LOGIN
المقالات
alshirazi.org
زوال الدكتاتوريات الحتمي ومواجهة الفتن اللاحقة
رمز 64
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 14 يونيو 2012
شبكة النبأ: لقد انتهى عصر الاستبداد والتفرّد في الحكم، واندثرت إلى الأبد، ظاهرة سياسية مقيتة هي شخصنة الدول والاُمم والشعوب واختصارها في شخصية القائد أو الحزب الواحد، وقد أصبح هذا النمط من الحياة في خبر كان، حيث بدأت أعتى الدكتاتوريات تتهاوى من جبروتها، وأقوى العروش تتساقط تحت أقدام الثوّار، بفعل الزخم الجماهيري المتصاعد، للمطالبة بالحريّات السياسية، والحقوق المدنية التي استبيحت من لدن الحكّام الطغاة وحكومات مئات السنين، فبقيت الجماهير تقبع في اُتون الجهل والحرمان، مع اشتداد أساليب البطش الحكومي في عموم البلدان العربية والإسلامية، حتى بلغ السيل الزبى، فهبَّت الجماهير لاسترداد حقوقها المستلبة من لدن حكّام جائرين وحكومات لا شرعية متسلّطة.

الاستعداد لمواجهة الفتن

لقد تابعنا ومعنا العالم أمواج التحرّر التي اكتسحت منطقة الشرق الأوسط، وتنامت وتصاعدت وتيرتها حتى بلغت مناطق كثيرة ونائية من العالم، حيث بدأت شعلتها من تونس، ثم مصر، فليبيا، لتلهب المنطقة بأسرها، وبدأت تتساقط حكومات متجبّرة، كما حدث في تونس ومصر وليبيا واليمن، والقادم أكبر وأكثر بكثير، لذلك يقول سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، كما ورد في الكلمة التوجيهية القيّمة التي ألقاها سماحته، على جمع من فضلاء المسلمين، يقول فيها: إن (الدكتاتوريات زائلة وعلى المؤمنين أن يهبّوا لمواجهة الفتن القادمة).

إذ لا يصحّ التوقّف عند مرحلة أو نقطة زوال الدكتاتوريات والإطاحة بالأنظمة المستبدّة، لأن الهدف المطلوب لا يتحقّق بإسقاطها فقط، بل هذا هو القسم الأول من المهمة الجماهيرية الكبرى، أما القسم الثاني فهو الاستعداد الكبير من لدن جميع المعنيين والمسلمين لمواجهة موجات الفتن والشبهات التي يثيرها الأعداء لكي لا يقطف المحتجّون والجماهير الثائرة ثمار ثورتهم التي هزّت عروش الجبابرة، لذلك يحذّرنا سماحة المرجع الشيرازي قائلاً للجميع في كلمته التوجيهية نفسها: (إعلموا أنه لا شكّ، ستزول الديكتاتوريات الحالية، ولكن ستأتي بعد الدكتاتوريات مشكلة أعظم، وهي مشكلة الفتن في الدين والعقائد والأخلاق، فعلى المؤمنين أن يهبّوا لمواجهة هذه الفتن).

وهذا ما أكّده سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، في حديثه وتوجيهاته القيّمة بجمع من الفضلاء والشخصيات والمؤمنين من مختلف مناطق البلاد الإسلامية، الذين زاروا سماحته، في النصف الأول من شهر رجب الأصبّ 1433 للهجرة، في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة.

مخاطر الشبهات حول الدين

إن ردّ الفعل المتوقّع ضد الثورات الناجحة، يكمن في إثارة الفتن وإطلاق الشبهات بين المسلمين، من أجل إضعافهم وتفكيك صفوفهم التي توحّدت وتماسكت واستطاعت أن تهزّ عروش الطغيان وتلقي بالقادة المستبدّين وأنظمتهم في مزابل التاريخ، ولكن هناك خطر جسيم ينعكس من اسلوب إثارة الفتن ونشر الشبهات حول الدين، يتمثّل بإضعاف الإيمان في نفوس المسلمين، والتقليل من شأنهم وشأن الإسلام، وصولاً إلى أهداف واضحة تستهدف تحطيم المعنويات وسرقة ثمار الثورات التي أطاحت برموز الاستبداد، وتتمحور هذه الشبهات حول قضايا دينية وعقائدية وأخلاقية أيضاً، حيث تحاول أو تجتهد مصادر تلك الفتن، كثيرا لكي تهزّ قناعات المسلمين لاسيما الشباب منهم، وذلك لنشر الفساد والرذيلة وتقليل الإيمان وإضعافه بل إطفائه كليّاً في نفوس الشاب خاصة، ثم مواجهة الناس لأمواج هائلة ومتتالية من هذه الفتن والشبهات، لذا يذكّرنا سماحة المرجع الشيرازي بهذا الأمر الخطير، ويحذّر الجميع منه، لكي يكونوا على استعداد للمواجهة، فيقول سماحته في هذا الصدد: (إن الشبهات تقتل الإيمان وتضعّفه في نفوس الناس، وهذا ما خطّط له الأعداء لعصرنا الحالي وللمستقبل، فسيواجه الناس أمواجاً من الشبهات والفتن والفساد العقائدي والخُلُقي، بالأخصّ ألوف الشبهات التي سيروّجونها ويثيرونها حول الدين).

وهكذا بدا الأمر واضحاً، حيث الصراع يدور الآن بين قوى الخير ممثّلة بالجماهير المنتفضة على حكوماتها المستبدّة، وبين تلك الحكومات التي تمثل جانب الشر، لهذا يتطلب الأمر استعداداً كبيراً ومتواصلاً لفضح هذه الأساليب ووأد الفتن في مهدها، ورصّ صفوف المسلمين مع بعضها، لكي تحافظ على النتائج الباهرة التي تحقّقت للناس.

دور الإعلام والمثقفين

حيث يؤكد سماحة المرجع الشيرازي أن الاعلام القوي والصحيح معنيّ بقوّة في خوض الصراع ضد مصادر الفتن والشبهات، حيث يأخذ الإعلام على عاتقه دور المراقبة والمتابعة والتفسير والتوضيح، ثم فضح الأساليب المعادية وتوضيح أهدافها وأجنداتها ومن يقف وراءها، على أن يتم استخدام جميع وسائل الإعلام بما فيها الفضائيات والصحف والإذاعات والكتب وسواها، في إنجاز هذا الدور الأساسي لمواجهة الجهد المعادي، يضاف إلى ذلك دور المثقّفين في هذا المجال وتوظيف قدراتهم كافّة لمقارعة المكائد وكشفها للجميع، وهكذا يتضح أن الجهد مشترك بين الجميع, والأهم الإعلام والمثقفين، كما نقرأ في قول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (يجب على المؤمنين كافّة، بالأخصّ الناشطين في المجال الإعلامي والعلمي والثقافي والتبليغي، أن يشمّروا عن سواعدهم، من ساعتهم هذه، لمواجهة الشبهات والفتن القادمة ودحضها بموجات مليارية، عبر الملايين من الفضائيات، وعبر التعبئة العلمية الشاملة، ومنها، وهي الأهم والأكثر ضرورة، تربية أجيالنا وشبابنا وتشجيعهم على دراسة العلوم الدينية، بالأخصّ أجيال وشباب الثانويات والجامعات، والمعارف والأقارب والأصدقاء والجيران).

ولا يتوقّف الأمر على جهة دون غيرها أو فرد دون غيره، لأن جسامة المهمة وكبر حجمها تستوجب مساهمة الجميع في الاشتراك بمواجهتها، إذ يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في كلمته التوجيهية قائلاً: (يجب على الجميع أن يتحلّوا بالنشاط والاستمرارية بالعمل، وأن يبذلوا أقصى جهودهم، وأن يخلصوا لله تعالى ولأهل البيت صلوات الله عليهم، وأن يلتزموا بالأخلاق الحسنة، مهما واجهوا من مشاكل ومصاعب وأذى).