LOGIN
المقالات
alshirazi.org
مزايا الحكم في التأريخ الإسلامي المشرق
رمز 52
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 12 أبريل 2012
الحكم هو إدارة شؤون الناس بما يحفظ حقوقهم وحريّاتهم ويضمن أداء واجباتهم حيال الدولة التي ينتمون إليها، وفي حالة فشل الحكم (الحكومات وحكّامها) في ضمان حقوق وحريّات المجتمع، فإن الأسباب تتمثل بتفضيل مصلحة الحاكم وأتباعه على مصلحة الفرد والشعب عموماً، لذلك لكل حكم وحكومة مزايا ونواقص، تتمثل المزايا بنجاح الحكومة في إدارة أمور المجتمع، أما النواقص فتقود إلى الظلم والقمع والتجاوز على حقوق الأفراد لصالح الحاكم.
القائد السياسي النموذج
لقد كانت أمة الإسلام بحاجة إلى القائد السياسي الإصلاحي النموذجي، وتمثّل في بادئ الأمر، بشخصية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله, حيث الامتلاك الشامل والكامل لجميع الملكات والصفات التي تجعل من شخصيته نموذجية، لهذا يمثّل درساً عظيماً لكل الحكّام والحكومات الإسلامية وسواها، من خلال تميّزه بالتسامح والعفو والتوجيه والتنبيه والنصح والحرص على المسلمين، وترك حريّة الخيار لعقل الفرد في تحقيق ما يصبو إليه من مسار، لهذا صار النبي الأكرم قائداً نموذجياً يستقطب الجميع حوله من خلال مزاياه العظيمة، لذلك نقرأ في كتاب (عبق المرجعية) أقوالاً إيضاحية لسماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله عن دور الحاكم الإسلامي ومزاياه وحرصه الكبير كما نلاحظ في بعض التساؤلات التي يطرحها سماحته: (هل رأيتم مثيلاً لسلوك نبينا صلى الله عليه وآله في التاريخ، يحاربه قومه مع ما يعرفونه من صدقه وأمانته ونبله وكرم أخلاقه، بمختلف أنواع الحروب القاسية، ويطردونه من موطنه ومسقط رأسه، ثم يتركهم أحراراً، وما يختارون من دين وطريقة حياة!).
وهكذا كان الحاكم الإسلامي لا يمارس دوراً قمعياً متعالياً مع شعبه، بل هو دور توجيهي تربوي إسلامي، يحرص على مصلحة الآخر قبل مصلحة الذات أو المقرّبين، كما يحصل في حكومات اليوم، حيث الحاكم يقدّم مصالحه ومنافعه وذويه وبطانته، على مصالح شعبه، ناهيك عن عمليات القسر والإجبار التي يتعرّض لها الناس، من خلال فرض الخيارات ومصادرة الحريّات وما شابه، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص في الكتاب نفسه: (كان الرسول صلى الله عليه وآله يهدي قومه وينصحهم، ويوضّح لهم طريق الرشد ويميّزه عن طريق الغي، ثم يترك الاختيار لهم).
الحرية خيار وحق مكفول
لهذا كان الجميع أحراراً في خياراتهم، مع توضيح المسارات السليمة لكي يكون الاختيار الفردي والجماعي صحيحاً، بمعنى في غياب الإجبار هناك مساعدة على الاختيار السليم، ويبقى الأمر في جميع الأحوال تابعاً لحرية الاختيار، ولا إجبار على فكر أو هدف محدّد، وهذا ما جعل الحكومة الإسلامية وتعاليم الدين الإسلامي، تتقدّم على التعاليم والأفكار الأخرى في إنسانيتها، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (لقد ردّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله عشرات الحروب والاعتداءات التي شنّها أهل الكتاب، دون أن يجبر أحداً منهم على الإسلام).
ومما يؤكد حرية الاختيار الفكري أو سواه في تعاليم الإسلام، أن أحداً من الكفّار لم يُجبر على اعتناق الإسلام مطلقاً، إذ يذكر لنا سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا المجال: (لم يسجّل لنا التاريخ حالة واحدة، أجبر فيها رسول الله صلى الله عليه وآله ذميّاً على اعتناق الإسلام، والتاريخ حافل بسيرة المصطفى صلى الله عليه وآله, سجّل وحفظ الدقائق عن حياته).
حق المعارضة العلنية
وكان القادة العظام لأمة الإسلام حريصين على حفظ حق المعارضة، ولدينا النموذج العظيم في هذا المجال وهو الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه, فلا يتم الاكتفاء بعدم انتهاج القسر والإجبار، بل يحرص الحاكم الإسلامي على معرفة معارضيه وآرائهم وأسباب معارضتهم له، ليؤكد بأن منهج المعارضة للحاكم وحكومته مكفول في النهج الإسلامي، كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الجانب: (لقد بايعت الأكثرية المطلقة من الناس الإمام عليّ صلوات الله عليه, ومع ذلك يصعد المنبر ليبحث إن كان هناك معارض له، وما هو سبب معارضته، هل تجدون لهذا نظيراً في التاريخ؟).
وهذا الاسلوب الرائع في الحكم يساعد على بناء أواصر الثقة المطلقة بين الحاكم والمحكوم، حيث تسود لغة التفاهم والتقارب بينهما، ويظهر الحرص المتبادل، والمحبّة والصفاء الذي يحكم العلاقة بين الطرفين، فتقل المشكلات الاجتماعية والسياسية إلى أدنى مستوياتها، بسبب حالة الوضوح في الرؤى المتبادلة بين الطرفين وتصاعد الحرص المتبادل، ناهيك عن عدم خوف الحاكم والحكومة من مواطنيها، فكل يؤدي دوره إزاء الآخر بما يؤكد القيام بالواجب المطلوب، ولهذا كانت الحكومات الإسلامية مستقرة وذات إعمار طويلة، كما يؤكد سماحة المرجع الشيرازي ذلك قائلاً بهذا الخصوص: (نرى الحكومات الإسلامية حقيقة كانت تعمر طويلاً، وذلك للحبّ المتبادل بين الأمة وبين الحكومة، ولم يكن الرئيس يحتاج يوماً ما إلى أمن واستخبارات وحرس وما شابه حتى يحميه من الناس).
إن المظاهر المسلّحة التي تكتظ بها المدن والشوارع والساحات، دليل على ضعف الحكومات، لا سيما مواكب المسؤولين، حيث ترافقهم عشرات السيارات ومئات أو آلاف الجنود بأسلحتهم وعدّتهم الكاملة، لحماية الحاكم أو أحد أتباعه، وهي حالة أصبحت سائدة ومنبوذة في وقت واحد، كما أنها دليل على خوف الحاكم من شعبه.
أما الحكومة التي تعمل لصالح الشعب كما يرى الإسلام، والحاكم الذي يأتي لخدمة الشعب قبل نفسه، فإنه محروس من قبل شعبه، والسبب هو حفظ حقوق الناس ومصالحهم، ومنها بل وأهمها تقديم الضمان الاجتماعي الذي يحمي كرامة الإنسان، وهذا ما حقّقته الحكومة الإسلامية بعد أن غاب الفقر تماماً عن دولة الإسلام، كما ذكرت لنا كتب التأريخ عن حكومة الإمام عليّ صلوات الله عليه, لهذا يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً: (لم ير التأريخ قبل الإسلام، ولم تسجّل الحضارات بعد الإسلام، حتى اليوم ضماناً اجتماعياً، بعمق الضمان الاجتماعي في الإسلام).