LOGIN
المقالات
alshirazi.org
مقارعة الطغيان في المنهج النبوي
رمز 118
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 14 فبراير 2013
شبكة النبأ: ثمة معادلة لا تقبل الخطأ، نصُّها يقول: كلما ابتعد الإنسان عن العنف والطغيان كلما اقترب أكثر من التمدّن والحضارة، والعكس يصحً تماماً.

وعندما نطالع التأريخ الأمين سنكتشف من دون أدنى شكّ أن النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله, وُلد ونشأ وترعرع في مجتمع تسوده الكثير من بوادر الظلم والقسوة, وضياع القيم المعايير التي تحدّ من مظاهر العنف، حيث أسلوب الغزوات والنهب والسلب والسبي، والاستعباد وما شابه، كانت أساليب سائدة تطبع حياة المجتمع البدوي الذي ترعرع فيه النبيّ محمّد صلّى الله عليه وآله.

من هنا تكمن القدرة النبويّة الفريدة في تنظيم حياة هذا المجتمع العنيف، وترسيخ قيم العدل، وإنصاف الضعيف والفقير، وكبح جماح الغني والقوي المتغطرس، حدث كل هذا ليس بأسلوب العنف والعنف المضاد, ولا بأسلوب القوّة والبطش.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله, في إحدى كلماته القيمة الموجَّهة إلى عموم المسلمين: (إنّ لين النبيّ صلى الله عليه وآله في تعامله أيام حكومته, هي من معاجزه الكبرى. والقرآن يقول: (لقد كان لكم في رسول الله اُسوة حسنة). وهذا خطاب موجّه للبشرية كافّة وليس للمسلمين فقط، وبالأخصّ للحكّام. وكذلك قال الإمام أمير المؤمنين: فتأسّى متأسّ بنبيّه).

التسامح في المنهج النبويّ
لقد شذَّب قائد الدولة الإسلامية الوليدة النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله، جميع القيم البدوية التي كانت تعصف بالمجتمع، وجاءت تعاليم الإسلام لتؤكّد للجميع أن جميع البشر سواسية، وأن الجنوح إلى السلم هو الذي يتقدّم جميع السلوكيات الأخرى، كما أن أسلوب اللين والعفو والتسامح والتصحيح والتكافل والتعاون هو الأسلوب الفريد الذي استخدمه النبيّ صلى الله عليه وآله لكي يصلح حال المجتمع، وينقله من ظلام العنف والبطش والقوة العمياء، إلى ضياء الرحمة والتسامح والتكافل والإيمان.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (إنّ تاريخ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، الذي نقله أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، هو تاريخ فريد. وإنّ أسلوب النبيّ صلى الله عليه وآله، أي قوله وعمله، هو أسلوب فريد أيضاً. وإنّ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، هو القمّة في كل الأبعاد الفضيلة, وهو أنجح إنسان في التاريخ، بلا استثناء، ومن بعده مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه هو الأنجح في التاريخ أيضاً، لأنه اتّبع النبيّ صلى الله عليه وآله). ويضيف سماحته قائلاً: إن (النبيّ صلى الله عليه وآله، مع غض النظر عن عصمته التي نعتقد نحن بواقعيتها، لا يمكن أن تنسب إليه صلى الله عليه وآله حتى حالة واحدة من الطغيان ولو قيد شعرة، وذلك لأنه كان كما وصفه القرآن الكريم: فبما رحمة من الله لنت لهم).

وقد طبع منهج العقل والأخلاق جميع القرارات التي تتعلّق بقيادة الدولة الإسلامية، حتى في التفاصيل الصغيرة للحياة آنذاك، كذلك كانت الأخلاق والقيم النبويّة الشريفة تتقدّم جميع السلوكيات الحكومية التي تدير شؤون الدولة الإسلامية، لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي في كلمته هذه على أن: (تعامل النبيّ صلى الله عليه وآله يدلّ على العقل الكبير للنبيّ صلى الله عليه وآله. وهذه هي أخلاق النبيّ صلى الله عليه وآله، أي الأخلاق ثم الحكومة. وليس كما يقال: الحكومة ثم الأخلاق، أو الحكومة مطلقاً وبلا أخلاق. فنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله جعل الأخلاق أساس الحكومة). ويضيف سماحته قائلاً: (انظروا إلى التاريخ وإلى دنيا اليوم، هل تجدون، ولو حاكماً واحداً، يتعرّض لمحاولة اغتيال ويقوم بالعفو عن صاحب المحاولة؟).

التوافق مع المنهج النبويّ
لذلك فإن أيّ قول أو سلوك أو منهج لا يتوافق مع المنهج النبويّ لابدّ أن يقود مصدره إلى المسار الخاطئ، من هنا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على أن: (إنّ كل قول وتصرّف وعمل يخالف قول وعمل النبيّ صلى الله عليه وآله، فهو المدان).

ولذلك طالما كانت قرارات وأفعال قادة المسلمين بعيدة عن المنهج النبويّ القائم على مقارعة الطغيان والغطرسة والعنف، فإن الأخطاء السياسية سوف تجعل من هذه الدول والحكومات في حالة تناحر وتقاطع مع منهج الحياة الصحيح، من هنا نلاحظ حالة التشرذم التي تصيب الآن أمة المسلمين، مع أنهم يشكلون نسبة عالية من سكان العالم، فنجدهم دونما وحدة حتى في الرأي أو الموقف أو الكلمة، السبب كما هو واضح ابتعادهم عن المنهج النبويّ.

لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمته نفسها: (أنا شخصياً ومنذ خمسين سنة أسمع بالوحدة الإسلامية وإلى يومنا هذا. ولكن لماذا لم تتحقّق ولم تتقدّم حتى خطوة واحدة؟). والملاحظ أيضاً أن هناك إيغالاً من لدن القيادات الحكومية للدول الإسلامية على عدم اتّخاذ المنهج النبويّ معياراً لسلوكهم وسياساتهم، لهذا نراهم في تناحر وتخلّف مستمر. لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي: إن (عدم الالتزام والتمسّك بما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وهو: القرآن الكريم وعترته الطاهرة هو السبب في عدم تتحقق الفائدة المرجوّة من المطالبة والمناداة بالاتحاد الإسلامي. وانظروا إلى وضع المسلمين، وخصوصاً في العقدين الأخيرين، ترونه اسوأ مما مضى، بل هو إلى الوراء دوماً).

وهكذا لابدّ أن يرعوي صنّاع القرار في الدول الإسلامية ويتنبهوا إلى نبذ الطغيان واعتماد منهج اللين والرحمة والتعاون في إدارة شؤون المسلمين، مع تطبيق الأخلاق والأعراف والقوانين التي تحفظ كرامة الناس وحقوقهم من التجاوزات أيّاً كان مصدرها أو درجة خطورتها، وهذا يمكن أن يتحقّق فيما لو قرّر المسؤولون العودة إلى النبع النبويّ الشريف وسيرة أهل البيت الأطهار صلوات الله عليهم، لكي يكونوا الأسوة لنشر السلام والمحبّة ووحدة الموقف والكلمة لعموم المسلمين.