شبكة النبأ: (على الإنسان أن يتجنب الظلم الذي يصنعه بيده لنفسه، صغيراً كان أم كبيراً) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
هناك عقابان مؤكَّدان ينالهما مرتكب الظلم، أحدهما سريع يقع على الظالم في الدنيا، والعقاب الثاني هو عقاب الله تعالى للظالم في الآخرة، ولهذا يعد الظلم ممقوتًا عند الله ويرفضه رفضا قاطعا، ويعدّه من الأمور المكروهة التي يرتكبها الإنسان ضد أخيه الإنسان أو ضد نفسه في بعض الأحيان، لهذا يجب أن يحذر البشر من ارتكاب الظلم كلَّ الحذر.
أما طبيعة العقوبة التي يتلقّاها الظالم فإنها تتركز على طبيعة المكان الذي يُرمى في الظالم، فمثلا مكان مرتكب الظلم في الغالب يكون السجن وهو مكان بائس غير مريح، فهذا المكان بالإضافة إلى أنه يقيّد حرية الإنسان ويحد من حركته وتنقّله، إلا أنه في معظم الأحيان يكون رديئا قياسا لبيت الإنسان أو مكانه خارج السجن.
لذلك فإن الله تعالى عندما يحاسب الظالمين في يوم الحساب، فإن مكانهم أسوأ الأمكنة وأكثرها بؤسا، بل هو بائس وسيّئ للغاية.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، يقول في عن الظلم والظالمين في المحاضرة القيّمة ضمن سلسلة نبراس المعرفة:
(الظلم، يعدُّ في الآخرة من أسوء الأمور التي يبغضها الله تعالى، فقد قال جلّ وعلا في ذكر مكان الظالمين ومثواهم: (وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ) سورة آل عمران، الآية 151. بمعنى أن مكان الظالمين هو مكان بائس وسيء للغاية، لا يتمناه أحد من الناس).
من هنا فإن تجنّب الوقوع في ظلم الآخرين، يجب أن يكون هدفا أساسيا في حياة كل إنسان، حتى لا يكون مصيره المكان البائس بحسب الآية القرآنية (وبئس مثوى الظالمين)، كما أن الظلم يجب أن لا يطال صغيرا أو كبيرا، قويا أو ضعيفا، فقيرا أو غنيّا، الجميع يجب أن لا نلحق بهم الظلم من أي نوع ومن أية درجة، فالجميع تصونهم الأحكام الشرعية والقوانين الوضعية والأعراف الاجتماعية والأخلاقية.
بيت الظالم خراب
لهذا ليست هناك موجبات لوقوع الظلم على الناس سواء من مدير أو رب العمل، والمؤسسة، والمنظمة، والمدرسة والجامعة، وأية مؤسسة تُقاد بواسطة مدير أو رئيس له صلاحيات يستطيع من خلالها أن يُلحق الظلم والضرر بالآخرين العاملين معه أو تحت أمرته، لماذا لأن القول المعروف يؤكد بأن (الحكم القائم على الظلم لا يدوم)، والرئاسة والقيادة من أي نوع كانت، لا يمكن أن تدوم إذا كانت تقوم على الظلم، كما أن بيت الظالم خراب.
كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(لذا ينبغي لكل إنسان أن يسعى إلى سعادة الدنيا والآخرة من خلال تجنّبه الوقوع في هذا المكان البائس، فلا يظلم ظلماً صغيراً ولا كبيراً، ولا يتلبّس بأيّ ظلم.)
في الحقيقة إلحاق الظلم بالناس غالبا ما يكون قرار فردي، بمعنى عندما يكون الإنسان ذا منصب حساس في دائرة أو مؤسسة أو دولة ذات حجم كبير أو صغير جغرافيا وبشريا، فإنه يجب أن لا يطلق العنان لنفسه التي قد تدفعه إلى ظلم الناس لأتفه الأسباب، بل وأحيانا تكون الأسباب حقيقية وتستثير معارضة الناس وثورتهم، كأن يكون الحاكم فاسدا أو سارقا أو مختلسا أو يفضل حزبه ونفسه وعائلته وأقاربه على مصالح الناس.
هذه كلها أفعال ظالمة، تؤدي بالنتيجة إلى التجاوز على حقوق الناس، وتقلب حياتهم إلى جحيم، حيث يعانون من الحرمان والجوع والمرض بسبب سوء قيادة الدولة من قبل الحاكم، ولكي يقمع اعتراضات الناس عليهم، يذهب إلى إلحاق الظلم الفادح بهم، كما حدث في العراق وبعض الدول العربية والإسلامية وحتى الأجنبية.
من هنا فإن أي إنسان مطالَب أن يتخذ قراره الخاص والحازم، على مقارعة الظلم، وعدم الانسياق وراء من يحرضه على الظلم، لأن العواقب تقع أولا على من يأمر بالظلم كالحكام أو يرتكبه بنفسه كبعض الأفراد الأقوياء وذوي النفوذ والمال والجاه.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(على الإنسان أن يتخذ قراره وأن يعزم على أن لا يظلم أحداً ولا يتلبس بظلم إطلاقاً، فإن القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أشارت أن عواقب الظالمين الوخيمة التي تلاقيهم في الدنيا وتصيبهم في الآخرة).
ليس هناك ما يقابل سوء الظلم من حيث قسوته وقباحته، فالظلم فعل قبيح في كل المعايير، وقد يكون أقبح الأفعال قاطبة، لدرجة أن أئمة أهل البيت عليهم السلام يدعون إلى التعاون مع الظلم حتى لو كان ينوي أو يباشر فعلا في بناء مسجد للعبادة والصلاة وتجمع المسلمين، حتى هذا الفعل الذي يعد من الأعمال المباركة غير مرغوب معاونة الظالم عليه.
وهذا دليل قاطع على أن الله تعالى لا يقبل من الظالم حتى هذا العمل الصالح، لأن الظالم لا يستحق أن تؤيده في أعماله كونه سبق وأن ألحق الظلم بالآخرين، لهذا هو ليس محل ثقة الناس، ولا يجوز التعاون معه طالما بقي ظالما في أفعاله وقراراته.
ترك ظلم الناس إلى الأبد
وإذا عرفنا بوجود عشرات الروايات والأحاديث الشريفة التي تحث على بناء المساجد ودور العبادة، وترفض من الإنسان الظالم أن يقوم بذلك، فهذا يبيّن بشكل واضح وجلي بأن الظلم لا يمكن قبوله أو التغاضي عنه، وأن التقارب مع الظالمين في أية درجة أو نوع يعني تشجيعه على الظلم، لهذا فحتى بناء المسجد غير مقبول من الظلم.
علما أن هناك بعض الظالمين يقومون بمثل هذه الخطوة (يسعون لبناء جامع) ولكن هذا الفعل غير مقبول منهم، فالأجدى لهم والأحرى بهم أن يعالجوا قرارات الظلم التي يلحقونها بالناس، وهو أمر معروف عن بعض الحكام الظالمين، بل حتى بعض المدراء والرؤساء الأقل درجة في المسؤولية لا يتورعون عن ظلم الناس، وفي نفس الوقت يلجأ إلى بناء مسجد، لكن هذا العمل لا ينسجم مع سياساته وقراراته وأفعاله الظالمة.
سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يوضح هذه النقطة فيقول:
(أنظر إلی الظلم كم هو قبيح وذميم وسيء في منطق القرآن الكريم ومنطق أهل البيت (عليهم السلام) الذين هم عِدل القرآن ـ بحيث يأمر الإمام أصحابه بعدم مساعدة الظالمين وإعانتهم على بناء المساجد، مع أن بناء مسجد فيه ثواب عظيم، وهناك عشرات الأحاديث الشريفة تدعو وتؤكد على بناء المساجد).
في الحقيقة لا يجوز للظالم أن يلوم أحدا سوى نفسه على سوء العاقبة التي لحقت به، فالسبب هو ظلمه للآخرين، لأنه طالما تسبب للناس بالمشاكل، وتجاوز عليهم وعلى حقوقهم، وحوّل حياتهم نحو البؤس والعذاب، لهذا سوف يجد الحساب بانتظاره يوم الحساب، في حين كان عليه أن يعالج هذه القضية عندما كانت فرصة التصحيح متاحة له في الدنيا.
هذا الدرس يجب أن يفهمه الجميع، حتى يتعلموا كيفية تجنب إيقاع الظلم بالآخرين، بغض النظر عن كونهم كبار أو صغار، فالمهم أن لا تؤذي البشر أولا وأخيرا.
يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله:
(إن الظالمين هم من صنعوا العذاب لأنفسهم وهم من ظلموا الآخرين في الدنيا وأخذوا منهم الفرص وفرضوا عليهم العذاب والمشاكل، فما أصبرهم على العذاب الذي صنعوه بأيديهم لأنفسهم. من هنا يلزم على الإنسان أن يتجنب الظلم الذي يصنعه بيده لنفسه، صغيراً كان أم كبيراً).
مصير الظالم معروف سلفًا، فهو سوف يقبع في أكثر الأمكنة بؤسا وعذابا، ولا مصير آخر بانتظاره، فطالما هو موجود في الدنيا عليه أن يتجنب ظلم الناس، وإذا قام بذلك سابقا أو حاضرا، عليه أن يبادر فورا إلى معالجة هذا الفعل الخطير على مصيره، وذلك أولا أن يكف عن الظلم فورا، ويحاول أن يرضي من ظلمهم ويعوضهم ويكف عن الظلم فورا وإلى الأبد.