقوقها، فهذا الأمر يحتاج الى نشر ثقافة احترام حقوق المرأة على المستوى الاجتماعي ككّل، حتى تصبح هذه القضية ثقافة مجتمعية يؤمن بها الجميع ويحرص على تطبيقها.
الحرص على الدور المناسب للمرأة
وقد لا نأتي بجديد عندما نؤكد على أهمية أن يكون نشاط المرأة مقاربا لمواصفاتها العضلية والجسدية، فليس صحيحا أن نفرض على المرأة أن تنهك نفسها في الأعمال التي تستوجب جهدا عضليا كبيرا، وعندما نستطلع وضع المرأة واقعيا سنجد ما يخالف تعاليم الدين، إذ لم تشهد المرأة الإنصاف المطلوب في ظل الفكر والمساواة كما قام الإسلام بذلك، إذ تشهد جميع الوقائع الفرق الكبير بين واقع المرأة قبل الإسلام وبعده، فنحن اطلعنا على حالات الوأد التي كانت تتعرض لها البنات الوليدات من لدن الآباء القساة في المجتمع الجاهلي!ّ.
وهذه من العادات الوحشية التي أكدت انتهاك حقوق المرأة ومكانتها، وحين جاء الإسلام وحرَّم هذا الفعل تحريما قاطعا، أحدث ذلك تغييرا متكاملا لما كان سائدا من عادات بالية، وهكذا فقد راعى الإسلام المرأة بكل شيء حتى في طبيعة الواجبات الملقاة على عاتقها، وفرّق بين واجبات الرجل والمرأة بسبب الاختلاف بين هذه الكائنين بالقدرات الجسدية العضلية وليست الفكرية أو الاعتبارية.
والمشكلة التي حصلت في هذا الإطار ذلك التبادل العجيب الذي حصل بين واجبات الرجل وواجبات المرأة، فقد تم إجبار المرأة على القيام بوظائف تصلح للرجل حصرا، وتم تحويل الواجبات المناسبة للنساء الى الرجل، وهكذا حدث نوع من الاختلال المتوقّع، مما أساء للعلاقة التكاملية بين الاثنين، وجعلها متناقضة لبعضها بدلا من شرط التكامل، وهذا بالطبع أثّرَ بشكل سلبي على العلاقة الإنسانية والاجتماعية بين الرجل والمرأة، وتحوّل التعاون الى تناقض فأدى ذلك الى ازدياد نسب الطلاق في المجتمع.
كما نلحظ ذلك في قول قول سماحة المرجع: (إن واجبات المرأة أُخِذَت منها وحُوِّلتْ الى واجبات الرجل، وواجبات الرجل أخذت منه وحوِّلت الى المرأة، لذلك حدث شلل في الحياة الأسرية ومشاكل، وبدأ الرجال يزدادون نفورا من زوجاتهم، والنساء يزددن نفورا من أزواجهن، وأخذت نسبة الطلاق تتزايد يوما بعد يوم).
لهذا ينبغي أن يتنّبه المسلمون الى هذا الواقع غير السليم، ومن المستحسَن أن يتعاملوا وفق ما أراده الله تعالى للمرأة، حتى تبقى كرامتها مُصانة، ومكانتها محفوظة، مع أهمية استمرارية دورها المجتمعي، ولكن شرط أن تكون علاقة الرجل بالمرأة تكاملية وليس العكس.