LOGIN
المقالات
alshirazi.org
ماذا تعلَّمَ المسلمون من الحسين (ع)؟
رمز 526
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 5 سبتمبر 2020
شبكة النبأ: (إن الإمام الحسين سلام الله عليه هو باب رحمة الله الواسعة) سماحة المرجع الشيرازي

لكل أمة عظماؤها، تقتدي بهم وتسير في هديهم، وتتخذ من أفكارهم ومبادئهم سبلا للتطوّر والنهوض ومنافسة الأمم الأخرى لحيازة التسلسل الأعلى في سلَّم الارتقاء، قِيَماً وأخلاقاً وتطوراً ومنجزات، والإمام الحسين عليه السلام ثائر أمة الإسلام الأعظم، لم يقف متفرجا على استفحال التفسّخ والمجون، ولم يقف مكتوف الأيدي أمام الاستهتار الأموي ممثلا بطيش يزيد الفاسد.

نهض الحسين عليه السلام وخرج محتجا على انتهاك قيمة العدالة، وانتعاش الظلم، والسير بالإسلام وقيمه وتعاليمه نحو هاوية الانحراف، فحين تغيب العدالة يضمر معها كل القيم العظيمة التي تحفظ للأمة كرامتها، وتصون الإنسان من الذل والهوان، وتحمي القيم من السقوط في فخ معادلة الترهيب والترغيب التي دأب يزيد وكل الطغاة قديما وحديثا على الاحتماء بها حفاظا على السلطة ومغانمها.

العدالة هي الصوت الأعلى الذي أطلقه الإمام الحسين عليه السلام، معلناً رفضه لظلم يزيد، مطالبا بإعادة القيم الإسلامية إلى سابق عهدها، وإلى رفعتها، وإلى دورها الحاسم في بناء الإنسان العادل الفعّال، وحين ينهض الإمام الثائر لن يعيقه عائق عن أداء رسالته، وعن استرجاع وهج الرسالة النبوية وإيقاد جذوتها من جديد لتأخذ بقلوب المسلمين إلى الجادة الصواب.

سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، قال في إحدى محاضراته العاشورائية القيّمة:

(إن الإمام الحسين صلوات الله عليه كان يهدف بثورته إلى بسط العدالة).

العدالة إذن هي الهدف الأعظم للنهضة الحسينية، فإن ساد العدل، سادت القيم الفاضلة وساندت بعضها بعضا، وبُنِيَ الإنسان المكتمل، وازدهرت الأمة العادلة، وشمخت النفوس بأصحابها، وتخلَّصت القلوب من أدرانها، وتجمّلت العقول بأنوارها، وبذلك تحقّقت عدالة الإمام الحسين التي وجدَ فيها شرطا حاسما من شروط إنقاذ الأمة من أخطائها ومساوئ طغاتها.

صعود نجم الأمة وارتقائها في سلّم التقدم، كان ولا يزال مرتهنا بالعدالة التي نادى بها الإمام الحسين عليه السلام، مما يعني أن معارضة هذا الصوت المنادي بالعدالة، يعني بالنتيجة معادة للعدالة وانحدارا لها في حضيض التخلف والظلم، فنستنتج من ذلك بأن كل من يرفض الخط الحسيني المنادي بالعدالة، فهو يقف بالضد من الفكر الحسيني ومبادئه، وبالتالي فهو يرفض ارتقاء الأمة.

لذلك ليس مقبولا معارضة النهضة الحسينية، لأن المعارض يعلن بذلك رفضه للعدالة، ويقف بالضد من القيم التي ترتقي بالإنسان وتصون كرامته، وهكذا نصل إلى الاستنتاج الذي ينص على أن كل من يقف بالضد من مبادئ الحسين عليه السلام، إنما يقف في الحقيقة إلى جانب الخطيئة بكل مسمياتها ومعانيها.

التحذير من النهج الخطير

(إن كل من يعارض طريق الإمام الحسين سلام الله عليه, بقصد كان أم بغير ذلك, فإنه يلقى جزاء عمله في الدنيا قبل الآخرة). هذا ما أكّده سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله)، وهو بمثابة التحذير من هذا النهج الخطير، فكل من يضع نفسه وقدراته في الصف المناهض للفكر الحسيني، إنما يعلن بذلك جهارا نهارا وقوفه إلى جانب الظلم ضد العدل!!

العكس تماما سوف نحصده كأفرادِ أو كأمة متكاملة، فحين نؤمن بشكل متكامل (قلباً وقالباً) بالفكر الحسيني وثقافة عاشوراء وبنود النهضة الحسينية ومبادئها، إنما يعني ذلك وقوفنا إلى صف العدالة ودعمها بكل ما نمتلك، ماديا ومعنويا وفكريا، وهو موقف لا يثبت عليه إلا أصحاب الدرجات الرفيعة، أولئك الذين تقودهم قلوبهم البيضاء النقية وأرواحهم الكبيرة إلى الدرجات العليا من التوفيق الربّاني في دنياهم وآخرتهم.

كم على الإنسان أن يحترس إذن؟؟، الاحتراس مِمَّ، الاحتراس من التخاذل أمام القلب الضعيف، والنفس المدنسة بأدران الدنيا، فهذه تقود الإنسان إلى ما لا يحمد عقباه، وأسوأ ما في هذه النتيجة أن الإنسان يخضع لنفسه الوضيعة ويعارض العدالة الحسينية وينعق مع الناعقين بمعاداة الفكر الحسيني.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظلّه) يوضّح النتائج بجلاء حين يقول:

(إذا سرنا علي نهج الإمام الحسين سلام الله عليه فسننال الدرجات الرفيعة، وإذا ابتعدنا قليلاً والعياذ بالله عن ذلك فإن العاقبة ستكون بالعكس تماماً).

هناك من لا يستطيع الربط بين الرضوان الإلهي وبين الانتصار لمنهج الإمام الحسين عليه السلام، فإن أردت أن تكسب محبة الله لك، عليك أن ترضي الإمام الحسين، فليس جديدا أن نقول إنه سبط الرسول المزكّى، وليس جديدا أن نخطّ الحديث الشريف: (حسينٌ منّي وأنا من حسين)، فإذا كان الحسين من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله، ألا يعلم الذين يعارضون الحسين، ما هي منزلة الرسول عند الله تعالى؟؟

إنهم يعرفون هذه المنزلة الإلهة حتما، ولكنهم يتخاذلون أمام نفوسهم وقلوبهم الضعيفة، وبهذا يقصّرون بحق الإمام الحسين عليه السلام فيخسرون، ولو كانوا يعلمون حجم خسارتهم هذه لما أقدموا قيد أنملة على معارضة الفكر الحسيني لأنها سوف تسبب الغضب الإلهي عليهم.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(إن أقلّ تقصير بحقّ الإمام الحسين سلام الله عليه يكون سبباً لغضب الله تعالي, وعاقبته الخسران في الدنيا والآخرة).

الفكر الحسيني وإضعاف النزعة العنصرية

في واقعنا الإسلامي، في الدول الإسلامية، وحتى من يقيم في دول أخرى من المسلمين، نحن في حاجة قصوى إلى العدالة، لاسيما في هذه المرحلة التي تنتعش فيها العنصرية عالميا، وينهض التمايز العرقي والديني بصورة متصاعدة ومخيفة، إننا كمسلمين نحتاج العدالة التي نادى بها الإمام الحسين عليه السالم، والعالم كلّه اليوم يحتاج بقوة إلى امتصاص التمايز العنصري.

النهضة الحسينية سبيل المسلمين والعالم كله إلى إضعاف هذه النزعة العنصرية التي صعقت العالم وجعلته أكثر توترا، فإن آمنا وعملنا بمبادئ الفكر الحسيني القائم على قيمة العدالة أولا، سوف تنطفئ جذوة العنصرية وتتضاءل، ويسود محلّها المساواة والاستقرار النفسي والتصالح المعنوي بين بني البشر.

هذا يدعو الجميع إلى الإخلاص للنهضة الحسينية، والعمل في هذا الاتجاه بصفاء وإيمان وإرادة صادقة، نحن يجب أن ندعم الفكر الحسيني بما يتوفر لدينا من وسائل وأدوات وأساليب، وعلينا أن نستفيد من هذا الفكر ومن النهضة الحسينية ومبادئها، من خلال العمل المخلص في طريق الحسين عليه السلام، وعدم التقصير في أي شيء مساند يمكننا القيام به.

سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:

(أوصي إخواني الذين يقيمون الشعائر الحسينية بأمرين، الأول: تعلّم الإخلاص في العمل من الإمام الحسين سلام الله عليه. والثاني: عدم التقصير بحقّ الإمام الحسين سلام الله عليه, سواء بالمال أو القلم أو اللسان, وغير ذلك).

يوجد من يقول بأنه لا يعرف الفكر الحسيني ولا مبادئه، وليس مهما أن يكون صاحب هذا الكلام صادقا أم لا، المهم هو ما ينبغي على العلماء والخطباء والمصلحين القيام به لملء هذا الفراغ، الإمام الحسين خرج لبسط العدالة، وهذا هو منهج الحق الذي يجب علينا أن نقف معه، ونبينه للجميع، فكتمان الحق يعني خذلانا للحسين عليه السلام، وتضييعا لفرص النهوض والتقدم، العلماء والخطباء هم الأولى بالتصدي لهذه المهمة، وعليهم أن يوضحّوا للعالم ماذا يريد الحسين عليه السلام؟

من أهم مبادرات النهضة الحسينية (تبيين الحقّ وترك كتمان الحق. وهذا الأمر يضاعف مسؤولية العلماء وأهل العلم، لأنه إذا صلح العلماء صلح الناس، وإذا فسد العلماء فسد الناس وفسد دينهم). هذا ما أوضحهُ سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله).

وهو توضيح يدفعنا للتساؤل دائما، ماذا تعلّمنا من الإمام الحسين عليه السلام، وماذا طبقنا مما تعلمناه منه في حياتنا، هل واقعنا ينمُّ عن أننا فهمنا ما مطلوب منا؟؟ وهل طبقنا ذلك في واقعنا وحياتنا كي نكون من الأمم العادلة المتقدمة، هذا هو السؤال الأهم الذي يبقى بشكل دائم إلى إجابة شافية، وفي ضوئها علينا أن نصحح واقع المجتمع الإسلامي والعالمي أيضا!