LOGIN
المقالات
alshirazi.org
القائد السياسي الإسلامي بين الأمس واليوم
رمز 56
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 3 مايو 2012
القائد السياسي عبارة عن مجموعة من الأخلاقيات والقيم التي يؤمن بها، ويطبّقها في عمله القيادي وحياته عموماً، منها حرصه على ثروات الشعب وتعليمه وترفيهه والصعود بمستوى حياته إلى الأفضل دائماً، وكلما كانت هذه القيم أقرب إلى الخير والصلاح، كلما كان أداؤه القيادي سليماً وعادلاً ومفيداً لجميع الناس، والعكس يصحّ بطبيعة الحال، في الحكومات الإسلامية المعاصرة هناك خلل واضح في القيادة، إذ يمكن التمييز بين أداء الحاكم الإسلامي المعاصر والحاكم الإسلامي في صدر الرسالة، فقد كانت القيم العظيمة تحكم اولئك القادة، ولهذا السبب حقّقوا الإنجازات المشهودة في تأريخ الدولة الإسلامية.

الاطلاع على التأريخ

إن القول بفشل الحاكم الإسلامي اليوم يستند إلى أدلة قاطعة، قوامها الواقع المؤلم والمؤسف لعموم المسلمين، حيث يقبع المسلمون اليوم في مراتع الجهل والتخلّف وضياع الحقوق، مقابل حكومات وحكّام لا يهمهم من الدنيا سوى الحفاظ على مناصبهم ومصالحهم وبطانتهم، فيكنزون المال ويشترون العقارات داخل وخارج بلدانهم تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات، في حين يرزح تحت خط الفقر والجهل، مئات الملايين من المسلمين، من دون أن يفكّر الحاكم الإسلامي بواجبه تجاههم، لهذا يدعو سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في إحدى محاضراته القيّمة إلى قراءة التاريخ قائلاً: (اقرأوا التاريخ ولاحظوا سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين عليّ صلوات الله عليه وتاريخ أهل البيت عليهم السلام، فإنه بالمقدار الذي كان لهم الأمر، واتيحت لهم الفرصة، ماذا صنعوا؟ كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه أكبر حاكم على وجه الأرض، وكان يحكم أكبر دولة على وجه البسيطة في ذلك اليوم، ولكنه لما استشهد عليه السلام كان مديوناً، فهل سمعتم بحاكم وزعيم يموت مديوناً؟!).

وعندما يموت الحاكم الإسلامي مديوناً، مع أنه يحكم أكبر دوله في العالم في حينها، فإن هذا الأمر يشكّل دليلاً قاطعاً على عظمة هذا الحاكم، كما نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد حول حكومة الإمام عليّ عليه السلام: (إن رئيس أكبر حكومة على وجه الأرض، الإمام عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه يموت مديوناً وليس عنده شيء، ولذلك ظل الإمام الحسن صلوات الله عليه مدّة مديدة وهو يسدّد ديون الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه, وهذا كان شأن رسول الله صلى الله عليه وآله، أيضاً، فقد كانت تأتيه الملايين ويوزّعها ثم لما حضرته الوفاة قال: يا عليّ أنت قاضي ديْني. حيث توفّي رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مديون, وكانت درعه مرهونة.. وهذا أشهر من أن يذكر) ويضيف سماحة المرجع الشيرازي قائلاً: (إن هذه الأمور بحاجة إلى تأمّل، وعلينا أن نقتدي بهؤلاء الأطهار عليهم السلام).

العفو وحرية الاختيار

ومن خصال الحاكم الإسلامي الناجح قدرته على العفو عن ألد أعدائه، وهي حالة قلّما وجدناها لدى حكّام اليوم، حيث القتل والبطش والإعدام الذي يطول المعارضين لأتفه الأسباب، كما حدث مثلاً في حالة اعدام كل من يسبّ شخص الرئيس (الطاغية صدام)، لذا يتساءل سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال بالمحاضرة نفسها قائلاً: (هل رأيتم مثيلاً لسلوك نبيّنا صلّى الله عليه وآله في التاريخ، يحاربه قومه مع ما يعرفونه من صدقه وأمانته، ونبله وكرم أخلاقه، بمختلف أنواع الحروب القاسية، ويطردونه من موطنه، ومسقط رأسه، ثم يتركهم أحراراً، وما يختارون من دين وطريقة حياة!).

وكان مبدأ حرية الاختيار من السمات والخصال العظيمة للقائد الإسلامي، فليس هناك قسرية ولا إجبار، بل هناك فكر ومبادئ وإقناع، وحرية تامة في الخيارات المتاحة، كما نلاحظ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (كان الرسول صلى الله عليه وآله يهدي قومه وينصحهم، ويوضّح لهم طريق الرشد، ويميّزه عن طريق الغي، ثم يترك الاختيار لهم).

أما بخصوص حرية اختيار الدين أو الفكر أو المعتقد، فإن الإنسان حرّ في ذلك، وليس هناك قسرية ولا إجبار مطلقاً، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في السياق نفسه: (لقد ردّ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله عشرات الحروب والاعتداءات التي شنّها أهل الكتاب، دون أن يجبر أحداً منهم على الإسلام). وهذا تحديداً ما تنقله لنا وثائق التاريخ، فإذا كان التعامل مع الآخر يتم بهذه الطريقة المتحضرة، فمن المؤكد أن التعامل نفسه يتم مع الجميع، وهكذا تتوافر خصال العفو والحكمة والرحمة واحترام الحريات في شخص الحاكم الإسلامي قديماً، ترى هل يتمتع حكّام اليوم المسلمون بالمزايا نفسها؟؟

واجب مقاومة الطغاة

لذلك على المسلمين أن يقاوموا الحكّام الطغاة وحكوماتهم الغاشمة، بشتى السبل والوسائل المتاحة، وأن لا ييأسوا من صعوبة الطريق ومشاقه، لأن النصر مكفول لمن يسعى إلى إعادة الأمور صوب نصابها، وهذا هو ما ينبغي أن يعمل عليه الجميع، إذا لم يرتدع القادة الفاسدون، ولم تستجب الحكومات الفاسدة لمطالب الشعوب المشروعة، لذلك يحثّنا سماحة المرجع الشيرازي قائلاً بهذا الخصوص: (لا ينبغي على المؤمنين والمؤمنات، أن يتزلزل إيمانهم من خلال ما نشاهده هذه الأيام، وعلى مرّ التاريخ من أحداث توجب إخافة بعض المؤمنين، بل عليهم أن يراجعوا القرآن الكريم ويقرؤوه ويتدبّروا آياته ليروا أية مواقف نصر الله تعالى فيها المسلمون وكيف نصرهم؟!).

لذا فإن تغيير الأمور نحو الأفضل هو واجب جميع المسلمين والمؤمنين، خاصة إذا كانت الحكومات موغلة في إهمالها لجميع فئات الشعب وبالأخص البسطاء والضعفاء منهم، في حين تبقى منشغلة في مصالحها التي غالباً ما تأتي على حساب مصالح الرعية، وإذا توكّل المسلمون المؤمنون على ربّهم، وسعوا بجدية وإخلاص نحو أهدافهم في نيل الحرية والحقوق المشروعة، فإن الله تعالى سيكون عوناً لهم، ويحدث هذا الأمر خارج الحسابات المادية والعقلية المتعارف عليها، أي سينتصر المسلمون حتى لو بدا لهم النصر بعيداً أو مستحيلاً بسبب بطش الحكومات وبغي الحكّام، كما نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (لقد نصر الله المسلمين في مواقف كان النصر فيها يبدو مستحيلاً بالحسابات العقلية، ومع ذلك كتب الله لهم النصر، ومن تلك المواقف وأهمها معركة الأحزاب).