LOGIN
المقالات
alshirazi.org
دولة العدالة بين الحاكم والحكم الاستشاري
رمز 103
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 22 ديسمبر 2012
شبكة النبأ: لاشكّ أن دولة العدالة تقتضي التزاماً بالمؤسسات وفصل السلطات، وتطوير العلاقات السياسية التي تمارسها مؤسسات الدولة، على أن يتم إخضاعها إلى خطوات وإجراءات تنضبط تحت قوة وسطوة الدستور، من هنا يجب أن يكون الحكم استشاري، مع توافر الحاكم العادل الذي يؤمن بما يقول ويفعل وفقاً للضوابط والصلاحيات، بهذا المعنى لابد أن تتوافر دولة العدالة على دستور مدني متطوّر، مع حاكم ذي شخصية متطوّرة مثقّفة قادرة على تطبيق الأعمال القيادية على الواقع المجتمعي وفقاً للقانون والدستور وسقف الصلاحيات الممنوحة له.

مواصفات الحاكم الناجح
لهذا ثمّة مواصفات ينبغي أن يتحلّى بها الحاكم وأهمها تطابق الشكل والجوهر في شخصيته، وتطابق القول مع الفعل.

يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله, في هذا الصدد، في كتابه القيّم، الموسوم بـ(الحريّة في الإسلام) في هذا الخصوص: (لا يكفي للحاكم أن يقول: إنني حاكم إسلامي، بل لا بدّ أن يكون مستنداً إلى القرآن والسنّة، فما لم يؤيّده القرآن والسنّة والمعصومون سلام الله عليهم ويقولون أنه من عند الله، فهو في واقعه غير إسلامي وإن تسمّى بالإسلام).

لذا غالباً ما يتشبّث الحكّام القمعيون المتفرّدون بالسلطة بشعارات كاذبة، فحواها جميل، لكنها غير قابلة للتطبيق بسبب فساد الحكّام وحكوماتهم، لذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في كتابه نفسه: (إننا لا نسير خلف الأسماء والشعارات بل خلف الواقع).

إن الحكم الصحيح في دولة العدالة ليس وراثياً، بل قائم على الاستشارية (الديمقراطية) والانتخاب، لأن الحكم كما يقول سماحة المرجع الشيرازي: (في الإسلام لا جمهوري ولا ملكي، بالمعنى المصطلح لهما في قاموس عالم الغرب اليوم، بل استشاري، ويصحّ أن نطلق عليه هذا الاسم باعتبار الاستشارية اسم.. لـ الجمهوري، فإنه ليس الحكم في الإسلام ملكيا وراثياً).

وهكذا ينبغي أن يكون هناك تقارب بين شكل النظام السياسي في دولة العدالة وبين قدرة الحاكم على الالتزام ببنود الدستور ومعايير الدولة التي لا تنضبط سياستها إلاً حينما تحتكم للعدالة المتاتية من معايير أخلاقية وإنسانية يضبطها العمل الاستشاري، وهذا يتطلّب حاكماً ذا مواصفات معيّنة.

يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الجانب في كتابه المذكور: (مواصفات الحاكم الإسلامي: أنه رجل مؤمن، متفقّه في الدين تماماً، يعرف شؤون الدنيا، ويتحلّى بالعدالة التامة، فمتى ما توفّرت في الإنسان هذه الشروط، ورضي به أكثر الناس صار حاكماً، وإذا فقد إحدى هذه الشروط عزل عن منصبه فوراً، ولكن إذا لم ترض الأمة ببقائه رئيساً حقّ لهم تبديله إلى غيره ممن جمع الشرائط).

وينبغي أن يكون الحكم في دولة العدالة وفقاً لنظام انتخابي استشاري واضح حيث يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (إنّ في الإسلام انتخابات، واستفتاء، وإدلاء بالآراء والأصوات، ومجالس أمة وبلدية، وما شابه ذلك. فيه كل ذلك، بالنسبة إلى زماننا، زمان غيبة الإمام المهديّ عجّل الله تعالى فرجه الشريف بالصيغة الإسلامية).

وطالما لم يتمّ الالتزام بهذا الشرط الاستشاري، فإن أنظمة الحكم لا يمكن أن تكون عادلة، وان حلم دولة العدالة يبقى بعيد المنال، لاسيما إننا نعاني من الفجوة الواسعة بين ما يقوله ويفعله السياسيون، لذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على أن: (السبب فيما نراه في البلاد الإسلامية اليوم من نواقص، ومشاكل، يعود إلى أنها إسلامية بالاسم فقط، والشعار فحسب، وليس أكثر من ذلك).

الحكم الاستشاري ودولة العدالة
لهذا يجب أن تكون وظيفة الدولة لاسيما تلك التي تعلن ان الدين الإسلامي دين رسميّ لها، وطالما ان تعاليم الإسلام قريبة من الإنسانية في نهجها وفحواها لذا على الدولة لكي تكون عادلة أن تؤدّي حقوق الشعب، كما يؤكّد ذلك سماحة المرجع الشيرازي حينما يقول بكتابه نفسه: (وظيفة الحكومة الإسلامية تجاه الأمة هي حفظ العدل بين الناس، داخلاً وخارجاً، والدفاع بالحياة إلى الأمام، وتوفير الفيء، من الرزق والمال عليهم، وتعليمهم وتثقيفهم، وحفظ أمنهم واستقرارهم).

ويجب أن يكون الإصلاح على دفعات وبصورة متدرّجة كي يتم استيعابها، إذ يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي على ان: (الإسلام لا يفاجئ الأمة بإصلاحاته، وإنما يتدرّج معهم في تطبيق الإصلاحات، فأولاً يهيئ لمن يعترف بأعمالهم ما يناسبهم من أعمال، ثم يدرّ عليهم من خزينة الدولة ما يساعدهم في شؤونهم، حتى يتمّ لهم العمل الذي يريدون مزاولته، وبعد هذا، فهل يسمح أحد لنفسه ممن لا يقرّ الإسلام عمله، ولا يعترف به، أن يتمرّد على النظام الإسلامي بعد أن هيّأ الإسلام له عملاً يناسب مقامه من الأعمال الحرّة النافعة، وساعده حتى تمكّن من مزاولته بكل عزّ ورفاه؟).

ولابد أن تكون دولة العدالة ذات عمق شعبي، بمعنى انها منبثقة من الشعب عبر النظام الانتخابي الاستشاري، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي: (الحكومة في الإسلام شعبية بالمعنى الصحيح للكلمة، فماذا يريد الناس غير المشاركة في الرأي، وغير الغنى، والعلم، والحريّة، والأمن، والصحّة، والفضيلة، مما يوفّرها الإسلام خير توفير؟).

لذلك في ظل دولة العدالة التي تتم قيادتها وفق النظام الاستشاري والحاكم الناجح، سيعيش الجميع حياة كريمة مرفهة يتساوى فيها الجميع من حيث الفرص والكفاءة وتوزيع الثروات وما شابه، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الصدد في كتابه نفسه: ( ستزدهر الحياة، بجميع أبعادها وجوانبها، في ظل النظام الإسلامي العادل، فتُعمر الديار، وتُبنى الدور، وتزرع الأرض، وتتقدّم الصناعة، وتتوسّع التجارة، وتتراكم الثروة، ويستقرّ الناس في جوٍّ لا ظلم فيه ولا جور، ولا عنف ولا إرهاب، ولا قيود ولا أغلال، ولا سجن ولا تعذيب، ولا مشاكل ولا فقر، ولذا كان العمران والرقي، والمحبّة والثّقة، إبّان تطبيق الإسلام أمراً عادياً لم يجده العالم في هذا اليوم وإن كثرت فيه الوسائل).