شبكة النبأ: كما هو الحال مع المصلحين الكبار، والمراجع العظام، يبذل سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، جهوداً كبيرة ومتواصلة، من أجل إصلاح النفوس، وبثّ روح الإيمان بين جموع المسلمين، في سعي متواصل ودؤوب لسماحته، من أجل تحسين الحياة الفردية والجماعية لعموم المسلمين، بما يتماشى مع روح العصر، مع حماية الإنسان من الوقوع في مزالق الدنيا الكثيرة، وإغراءاتها التي لا تحدّها حدود، لاسيما أن وسائل العصر الراهن وميادينه المختلفة، تستدعي استعداداً جيّداً لتحصين الذات من الانخراط في مهاوي الانحراف، ومدّ شخصية الإنسان بالمزايا الإيمانية التي تحميه من الزلل.
شهر شعبان فرصة للجميع
يبقى الإنسان بحاجة إلى التوجيه، وتطوير قابلية استقباله للأفكار الجيّدة على نحو دائم، والسبب أن الابتعاد عن جادة الصواب، تقود النفس إلى الانحراف، ويأتي شهر شعبان المبارك فرصة للجميع، من أجل تدعيم المستوى الأماني لدى الإنسان ورفعه إلى أعلى درجة ممكنة، والسبب كما ذكرنا أن غالبية الناس، يبقون بحاجة إلى تغذية الروح بالمبادئ والتوجيهات والأفكار العظيمة التي تحميهم من الوقوع أسرى متطلبات ورغبات النفس، لذلك ينتهز الكثير من المسلمين فرصة شهر شعبان لتقوية المزايا الإيمانية لديهم، ويعملوا على إشاعة روح المحبّة والعفو والتسامح بينهم، وإطفاء دوافع الحقد والفتنة والعداوات في قلوبهم.
يقول سماحة المرجع الشيرازي في كلمة توجيهية لعدد من الزوّار الكرام الذين كانوا في حضرته مؤخّراً: (ينبغي للمؤمنين والمؤمنات كافّة أن ينتهزوا أيام شهر شعبان المعظّم، بأن يعملوا على قلع جذور الحقد والفتنة والعداء من القلوب، وأن يسعوا في تقوية ما هو صالح واتّخاذ المسامحة والبرّ مسلكاً، وأن يزيدوا من أعمال البر والصالحات، فشهر شعبان خير فرصة للتقرّب إلى الله تعإلى وإلى أهل البيت صلوات الله عليهم).
وهكذا لابد للمسلم الحقيقي أن يثبت سلامة نهجه الإنساني، من خلال أعماله تجاه الآخرين وتجاه نفسه أيضاً، ولكن ينبغي أن يتقدّم حق الآخر في التراحم والتكافل والتعاون وقضاء الحاجات، وما إلى ذلك من الأمور والأعمال التي تؤكّد انتماء الإنسان إلى الاسلام، ليس بالقول وحده، ولا بنطق الشهادة وحدها، أو إقامة الفرائض المطلوبة، ولكن يجب أن يرافق إقامة كل هذه الأمور أعمال الخير التي تتمثل - كما يؤكد المرجع الشيرازي- ببث روح التعاون بين الجميع ونبذ الفتنة والغيبة، ونشر المحبّة بين الجميع، لكي يعيش المجتمع في حالة من الانسجام النفسي والقيمي، تجعله قادراً على الإبداع والإنتاج والاستقرار والتطوّر.
فكر أهل البيت عليهم السلام
إن كل ما تحدّثنا عنه من مزايا وشواهد تمنح الإنسان سلامة الشخصية والفكر والعمل، سنجدها حتما في فكر أئمة أهل البيت عليهم السلام أجمعين، حيث المحبّة والإخاء والتراحم، وبذل ما يكفي من أجل الآخرين، والتفكير بمصالحهم قبل مصلحة النفس، أو بالمستوى نفسه، حيث لا تفضيل للذات على الآخر، وهذا جلّ ما يطمح إليه الإسلام، وكذلك التعاليم الإنسانية العظيمة التي يشتمل عليها فكر أهل البيت عليهم السلام، كما يرد ذلك في حياتهم وسيرة كل منهم مجتمعة، ولكن في حقيقة الأمر هناك قصور في إبانة هذا الفكر الإسلامي الإنساني العظيم، منه متعمَّد وآخر غير مقصود بسبب الإهمال أو الكسل وما إلى ذلك، لذا لابد أن يطلع الجميع على هذا الفكر، من أجل معرفة فحواة وتمثّله والسير في هدْيه.
فقد أكّد سماحة المرجع الشيرازي في توجيهاته قائلاً: (إنّ العالم اليوم بعيد عن أهل البيت سلام الله عليهم، لأنّه لا يعرف عنهم شيئاً. فمسؤولية كلّ واحد منكم، بالأخص أهل العلم والمثقّفين، هي أن تسعوا إلى تعريف فكر وثقافة أهل البيت سلام الله عليهم، وعرضهما على الناس في أرجاء المعمورة. فالعقلاء من الناس عندما تقوم لهم الحجّة وتثبت لهم البيّنة يتّبعون الحقّ. وقد جاء في الحديث الشريف عن الإمام الرضا سلام الله عليه: إنّ الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتّبعونا).
إذن هناك تقصير من لدن المعنيّين في توصيل فكر ومبادئ أهل البيت عليهم السلام إلى الآخرين، ولعل قول الإمام الرضا عليه السلام بالغ الوضوح، فحين يعلم الناس محاسن كلام أهل البيت عليهم السلام، حتماً سيتبعونه في علاقاتهم وفي أمور حياتهم المختلفة، ولكن الجهل بهذا الفكر، تجعله معتّماً عليه، ولا يعرفه الآخرون، فكيف يتبعونه وهم يجهلونه؟ هنا تكمن أهمية تسليط الضوء على هذا الفكر الإسلامي الإنساني الخالد.
الصفح عن الناس
وقد نهل سماحة المرجع الشيرازي من هذا الفكر العظيم كثيراً، لذا نجد سماحته يوجّه الزائرين الكرام ببعض الوصايا الكبيرة في معناها وتأثيرها، ومنها (التواضع) هذه المفردة التي تبدو صغيرة للرائي، ولكنها عظيمة وكبيرة في معناها ومفعولها وتأثيرها في تحسين حياة الناس نحو الأفضل دائماً، كذلك هناك وصية السعي وعدم التكاسل، فالسعي في الأعمال الصحيحة، وفي مساعدة الآخرين من ذوي الحاجة، يساعد كثيراً في تقوية العلاقات الإنسانية بين الناس وتزداد لحمة المجتمع التصاقاً وتواصلاً، وتظهر بوادر القيم الخلاّقة لدى الجميع، فتسهم هذه القيم في زيادة رقي المجتمع وتطوره، كذلك هناك وصية الصفح أو العفو عن الآخرين، حتى لو أساؤوا لك، حيث يعدّ العفو من أروع خصال الإنسان الذي سيكون محبوباً من قبل الجميع، بسبب مراعاته لهم وصفحه عن أخطائهم التي يرتكبونها بحقّه.
لذلك أوصى سماحة المرجع الشيرازي الزائرين الكرام قائلاً لهم: (ثلاثة أُمور توجب لكم التوفيق في الدنيا والآخرة، وهي:
التواضع: فكلّما تواضع الإنسان، زاد توفيقه وكثر محبّوه.
السعي: على الإنسان أن يسعى بقدر إمكانه لهداية الناس.
الصفح عن الناس: ولنا في ذلك برسول الله وأهل بيته صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين أُسوة وقدوة).
وهكذا تشكّل هذه الثلاثية من الوصايا الرائعة، منظومة عمل ترتفع بروح الإنسان ونظرته إلى نفسه والآخرين، كما أنها تعمّق القيم التي تساعد على حفظ الحقوق المتبادلة، وتقرّب بين الناس وتقلّل أو تقضي على الفوارق مهما كانت أسبابها أو نوعها، وتسهم في بناء مجتمع إسلامي إنساني نموذجي، وهو هدف الإسلام الدائم.