شبكة النبأ: الدكتاتورية تعني الخنوع لصاحب السلطة، لأنه وصل إليها بقوة السلاح، أما السلطة الحاصلة على الشرعية بالانتخابات عبر صناديق الاقتراع، فإنا عبارة عن مؤسسات تتخصص في إدارة البلاد، ولا يمكنها فرض سلطتها أو سطوتها، لا على الفرد ولا على الشعب، لأن الأخير هو مصدر جميع السلطات، وتأسيسا على ذلك لا يمكن للسلطة أن تعتدي على المواطن، لأن الأخير يتيح له النظام المنتخَب مقاضاة أعلى مسؤول بالدولة في حال تجاوز على حقوقه.
تتحقق هذه المكتسبات الحقوقية للمجتمع العراقي فيما لو كانت الانتخابات نزيهة ومحاطة بأجواء الحرية وتضمن مستقبلا زاهرا له، لأنها في هذه الحالة، سوف تكون ناتج فعلي لرأي الشعب واختياراته، وبهذا يكون المجتمع في حدود الدولة الواحدة هو مانح الشرعية للحكومة، إلا في حال كانت الانتخابات غير نزيهة ومعرضة للتزوير، أو أنها شكلية يقيمها الدكتاتور بنفسه ويشرف عليها بحيث تكون النتائج موضوعة مسبقا، لهذا يتم التركيز على أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة إذا أريد لها أن تمثل صوت الشعب بصورة دقيقة.
يركّز سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، على هذه الخاصية التي تنتهي بالجميع إلى انتخابات ناجحة، حيث يقول سماحته في الكتاب الموسوم بـ (إضاءات مرجعية):
(يجب أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة).
ولهذا توجد مقومات محددة، يجب على الحكومة أن تتميز بها وتستند إليها، حتى تحصل على موافقة الشعب وتأييده لها، باعتباره المصدر الوحيد لها، أما المقومات التي ينبغي أن تتوافر عليها الحكومة لكي تحصل على قبول الشعب والمنظمات الحقوقية وعموم العالم، فهي محددة، وأول هذه المقومات الداعمة لحقيقة ونجاح الانتخابات أن تجري في أجواء المنافسة الحرة بين المرشَّحين، وأن تكون منزّهة من كل ما يشوب الاقتراع غير النزيه، كالتزوير، والإكراه، والابتزاز، والترغيب عبر وعود غير صحيحة، فضلا عن بعض الأساليب غير القانونية.
كذلك هنالك مقوّم مهم آخر هو عدم السماح للقوة الأجنبية أن تتدخل في حيثيات ونتائج هذه الانتخابات، فلا يجوز السماح لدولة إقليمية أو دولة احتلال أن تتدخل في إجراء الانتخابات تحت أي مبرر كان، مع أهمية توافر المقومات الأخرى التي تؤدي بالنتيجة إلى انتخابات تثبت نتائجها أنها جرت وفق معايير الاقتراع السليم، أما إذا حدث العكس، وانتفت المقومات الصحيحة للانتخاب، فإن النتائج المرتجاة سوف تكون مستحيلة التحقق، فالمقومات الداعمة للانتخابات هي وحدها من تسهم في نتائج دقيقة تعبر عن التمثيل الدقيق لإرادة الشعب.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب: (إن الحكومة يجب أن تتوفر فيها عدة مقومات حتى تكون مرضية منها: أن يختارها الشعب عبر انتخابات حرة ونزيهة وبعيدة عن الضغوط الأجنبية ـ سواء من قوات الاحتلال أم الدول الإقليمية أم غيرها).
كيفية صياغة قانون الانتخابات
وبعد أن أيقنّا تمام اليقين بأن الحكومة المنتخَبة من الشعب، أفضل بكثير من الحكومة الدكتاتورية التي تسلّقت إلى السلطة بقوة السلاح، علينا أن نصل إلى انتخابات حرة نزيهة قادرة على ضمان مستقبل أفضل للعراقيين، ولكن في ظل تصارع الإرادات الحزبية وسواها، مع الأخذ بالاعتبار حداثة التجربة في العراق، فإن إنجاز الانتخابات الحرة يغدو أمرا شبه مستحيل، إلا في حالة تنظيمها وفق قانون خاص بها، على أن تتم كتابته بما يتواءهم وطبيعة المجتمع وثقافته ودينه وعاداته وإرثه العقائدي وما شابه من جوانب ينبغي الركون إليها ومعرفتها وأخذها في الاعتبار عند صياغة القانون الذي ينظّم إجراء الانتخابات.
ولا ينبغي أن يحمل هذا القانون في طياته وبنوده وفقراته أي خلل يمكن أن يتسلل منه الخطأ الجسيم لتغدو الانتخابات غير ذات جدوى للشعب، فمثلا إذا صُغنا قانون انتخابات يحتوي على فقرات ومضامين تؤدي إلى ضياع حقوق الناس، في شأن حرية الانتخاب وما شابه، فإن هذا القانون سوف يكون سببا في إفشال الانتخابات، وربما يجعل منها انتخابات شكلية، أو محسومة النتائج مسبقا وتؤدي إلى تضييع حقوق الكثير من المواطنين، وهذا يعني أننا فقدنا نزاهة الانتخابات وصدقها، وقد لا تختلف كثيرا عن الانتخابات في ظل الأنظمة الفردية الشمولية، لذلك ينبغي أن تحرص الطبقة السياسية على تأكيد الفارق الكبير بين إجراء الانتخاب في ظل الدكتاتورية، وإجرائها في الأجواء النزيهة والحرة.
يقول سماحة المرجع الشيرازي:
(نحذر من أن يُصاغ قانون الانتخابات بشكل يضيّع حقوق كثير من المواطنين).
ولهذا دعا سماحة المرجع الشيرازي إلى أن تكون صياغة قانون الانتخابات تحت أمرة المختصين من قانونيين حقوقيين وساسة لهم تجاربهم الكبيرة وباعهم الطويل في إحقاق الحقوق وإضفاء النزاهة على إجراءات الاقتراع، فالمهم في هذا الأمر هو تأمين مصلحة الشعب، لذلك ينبغي أن تجري تحت إشراف عادل لممثلين يمثلون جميع فئات وشرائح الشعب.
كما يؤكد ذلك سماحة المرجع الشيرازي في قوله:
(ندعو الأخصائيين في القانون إلى تقديم أطروحاتهم حتى تقام الانتخابات بشكل يؤمّن مصلحة الشعب، ويجب أن تجرى الانتخابات بإشراف ممثلين لكل الشعب بمختلف فئاته).
من المهم استشارة الثقاة
وهكذا تبحث الشعوب المتطلعة للحرية ومنها العراق، عن تشريعات منصفة لها، على أن يقوم بهذه المهمة مجلس نواب تنجزه انتخابات واقعية كما يصفها سماحة المرجع الشيرازي، وتوصيف الواقعية يشمل عدم التزوير، والتمثيل النسبي الحقيقي للشعب، والالتزام بضوابط الانتخابات من قبل المرشحين، أما نتيجة مثل هذه الإجراءات وهذا الالتزام فسوف يتمثل بتشكيل مجلس منتخَب يكون قادرا على انجاز مهمته بصورة دقيقة ويشرع في بناء مستقبل مضمون، ولا بأس في أتتم استشارة الثقاة من أهل الاختصاص في سن التشريعات التي تناسب مجتمعنا وتأخذ بنظر الاعتبار ديننا وإرثنا وثقافتنا.
فمن المهم جدا أن تأتي التشريعات عبر المجلس المنتخَب متوافقة مع الإسلام ولا يصح أن تتعارض معه، لأننا مجتمع مسلم له ثقافته وقيمه التي تسعى لسعادة الناس والحفاظ على حقوقهم وحرياتهم، وتمنحهم الهوية والخصوصية التي تجعلهم يعتزون بدينهم وثقافتهم وقيمهم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع:
لابد (أن يكون التشريع عبر مجلس منتخب بانتخابات واقعية وباستشارة الثقاة من أهل الاختصاص، شرط أن لا يتعارض أي قانون مع الإسلام).
وجلّ ما يطمح له الفرد والمجتمع العراقي، أن لا يتعرض للظلم أو الجور أو الإهمال، في حال عدم إنصاف الأكثرية، أو غمط حقوق الأقلية، فالمعيار الأساس لنجاح أية انتخابات، وأي قانون تنظيمي، وأية إدارة ناجحة، هو أن يحصل الجميع على حقوقهم بما يستحقونه فعلا وفقا لنسبتهم كأكثرية أو أقلية، وليس تزويرا أو تجاوزا أو أية أساليب أخرى قد تحرف نتائج الانتخابات وتشوه نتائجها التي يفترَض أن تكون صادقة متطابقة مع الواقع الفعلي، حتى يتم ضمان المستقبل المنشود، ولا ينبغي أن تنتقص الأقلية من حقوق الأكثرية لأي سبب كان، ولا يجوز العكس أيضا، هذه الشروط هي التي تمنح أية انتخابات نجاحها وجدّيتها وتطابقها الفعلي مع الأرقام والجوانب الواقعية.
لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي:
لابد من (عدم هضم حقوق أية مجموعة من الشعب، وإعطاء الأكثرية حقوقها كاملة غير منقوصة، وكذلك إعطاء الأقليات حقوقها، قال الله تعالى: لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ).