LOGIN
المقالات
alshirazi.org
نبذ الغضب: مفتاح السعادة في الدارين
رمز 352
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 16 فبراير 2017
شبكة النبأ: قد يكون عصرنا الحالي من أكثر العصور الضاغطة شعورياً على الإنسان، بسبب حالات التعقيد التي وسمت طبيعة الحياة التي نعيشها اليوم، فالغضب هو نوع من أنواع الانفعال، وقيل هو تغيّر يحصل للإنسان عند غليان دم القلب؛ ويشمل التأثير الجسدي للغضب زيادة في معدّل ضربات القلب وضغط الدم، ومستويات الأدرينالين والنورادرينالين. بعضهم وضّح الغضب كجزء من شجار أو حركة استجابة سريعة من المخّ لتهديد محتمل لوقوع الضّرر. ويصبح الغضب الشعور السائد سلوكياً، وذهنياً، وفسيولوجياً عندما يأخذ الشخص الاختيار الواعي لاتّخاذ إجراءات على الفور من شأنها وقف سلوك التهديد من قوّة أخرى خارجية.
ويمكن العثور على التعبير الخارجي عن الغضب في تعبيرات الوجه، ولغة الجسد، والاستجابات الفسيولوجية، وأحياناً في الأفعال العامّة من الاعتداء. فالبشر وحتى الحيوانات غير البشرية على سبيل المثال تقوم بأصوات عالية، في محاولة لجعل شكلها الخارجي أكبر، فتكشف عن أسنانها، وتحدق بأعينها بتركيز شديد، لكي تظهر غضبها على الآخر. ويصف علماء النفس الحديث الغضب بأنه إحساس أولى، ويمكن أن يكون الغضب غير المتحكّم فيه مؤثّراً على الصلاح النفسي والاجتماعي.
إذاً نحن إزاء عالم غير بسيط، فأثناء مسيرة الإنسان اليومية الشاقّة في بحثه عن الرزق، قد يصطدم هنا أو هناك بمن يمنعه أو يضايقه أو يقف حجر عثرة في طريقة، ولكل إنسان طموحات وعلاقات وأهداف كثيرة يخطّط للوصول إليها، وبسبب تضارب النوايا والمخطّطات يمكن أن تتعارض الإرادات، هنا يحدث ما يسمّى بالتصادم بين الأهداف، ما يدفع إلى حدوث تضارب بين الأشخاص أو الجماعات وحتى الدول، ليحدث الغضب الذي قد يحرق في لحظة كل شيء إذا غابت الحكمة وتخلّى العقل عن دوره الصحيح.
وغالباً ما تكون نتائج الغضب كبيرة ومؤذية وبعضها مدمّرة، وفي جميع الأحوال لا أحد يستفيد من الغضب في أيّ حال من الأحوال، لذلك هنالك تحذيرات قويّة ومتتابعة من المساوئ التي يمكن أن تتبع حالة الغضب.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول عن الغضب في كلمة توجيهية قيمة: (إنّ لنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، مواعظ كثيرة ونصائح كثيرة. ولم يك رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكرّر الوصايا. ولكنه صلى الله عليه وآله كرّر مورد إحدى مواعظه ثلاث مرّات، وذلك لأهمّيته. وهذا المورد هو أنه صلى الله عليه وآله، قال: لا تغضب، لا تغضب، لا تغضب).
ثم يدعونا سماحته قائلاً: (فليصمّم كل واحد منكم، وكل واحدة منكنّ، ومن الآن، على العمل بهذه الموعظة من نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله.. (وهي- نبذ الغضب-)، حتى تنالوا السعادة في الدارين).
لاتَ ساعة مندم
في قصّة لأحد المزارعين الذين نعرفهم بشكل شخصي، ذات يوم حدثت بينه وبين مزارع آخر حول الحصّة المائية وتوقيتها، وحدثت بينهما مشادات متتالية، لم تنفع في وقفها المناشدات والنصائح، فاستمر الاثنان بالتشاحن والتجاوز أحدهما على الآخر، إلى أن غرّر الشيطان بأحدهما بعد أن بلغ به الغضب مبلغاً، فذهب ذات يوم إلى أرضه، لتحدث مشادّة جديدة لم تتوقّف عند حدود الكلمات، وإنما ضاعف منها الغضب فاستخدم أحدهما الرصاص ليردي الآخر قتيلاً، وبعد أن انطفأت موجة الغضب وعى مبلغ الخطأ الذي ارتكبه وكم حاول أن يخفي معالم الجريمة لأنها جرت فجراً ومن دون شهود، لكنه بالنتيجة أودع بالسجن وحُكِم عليه بالمؤبّد، وفي زيارتي له أثناء وجوده في السجن سألته: هل تستحقّ شتلات القمح أن تقتلَ من أجلها إنسانا؟. فأجاب بالحرف الواحد:
(لو كنت أعرف مصيري هذا، لن أقتل الرجل حتى لو تحوّلت سنابل القمح كلها إلى ذهب، اللعنة على الغضب الذي أعمى بصيرتي وشلَّ عقلي وتفكيري).
لهذا يدعو سماحة المرجع الشيرازي إلى عدم الانصياع للغضب حتى لو حاول الطرف الآخر أن يجرّنا إليه، كما نقرأ ذلك في هذا القول: (إنْ تعاملَ الآخرون معكم بغضب فأنتم اتركوا الغضب واجتنبوه. فهذا مفتاح السعادة في الدنيا وفي الآخرة، الذي أكّد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله في موعظته ثلاث مرّات).
ومشكلة الغضب أنه لا يستثني أحداً، فحتى ذويك وأهلك وأقاربك وأصدقاؤك يمكن أن يتعرّضوا إلى ظلمك بسبب غضبك، لهذا ينبغي أن يحاذر الإنسان من سيطرة الغضب عليه في تعامله مع أهله وذويه في البيت أو العمل أو السوق أو الجار، وفي أي مكان كان، لأن النتائج غالباً ما تكون مأساوية على جميع الأطراف.
من هنا يدعو سماحة المرجع الشيرازي إلى محاصرة الغضب بقوة وإبعاده عن سلوكنا بصورة تامّة، كما نلاحظ ذلك في قول سماحته: (صمّموا على أن تكون حياتكم في البيت خالية من الغضب. وصمّموا على اجتناب الغضب في العمل والتجارة والسوق. وصمّموا على العيش مع الجيران بترك الغضب. وعيشوا مع أرحامكم بلا غضب).
فوائد جمّة لنبذ حالات الغضب
لعلّه من أسوأ ما ينتج عن الغضب، ارتكاب الفعل الخاطئ الذي لا تقرّه التعاليم الدينية ولا السنّة النبويّة ولا أقوال وسلوكيات أئمة أهل البيت عليهم السلام، فالغضب يجعل الإنسان غير واعي بما يرتكب من أفعال، فضلاً عن النتائج المادية والمعنوية التي يلحقها بالطرف الآخر بسبب فورة الغضب التي قد تكون عاصفة أحياناً.
ونتيجة لهذا يمكن أن يتعرّض الإنسان إلى أشدّ مواقف الحساب، يوم لا يوجد عمل إلاّ الحساب، ففي الآخرة لا توجد فرصة لتصحيح الأخطاء، حتى أولئك الذين يطلبون من الله تعإلى منحهم فرصة العودة إلى الدنيا كي يصحّحوا أخطاءهم بحقّ الناس وأنفسهم، لا يمكن لهم الحصول على هذه الفرصة، لهذا سوف تمتلئ صحائفهم بما لا يحمدُ عقباه.
أما الآن فثمّة فرصة بل فرص كثيرة متاحة للإنسان كي يتخلّص من نتائج الغضب، فمجرّد السيطرة على النفس والعقل والأعصاب، وضبط اللسان، يمكن للإنسان أن يطفئ لهيب الصراع، فالحكمة والتحمّل والصمت والابتعاد عن إثارة الآخر أو مواجهته بالأسلوب ذاته، سوف يؤدّي إلى الصلح والتراضي.
يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الأمر: (أما إذا لم تتركوا الغضب، فستكونون حيارى في يوم القيامة وبلا جواب، تجاه ما سترونه في صحيفة أعمالكم التي تملأ بما لا يحمد عقباه من تبعات ونتائج الغضب).
نعم قد يبدو من الصعب السيطرة على النفس في لحظات الغضب، خاصّة إذا كان الطرف الآخر غير منضبط، أو أنه يتفوّه بألفاظ خارجة عن المألوف، أو أنه يوغل في إذلال الآخر وما شابه، فهذه حالات صعبة قد تصبح معها السيطرة على النفس أمراً عسيراً أو مستحيلاً، ولكن في جميع الحالات، ومهما كانت الأسباب التي تسعى لإثارة الغضب، فإنّ الأصحّ والأسلم أن يضع الإنسان الحكيم كل هذه المسبّبات خلف ظهره، ويتمسّك بالهدوء والحكمة.
لذلك يتّسم الشجعان برباطة الجأش وضبط النفس في أصعب المواقف، ويتّصفون بالحلم، وسعة البال والرحمة والقدرة على العفو، هؤلاء قادرون على إطفاء حالة الغضب في أعماقهم، فيقطفون ثمار ذلك في حياتهم وبعد مماتهم.
لذا ثمّة أهمية قصوى لنبذ الغضب، فيدعونا سماحة المرجع الشيرازي إلى أن نتعلّم ونتدرّب ونعوّد أنفسنا على درء الغضب ومسبّباته ونصمّم على إلحاق الهزيمة بالغضب، ونتمسّك بالشجاعة والأخلاق الرفيعة والرحمة، كما في قول سماحته: (بلى هذا العمل هو أمر صعب، ولكنه ممكن، وذو أهميّة. فصمّموا على ترك الغضب، ولا تتقاعسوا عن هذا التصميم).