شبكة النبأ: (مَنْ امتنع عن الحق سيدفع ضعفه في الباطل) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
الرزايا هي المصائب التي قد تطول الإنسان لسبب ما، ومفردها الرزيّة، وهي ما يصيب الإنسان من سوء يحلّ به بسبب أعماله غير الصحيحة، أما الحق في اللغة: فهو الثابت الذي لا يسوّغ إنكاره، وفي اصطلاح أهل المعاني هو الحكم المطابق للواقع، ويطلق على الأقوال والعقائد والأديان والمذاهب، باعتبار اشتمالها على ذلك، ويقابلُه الباطل.
السؤال المهم هنا لماذا الإنسان الذي يخذل الحق تُصيبه الرزايا، وتحلّ به المصائب، والجواب المباشر الذي يمكن أن نضعه هنا، هو كل عمل منبعه الشر هو مخالف للخير، وكل عمل مخالف للخير يناهض الحق، وكل عمل يقارع الحق سوف يصطف إلى جانب الباطل، وكل عمل أو قول باطل سوف يجلب الرزايا والمصائب وحتى الكوارث على أصحابه.
لهذا فإن كل إنسان عليه حق، يجب أن يبادر بقضائه، ويلزم نفسه بذلك، حتى لا يتحول الامتناع عن الحق إلى أعمال باطلة، وبالتالي فإن النتيجة تكون العقاب وليس الثواب، وهذه النصيحة تشمل الجميع سواء كان غنيا أو فقيرا، قويا أو ضعيفا، كبيرا أو صغيرا، رجلا أو امرأة، لا أحد مُستثنى من هذه القاعدة التي تشمل الكل.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في إحدى كلماته التوجيهية القيّمة:
(إن كل إنسان، سواء كان رجلاً أو امرأة، وغنيّاً أو فقيراً، وعالماً أو جاهلاً، إذا كان عليه حق من مال أو من حقوق أخرى، مثل الحقّ الذي على بدنه، وعينيه، وإذنيه، ولسانه، ومن ذلك، ولم يؤدّ هذا الحقّ، أو منع عنه، فسيبتلى بأن يدفع ضعف ذلك في باطل).
من أصناف الحق كما هو معروف، كلام الحق، أو توظيف اللسان في قول الحق، ومن هذه الأقوال ما يصب باتجاه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لهذا على الإنسان أن يستفيد من لسانه، باعتباره هو المتحكّم به وليس العكس، في عملية الانتصار للحق بكل فروعه، وعدم السماح للسانه بأن يصطف إلى جانب الباطل حتى لو كانت الضغوط المادية والمعنوية كبيرة عليه، فاللسان مهمته إطلاق الكلمة، والكلمة سلاح الحق.
الموقف أيضا سلاح الحق، لكن الكلام إذا التزم بالمعروف، صار إلى جانب الحق، وأنقذ صاحبه من تبعات الانحياز إلى الباطل، لاسيما إذا عرف أن العاقبة التي تنتظره صعبة، فالحساب في يوم القيامة لا مجال للتخلص منه، لأنك هناك لا يمكنك القيام بالعمل الصالح حتى تنقذ نفسك من المساوئ التي ارتكبتها في الدنيا.
صرْفُ الّلسان في الحق
لهذا من القضايا الواجبة على الإنسان أن يستثمر وجوده في الدنيا الآن، وأن يبذل قصارى جهده في القيام بأعمال الخير، حتى تكون رصيده يوم لا رصيد له سوى أعماله في دعم الحق وردع الباطل، وعدم الاصطفاف إلى جانبه بالضد من الحق أو خذلان الحق.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(أوجب الله على الإنسان الذي عليه وبذمّته حقّ، أن يستفيد من لسانه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا منع هذا الحقّ الواجب عليه في لسانه، سيبتلى في يوم من الأيام بأن يصرف هذا اللسان في باطل، أكثر مما يصرفه في حقّ).
ومن الأمور المعروفة، والتي يجب أن لا يجهلها الإنسان، أنه إذا استعمل لسانه في الأمر بالمعروف ودعم أعمال وأقوال الخير، فإن الثواب المتكافئ مع هذا العمل سوف يكون مضموما له في آخرته، عندما يحين وقت الحساب، ويحلّ يوم القيامة، في تلك اللحظات العصيبة، سوف يجد الإنسان إن أعماله الصالحة في القول والفعل قد أفادته وخلّصته من عذاب لا ريب في حدوثه، لمن عصى الله تعالى وآزر الشر والباطل.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، أكد على هذا الجانب فقال:
(إذا كان الإنسان قد صرف لسانه في حقّ، أي أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، سيكون له درجة وأجراً. وأما إذا منع هذا الحقّ سيبتلى بأن يصرف ذلك في باطل، أكثر، ولا يكون له فيه أجر، بل يستحقّ العقاب).
إن الأب والأم هما النموذج الأقرب لأطفالهما، وهؤلاء الأطفال أمانة عندهما، وأول الأشخاص الذين يراهم الطفل هما الأب والأم، ويرى أعمالهما ويسمع كلامهما، ويتعلم منهما، فإذا كانا صالحيْن خرج صالحا في هذا الدنيا، وإذا كانا عكس ذلك، فإن الأبناء سوف يتعلمون ويتأثرون بأعمال وأقوال الأبويْن، خصوصا في الجانب العملي.
لهذا يجب أن يحرص الأب والأم كل الحرص على تطبيق العمل الجيد أمام أطفالهما، لأن العمل يفيدهم أكثر من القول، وأن الأطفال يتأثرون بالأعمال أقوى وأسرع من الأقوال، لذلك على الأبويْن أن يلتزما بالعمل الصالح أمام أبنائهم، لماذا؟، لأنهم سوف يتعلمون من هذه التجربة العملية التي يعيشونها بأنفسهم مع أبوهم ومع أمهم.
وكما قلنا فإن الدرس العملي يكون مستساغا ومقبولا من الأبناء أسرع وأفضل من الأقوال، والسبب أن عمل الأب أو عمل الأم أمام الأطفال هو التجربة العملية والتطبيق العملي للأعمال الصالحة التي تساعد الأطفال على تطبيق العمل الصحيح في حياتهم، فيتعلمون ذلك، وتتشكل شخصيتهم على عمل الخير ومناصرة الحق، وبالتالي تجنب رزايا الباطل.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) في قوله:
(كل إنسان، خصوصاً الأب والأم، بالنسبة إلى أولادهما، عليهما أن يجسّدوا الدين بأعمالهم، وأن يلتزموا بما يجب عليهما عملاً، فإذا التزما، فهذا هو التبليغ العملي، وسيكون تأثيره أقوى من التبليغ القولي، في الأولاد، وبالنسبة لغير أولادهما أيضاً).
قطف ثمار الأعمال الجيدة
لابد أن نفهم مسبقا ونؤمن بذلك، حين يقوم الإنسان بالانتصار للحق فإنه يجب أن يفهم بقضية واضحة لا تقبل التشكيك، وهي ذات منحيين، المنحى الأول أن من يقوم بالعمل الصحيح يحصل على النتائج الصحيحة والجيدة في حياته، أي أنه يقطف ثمار أعماله الصحيحة وهو على قيد الحياة.
ليس هذا فحسب، فالعمل الجيد يعبر بالإنسان من الدار الأولى إلى الدار الأخرى بثقة ونجاح، أي أنه يذهب إلى دار البقاء من دار الفناء وهو مطمئن إلى أن ثوابه وعاقبته الحسنة بانتظاره، لهذا فإن العمل الدنيوي الصالح لا يُفنى بانتقال الإنسان إلى العالم الآخر، بل سوف يجد مواقفه الصحيحة وأعماله الصالحة بانتظاره وسوف يُثاب عليها قطعا.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(لذا يجب على الجميع أن يستفيدوا من أيام الحياة الدنيا، ويلتفتوا إلى ما جعله الله عليهم من الواجبات في أبدانهم، وفي أموالهم، وفي طاقاتهم، وفي تصرّفاتهم، ولا يمنعوها، حتى لا يذهب أجرهم، ولا يستبدل بمكان ذلك الأجر، استحقاق العقاب، ويصرفوا الأكثر من ذلك في الباطل).
من المهم جدا أن يتنبّه الإنسان إلى قضية الانتصار للحق، وأن الفرصة الآن سانحة له، وأن فقدانها لا يفيده بشيء، لأن التعويض عن خسارة اليوم يكون مستحيلا في الآخرة، لذا يجب أن يبذل الجميع بكل ما في وسعهم للاستفادة من إمكاناتهم ومواهبهم وطاقاتهم ومواردهم، لكي ينتصروا للحق ولا يخذلوه.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(لنحاول جميعاً، في كل وقت، بصرف طاقاتنا وإمكاناتنا، وعلمنا، وفهمنا، وعقلنا في الحقّ والخير، ولا نمنع ذلك، وإلاّ يسلب منّا، ونبتلى بصرف مثليْه).
في الآخر فإن الرزايا لا يصنعها الخير، ولن تكون من نتائج الحق، وإنما هي من نتائج الباطل، لهذا يحتاج الفرد أن يكون على حق في مواقفه وأعماله وأقواله، لأنه في هذه الحالة لا يخذل الحق، وبالتالي يردع الباطل ويتجنّبه، ولا يقترب منه، بل ينبذه، والإنسان إذا اعتمد منهج الانتصار للحق، ضمن نجاته في حياته الآن، وفي آخرته التي تضمن له الثواب الذي يليق بالإنسان الذي ينصر الحق ويخذل الباطل.