LOGIN
المقالات
alshirazi.org
أخلاقيات التغيير.. اللين
رمز 187
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 6 أبريل 2014
حيدر الجراح

شبكة النبأ: لا يستطيع الإنسان العيش بمعزل عن الآخرين من بني جنسه، فضرورات الحياة تتطلب منه أن يتفاعل معهم، ويتفاعلوا معه، بغضّ النظر عن طبيعة تصرفاتهم وسلوكهم، والذي كثيراً ما يكون متفاوتاً بالمقدار والكيفية بين إنسان وآخر.

صنّف الباحثون في علوم النفس شخصيات الإنسان إلى عدّة أنماط، منها:

الشخص الودود - الشخص المتردّد - الشخص العنيد - الشخص الخشن - الشخص الثرثار - الشخص البارد والبطيء - الشخص المعارض - الشخص الذي يريد المعرفة - الشخص المتعالي - الشخص المتطلّب - الشخص الباحث عن الأخطاء.

كل شخصية من هذه الشخصيات تحتاج إلى طريقة خاصّة من طرق التعامل معها، لكن بالمقابل لا يستطيع كل إنسان يتعامل مع هذه الأنماط أن يكون ملمّاً وعارفاً ومطّلعاً على تلك الطرق. فما هي الطريقة المثلى للتعامل مع الجميع بطريقة واحدة، توفّر علينا الجهد والوقت، وتجعلنا نكون قريبين من هؤلاء الأشخاص؟

إنّها (اللين) أو لين العريكة، التي يؤكّد عليها الإمام زين العابدين عليه السلام في دعائه المشهور (مكارم الأخلاق) والذي يتناوله بالشرح والتفسير المرجع الديني الكبير سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، في كتابه: (حلية الصالحين).

لين العريكة كما يشرح المرجع الشيرازي، تعني (النفس والخلق، والمستفاد من استعمالاتها في الروايات طبيعة المعاشرة مع الآخرين؛ لأنّ العرك هو الدلك والتحمّل).

ولين العريكة التي يؤكّد عليها الدعاء، ويؤكّد عليها الإسلام، ويؤكّد عليها أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، هي أن يكون الإنسان المؤمن (سلس الخُلق في المعاشرة مع الناس).

اللين فضيلة أخلاقية، تنقسم من حيث التوفّر عليها إلى قسمين، كما يرى المرجع الشيرازي، فهي إما (أن تكون بالطبع)، وهو ما جبل عليه الإنسان، وإمّا (بالتطبّع)، وهو (الأخذ والاكتساب)، وفي هذه الحالة يجب على الإنسان (أن يروّض ويحمّل نفسه عليها ويتصنّعها حتى يكتسبها).

ترويض النفس على اكتساب اللين، يتبع نيّة الإنسان في الوصول إلى هذه الفضيلة، ومن يفتقد للنيّة، أو يكون في درجات أدنى من التقوى والصلاح، يكون (كالصخرة التي يصعب التأثير فيها)، على العكس من الإنسان الآخر الذي يتوفّر على النيّة الصادقة لاكتساب تلك الفضيلة، والذي يكون في الدرجات العليا من التقوى والصلاح فهو من هذه الجهة (كالماء يأخذ شكل كلّ شيء يحتويه). وهو ما يعرف بعلوم الفيزياء بالأواني المستطرقة. حيث يتوزّع الماء على جميع أشكالها بصورة متساوية، كالشخص اللين العريكة الذي يستطيع التعايش والتعامل مع جميع الناس رغم اختلاف أنماط شخصياتهم.

الانتقال من شدّة العريكة، إلى لينها، عملية صعبة كما يعترف يقول ذلك سماحة المرجع الشيرازي، لكنه بالمقابل يوجّه وينصح بـ(الرياضة والتطبّع ليتّصف بالفضائل في الأقوال والأفعال، في السرّاء والضرّاء، والشباب والشيوخ، والسفر والحضر، مع الأهل والجيران والأصدقاء بل حتى مع الأعداء).

ورغم صعوبة الاكتساب وصقل الذات، لا بدّ للإنسان المؤمن من ذلك، ولا بديل له عن إنجاز هذه المهمّة الضرورية؛ والسبب كما يرى سماحة المرجع الشيرازي (لأنّ كلّ إنسان تواجهه في الحياة عقبات وصعوبات قد يشيب الطفل من بعضها، ولكن لا بدّ له من تجاوزها لئلاّ يتحسّر على عدم التحمّل في يوم لا ينفع فيه حسرة ولا ندم).

وهذه الحسرة التي يشير إليها سماحة المرجع الشيرازي، سببها (عدم مضاعفة المؤمنين لجهودهم في الإكثار من العمل الصالح في الحياة الدنيا ليزدادوا إلى أجرهم أجراً، لذا فإنّ واحداً من مسمّيات يوم القيامة هو يوم الحسرة والندامة).

والحسرة في ذلك اليوم لا يمكن تداركها لانقطاع العمل بحلول الأجل، على العكس من حسرات الدنيا، التي (تنتهي خلال سنة أو سنوات، ونادراً ما تستغرق العمر كلّه).

يشير سماحة المرجع الشيرازي في معرض تفسيره وتحليله لفقرة اللين في الدعاء، إلى أحد الأوهام التي تسيطر على الإنسان، وهو وهم، ان اللين ضعف، والشدّة قوّة، كما درج على هذا التوهّم أغلب الناس، ويعبّر عنها بقوله (ولا ينبغي أن يتخيّل بأن الإنسان إذا كان ليّن العريكة أُكِل، أمّا إذا كان صلباً جلب احترام الناس وهيبتهم له؛ بل العكس فإنّ لين العريكة في محلّه هو الذي يجلب القوّة والاحترام، كما أن المؤمنين إذا تحلّوا بهذه الخصلة أمكنهم أيضاً أن يكونوا دعاة للدين بصورة عملية ويكونوا خير مصداق للحديث الشريف المرويّ عن الإمام الصادق سلام الله عليه: كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم).

اللين في التعامل والتوفّر على هذه الخصلة هي (من أقوى أسباب التأثير في المجتمع).