LOGIN
المقالات
alshirazi.org
الحريّة جوهر الحياة الإنسانية الكريمة
رمز 61
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 31 مايو 2012
شبكة النبأ: لقد ناضلت البشرية طويلاً من أجل الخلاص من استعباد الناس بعضهم لبعض، لاسيما ما تعرّض له الأفارقة السود أبّان الموجات الاستعبادية الكبيرة التي تمثّلت بتجارة الرقيق، وبيع وشراء البشر على نحو يهين كرامة الإنسان ووجوده ومكانته التي أعلى الله تعالى من شأنها كثيراً، وقد كانت الجزيرة العربية قبل الإسلام تعجّ بظاهرة الاستعباد بأشكاله المتعدّدة، الأمر الذي حرّمه الإسلام بصورة قاطعة بعد البعثة النبويّة الشريفة، وبهذا تكون التعاليم الإسلامية قد وضعت حدّاً لمصادرة حرية الإنسان وصون كرامته.

الإسلام والحريّة

ولعل القول الذي يدلّ على حرية الإسلام يأتي من باب التأكيد ليس أكثر، لأن جميع الدلائل التأريخية وحتى عصرنا الراهن أثبتت بما لا يقبل الشك، أن الإسلام فكراً وعملاً هو دين الحريّة، مع عدم السماح قطعاً بالتعرّض للأفكار أو الآراء أو المعتقدات الاُخرى أيّاً كان مسارها وتوجّهها الفكري أو الديني.

فقد جاءت الجملة المركّزة المختصرة في كتاب (من عبق المرجعية) على لسان سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله لتؤكد هذا المضمون إذ يقول سماحته في هذه الجملة: (الإسلام وحده دين الحريّة).

ولعلنا يمكن أن نلاحظ في كثير من الطروحات والنظريات الفكرية جملة من التناقضات التي تعصف بالفكر عندما يتعلّق الأمر بتطبيقه على الأرض، وهذا التناقض لابدّ أن يشكّل عقبة واضحة بسبب عدم حالة عدم التوازن بين الفكر وتحويله إلى عمل ملموس، أما في الإسلام فإن سهولة مبادئه وتعاليمه واقترابها من روح الإنسان وطبائعه تجعل منه الدين الجامع للفكر والعمل، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي حينما يؤكد في الكتاب المذكور نفسه أن: (الإسلام دين الحريّات، مبدأً وشعاراً وواقعاً وعملاً).

ولكل دين أو نظرية أو فكر جانب تنظيري يدعمه التطبيق، ويؤكّد صحّته من عدمها، وهكذا الحال بالنسبة للدين الإسلامي، فهناك مبادئ واضحة وتعاليم ثرية وسهلة التنفيذ، ومطلوب أن يتحوّل الجانب النظري إلى عمل، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (هناك حريّتان موجودتان في الإسلام، حريّة الفكر حيث يقول تعالى: (لا إكراه في الدين), وحريّة العمل: للقاعدة المسلّمة لدى الفقهاء: الناس مسلّطون على أنفسهم).

لا إكراه في الدين

وتؤكّد هذه الآية القرآنية الشريفة، على جوهر الإسلام، وتثبت بما لا يدع مجالاً للشكّ بأن الحريّة هي جوهر الإسلام أيضاً، ليس في القول الذي يفتقر للتطبيق، بل يأتي مضمون الآية ليؤكّد أن الحياة برمّتها بما تنطوي عليه من أنشطة متعدّدة، تتوزّع على الجانبين الفكري والنظري، محكومة بهذا المبدأ العظيم، الذي يتيح لقدرات الإنسان ومواهبه وإبداعاته بالظهور إلى العلن بحريّة كاملة، ليسهم الناس جميعاً في بناء الحياة الإنسانية اللائقة، لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً: لقد (التزم الإسلام بمبدأ -لا إكراه في الدين- في مختلف مجالات الحياة).

وغالباً ما تحتاج الأفكار إلى تجارب فعلية ملموسة تؤكّدها وتزيدها رسوخاً في الواقع، فحين نقول أن الإسلام لا يجبر الآخرين على انتهاج فكر أو مبدأ محدّد، قد يبدو هذا القول كلمات مجرّدة لا أكثر، ولكن حين يكون أعلى قائد إسلامي لأعظم دولة في تأريخ البشرية ألا وهي الدولة الإسلامية في عهد الرسول صلى الله عليه وآله, فحين يكون هذا القائد هو أوّل من يطبّق المضمون الفكري للمبادئ الإسلامية، فهذا دليل قاطع على اقتران المبدأ الإسلامي بالعمل الفعلي، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص: (لم يقتل النبي صلى الله عليه وآله أحداً من المشركين بسبب عدم إسلامه، ولا أجبر أحداً على الإسلام، بل تركهم على دينهم، مع أنه باطل وخرافي، لكي لا يسلبهم حريّة الفكر والدين).

وطالما أن النموذج هنا هو القائد الأعلى للدولة الإسلامية، فمن باب أولى أن الفكر الإسلامي يهدف أولاً وأخيراً إلى تحرير الإنسان من كل العوارض والعقبات التي تحدّ من إبداعه وحريّته، ولهذا ليست هناك فوارق بين مسلم وغيره، حتى عندما كان الإسلام في أوجه وأوائل ظهوره، حيث كان الرسول صلى الله عليه وآله يتمتّع بعلاقات نموذجية مع أناس مسيحيين ويهود، من دون أن تفرض هذه الصداقة شروطاً على أولئك الناس غير المسلمين، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (كان لرسول الله صلى الله عليه وآله الصديق المسيحي، والجار اليهودي، دون أن يجبر أحداً منهم على الإسلام، مع أنه كان الحاكم الأعلى في الجزيرة العربية، وكان بيده السيف والمال والقوّة الكافية).

قدسية حريّة الرأي

ولكي تترسخ قيمة الرأي وحريّة الناس في قول ما يريدون قوله، فقد أصبحت هذه القضية على درجة عالية من الأهمية بالنسبة للإسلام، حيث تصل إلى درجة التقديس، بمعنى أن رأي الإنسان غير خاضع للقيود، وهذا المبدأ ينطوي على القدسية وعدم المساس به، تحت أية ذريعة كانت، باستثناء ما يلحق الضرر بالآخر، يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (حريّة الرأي في نظام الله وقانون الإسلام، أكثر تقديساً حتى من الشهادتين، فالإسلام يريد أن يجعل الناس أحراراً) ويضيف سماحته قائلاً أيضاً في الكتاب المذكور نفسه: (يقول لك الإسلام، اعمل ما تشاء، فلك حريّة العمل، شريطة ألاّ تضرّ غيرك).

ولكن ما جاء به الإسلام تمن وجيهات وإرشادات فهي لصالح الإنسان نفسه، وهو حرّ في قبولها والعمل بها من دون إكراه، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا الصدد: (لا ضغط ولا جبر ولا إكراه ولا كبت للحريّة في الإسلام، ولكن ثمة توجيهات وارشادات تبيّن لك السلوك الأحسن) ويضيف سماحته أيضاً ليؤكّد جوهر الحريّة في الإسلام: (لا يقول لك الإسلام أين تسكن؟، وأين تذهب؟، بل يقول لك إنّ الله خلقك، وهو الذي أعطاك الفكر والعقل، فلا تكن عبد غيرك).

ولذلك فإن الحريّة التي يعنيها الإسلام ويعلنها على الجميع هي حريّة من طراز خاص، عجز العالم أجمع عن تحقيقها حتى اللحظة، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: إنّ (الحريّة التي يمنحها الإسلام في مختلف المجالات، ليس لها نظير، ولا شيء يقرب منها في تاريخ العالم، حتى في هذا اليوم المسمى بعصر الحريّات).