شبكة النبأ: (طبيعي أن تختلف واجبات المرأة عن واجبات الرجل بسبب اختلاف طبيعتهما) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله
كل شيء في الكون خُلق من قطبين متساوييْن، أحدهما يكمّل الآخر وإن اختلفا في طبيعتهما، ومن الأمثلة على ذلك الرجل والمرأة، فهما لا يتشابهان من حيث التكوين جسداً أو طبائع، لكن كلاهما يكمّل الآخر، فالرجل ينحاز إلى العقل في القرارات والسلوكيات المخالفة، بينما المرأة تميل إلى العاطفة، وهذا لا يعني وجود تناقض بين الاثنين، بل وجود تكامل وتعاضد بالجمع بين قدراتهما ومؤهلاتهما.
وانطلاقا من ثنائية العقل/ العاطفة، وثنائية الرجل/ المرأة، فإن الحياة كلّها تقوم على هذين القطبين، العقل والعاطفة، فإن غاب العقل على سبيل المثال من تنظيم الشؤون الحياتية المختلفة، فإن حياة الناس كلها ستكون في مهب الريح، وتعمها الفوضى، لذلك فإن العقل هو من ينظّم حياة الناس ويجعلها بعيدة عن الارتباك والتضارب، ويمنع عنها الفوضى بكل أشكالها.
أما العاطفة فلا يقل دورها عن دور العقل، لأن تدبير شؤون الناس وعلاقاتهم ونشاطاتهم المختلفة، لا يمكن تنظيمه وإدامته في غياب العاطفة، فحين يكون العقل (جافا، حازما، حاسما)، فإن جانب اللطف في العلاقات والقرارات والتعاملات الإنسانية، يكون من مهمة العاطفة، فتتوازن حياة المجتمع بين قطبيّ العقل والعاطفة، فلا قسوة العقل بشكل تام ولا تراخي العاطفة لدرجة التسيّب.
سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله) يقول في كتاب (من عبق المرجعية) عن حالة التوازن العقلي العاطفي:
(الحياة مزيج من العقل والعاطفة، فإن الحياة لا تبنى بالعقل وحده ولا بالعاطفة وحدها، فلو أن الحياة سلب منها العقل عادت فوضى لا نظام فيها).
كلا القطبين، العقل و العاطفة، تقوم عليهما الحياة وعلاقات البشرية، ليس بمعنى التناقض الظاهر في اللفظ، بل بمعنى التكامل، فأحدهما يكمّل الآخر ولا يتصادم معه، وإن اختلف عنه من حيث المعنى والتكوين، وهذا يعني بالنتيجة أن العقل والعاطفة يجب أن يكونا متآزريْن متكاملين وليس متصادمين، لأن التضاد الفعلي بين العقل والعاطفة يؤدي إلى تدمير الإنسان الفرد أو المجتمع.
لذلك فإن الحياة البشرية قامت على قطبين أحدهما يكمّل الآخر، وهما الرجل والمرأة، ومتى ما انتفت حالة التكامل بين الاثنين، سوف يؤول الإنسان الفرد والمجتمع إلى التدمير، يحدث هذا بدءاً من خلية الأسرة، فإن لم تتوازن العلاقة بين الزوج والزوجة، فإن الأسرة سوف تبقى تحت مطرقة التفكك.
الرجل والمرأة قطبان مكمّلان لبعضهما
لا مشكلة في التناقض بين العقل والعاطفة من حيث طبيعة كل منهما، فمن الممكن أن يتعاضدا وإن كانت المرأة تميل إلى السلوك والقرار العاطفي، ويميل الرجل إلى ترجيح كفة العقل في جميع سلوكياته وقراراته، يجب أن يبقى هذا القطبان الرئيسان في بناء المجتمع، على تفاهم وتقارب وانسجام، لأن الحياة نفسها تتطلف علاقة متناسقة ومتآزرة بين العقل والعاطفة.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(مثل المرأة والرجل في الحياة كمثل العاطفة والعقل، ولا يعني ذلك أن المرأة عاطفة بلا عقل، وأن الرجل عقل بلا عاطفة، بل بمعنى أن المرأة كيان عاطفي تترجح فيه كفّة تأثير العاطفة، خلافاً للرجل، في الغالب، فهو كيان يتغلّب فيه العقل على العاطفة).
تبعا للاختلاف بين طبيعة الرجل وطبيعة المرأة، فإن واجبات كل منهما تكون مختلفة حتما، فمن غير الصحيح أن توكل أعمال الرجل (الشاقة) إلى المرأة وتوكل أعمال المرأة الخفيفة إلى الرجل، وعدم الصحة في هذا التبادل بالأدوار لا يعود لنقص ما في أحدهما، وإنما هي طبيعة المرأة الجسمانية التي لا تؤهلها لتحمل الأعمال الشاقة، ويضرب لنا سماحة المرجع الشيرازي مثلا عن دور الرجل والمرأة، بالعظم والغضروف الموجودان بالجسد.
فإذا اعتبرنا الجسد هو (الحياة)، فإن العظم هو الرجل، وأن الغضروف هو المرأة، ولا تضارب في عمل كل منهما بالنسبة للجسد الذي يحتاج الاثنين، ولكن للعظم واجبه الذي يختلف قطعا عن واجب الغضروف في الجسد، فالأخير يتسم بالنعومة فيما يتسم العظم بالقوة والخشونة، ولكن كلاهما مهمّان لديمومة الجسد، إما في حال أردنا المساواة بين عمل الغضروف والعظم، فإن هذه الأمر سوف يؤدي إلى إصابة الجسد بالشلل، وهذا يُلحق الضرر بالجميع.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(من الطبيعي أن تختلف واجبات المرأة عن واجبات الرجل بسبب الاختلاف الموجود في طبيعتهما، كما تختلف واجبات الغضروف عن العظم في بدن الإنسان، حيث استقامة البدن بالعظم، وحركته بالغضروف، ولو أردت أن تساوي بينهما فمعناه أنك شللت البدن).
إذا لا مجال للتعامل مع المرأة على أنها تحمل نفس القدرات التكوينية العضلية للرجل، لكنها في ذات الوقت لها دورها الرئيس المكمل لدور الرجل في إدامة عجلة الحياة، وتسريع مسارها نحو الأفضل، سواءً على مستوى الأسرة أو على مستوى المجتمع ككل، وهذا يتطلب مراعاة قدرات المرأة حينما نسند إليها عملا ما، فيجب أن يتوافق مع قدرتها ولا يصح أن تُسنَد لها أدوار تنطوي على مشقّة أو خشونة.
كيف نستثمر دور المرأة في البناء؟
وفي حال عدم التنبّه لهذه النقطة، والخلط بين دور المرأة والرجل من حيث طبيعة المهام المسنودة لها، فإننا في هذه الحالة نضيّع جهود الاثنين، فلا نستفيد من جهود المرأة في بناء الأسرة والمجتمع، ولا نستفيد من جهود الرجل في هذا المضمار، والسبب واضح تماما، لذلك فإن الأصوات التي تدعو لمساواة مهام الراجل بالمرأة، ودفعها للانخراط في الأعمال الشاقة لا يجدي ولا ينفع أحداً.
يقول سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله):
(لو أردت أن تساوي بين المرأة والرجل في كل الأمور، تكون كمن يحمّل أطناناً من الحديد في سيارة صغيرة، ويحمّل الشاحنات الكبيرة بضعة كيلوات من أجهزة دقيقة، فلا السيارة الصغيرة ستكون قادرة على حمل تلك الأطنان، ولا الشاحنات تستفيد منها بالوجه الصحيح).
ما يحدث من شلل في حياة بعض المجتمعات، فإنه يعود إلى عدم مراعاة هذه النقطة، ونقصد بها معادلة التوازن لإدامة وتنمية وتطوير صيرورة الحياة، فلا فائدة من الزج بالنساء في المعامل الثقيلة، ولا يجوز إلهاء الرجال وهدر طاقاتهم الكبيرة، في أعمال منزلية سهلة تناسب قدرات المرأة العضلية.
الأدوار معروفة وواضحة، كل من الرجل والمرأة له دوره في الأسرة وفي المجتمع، وهي أدوار يمكن أن تكون مكملة لبعضها، ويمكن أن تكون عكس ذلك، لكن في جميع الأحوال يجب الاعتراف بدور المرأة في البناء، على أن تراعي في ذلك أن يكون مناسبا لطبيعتها، فهي الغضروف اللين الذي يساند العظم الخشن، في أداء الجسم لمهامه بطريقة جيدة، كي لا يُصاب بالشلل.
سماحة المرجع الشيرازي (دام ظله) يقول:
(إذا أردنا أن نُدْخل النساء المعامل الثقيلة أو نسكّن الرجال البيوت للقيام بالمهام المنزلية، فكلا الفرضين شلل للحياة، والدليل على ذلك ما نلاحظه في الحياة الغربية، فمن أين جاءت هذه المشاكل مع أن البشر هم البشر، والرجل هو الرجل، والمرأة هي المرأة؟ الجواب: لأن واجبات المرأة أخذت منها وحوّلت إلى واجبات الرجل، وواجبات الرجل أخذت منه وأعطيت للمرأة).
هكذا تكون عملية التوازن في البناء المجتمعي، لا تقتصر على الرجل وحده، ولا على المرأة وحدها، الاثنان يتشاركان العمل والنشاط والبناء التربوي وسواه، في الأسرة والمجتمع، مع أهمية مراعاة طبيعة كل منهما، وبما يتناسب مع الإمكان والمؤهلات الجسدية والفكرية والعلمية وغيرها.