LOGIN
المقالات
alshirazi.org
القائد الإسلامي ورعاية مصالح الشعب
رمز 66
العلامات
نسخة للطبع ينسخ رابط قصير ‏ - 21 يونيو 2012
شبكة النبأ: الشخصية القيادية لها تأثيرها الكبير في إدارة شؤون الناس والدولة معاً، ولا ينحصر هذا الأمر في الأنظمة الفردية أو اللاديمقراطية، بل حتى في الأنظمة التي تتمسّك بالانتخابات طريقاً لها لتداول السلطة، أي الأنظمة الاستشارية (الديمقراطية) فإن طبيعة الشخصية القيادية وصفاتها وأفكارها وسلوكها، تترك بصمتها في الدولة من حيث التطوّر في السياسة والاقتصاد والتعليم وما شابه، صحيح لأن النظام الديمقراطي تحكمه مؤسسات الدولة، وهناك صلاحيات دستورية محدّدة للقائد يدير شؤون الدولة وفقاً لها، ولكن تبقى خصوصية الشخصية القيادية وطبيعتها حاضرة في القرارات التي تصدر عن القائد السياسي في هذا المجال أو ذاك.

حضور الجانب الإنساني

لذلك دائماً هناك حس شخصي للقيادة، يشبه تقديرات القضاة في تهمة أو قضية معيّنة، إذ ليس هناك معايير دقيقة للبت في هذا الأمر أو ذاك، لذا فالقائد السياسي له تأثيره الكبير في الآخرين تبعاً لحسّه الإنساني وقدراته على تحكّمه بأهوائه ورغباته وميوله النفسية أو سواها، لذا ينبغي حضور الجانب الإنساني في شخصية القائد، كونه يشكّل دافعاً مهماً لخدمة الدولة والمجتمع.

في كتاب (من عبق المرجعية) يؤكد سماحة المرجع الديني آية الله العظمى السيد صادق الحسني الشيرازي دام ظله، قائلاً في هذا المضمار: (إحدى خصال الإمام عليّ سلام الله عليه خاصة في فترة خلافته، تعاطفه مع الناس، ويتجلّى تعاطفه مع أفقر الناس من خلال عمله).

إذن فقضية تعاطف القائد مع الناس عموماً، والفقراء منهم على وجه الخصوص، تشكّل بصمة خاصة يتصف فيها هذا القائد أو ذاك، وهي لا ريب تصب في صالح الطرفين الحاكم والمحكوم، وتؤكد بما لايقبل الشك، أن القائد الإنساني لا يفضّل نفسه على شعبه، ولا تهمه مصالحه أو منافعه أكثر من شعبه، ولا يسمح قط للسلطة أن تؤثّر عليه، بل هو دائماً من يتفوّق على سحر السلطة فيزهد بها وبالحياة المترفة إذا كانت على حساب الشعب، من هذه الرؤية الإنسانية العميقة ينطلق الإمام علي عليه السلام وهو القائد الأعلى للدولة الإسلامية، إذ يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً في هذا الخصوص بالكتاب المذكور نفسه: (لم يضع الإمام عليّ سلام الله عليه حجراً على حجر، ولم يسكن قصراً فارهاً، بل تحمّل كل المصاعب والآلام لئلا يكون هناك فرد في أقصى نقاط دولته يتبيّع بفقره لا يجد حتى وجبة غذاء واحدة تسدّ رمقه).

السلوك القيادي في الحرب

لا يقتصر الجانب الإنساني للقائد على إدارة شؤون الحياة في السلم فقط، بل تظهر صفات القائد ونزوعه الإنساني حتى في حالة الحرب، ويتعامل مع عدوه وفق الضوابط التي تحترم كرامة الإنسان حتى لو كان عدوّاً، وهذا ما كان يتميّز به قائد الإسلام العظيم الإمام عليّ عليه السلام، لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي بهذا الخصوص في الكتاب نفسه: (كان الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه يدفع من ناهضه وبارزه بالنصح والموعظة ما أمكن, وكان يسعى للحؤول دون وقوع الحرب وإراقة الدماء، سواء عن طريق المواعظ الفردية والجماعية أو غيرها.. ولكن إذا وصل الأمر بالطرف الآخر أن يهجم ويريد القتال قام الإمام سلام الله عليه بدور الدفاع لا أكثر، ولكن ما أن يتراجع الخصم أو ينهزم حتى يتوقّف الإمام عن ملاحقته ولا يسعى للانتقام منه، وهو سلام الله عليه لم يبدأ أحداً بقتال أبداً، وهذا الأمر مشهود في تاريخ الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه).

وكانت هناك معايير إنسانية يلتزم بها القائد الإنساني في الحرب، هدفها الحفاظ على كرامة الإنسان وإنسانيته بغض النظر عن كونه عدوّاً أو صديقاً، لهذا كان قائد الدولة الإسلامية الإمام عليّ عليه السلام حريصاً على الجانب الإنساني في ذاته، لذلك لم يقم الإمام بخطوة واحدة تتجاوز على الإنسان حتى لو كان عدوّاً، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (لم يأسر الإمام عليّ سلام الله عليه من أعدائه حتى فرداً واحداً، ولا صادر أو سمح لأصحابه بمصادرة أي شيء من أموال خصم).

المساواة والزهد بالسلطة

ما نلاحظه اليوم لاسيّما لدى قادة الدول الإسلامية والعربية، تشبّثهم المستميت بالسلطة، فما أن يصل الكرسي حتى ينشدّ إليه بقوة مستميتة قد تصل إلى قمع وقتل وتشريد ونفي الصوت المعارض له، والسبب هو حبّ السلطة، بسبب امتيازاتها والجاه الذي تغدقه على القائد ناهيك عن النفوذ وما شابه، لكن هذا الأمر لم ينطلِ على الإمام عليّ عليه السلام، كما نقرأ ذلك في قول سماحة المرجع الشيرازي: (الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه رفض وفضّل أن تخرج الخلافة من قبضته...لا... بل فلتذهب الدنيا كلها ويصبح العالم كلّه ضده، ولا يتخلّى عن مبادئه). ويدعم هذا الزهد بالسلطة مساواة القائد الأعلى بين الجميع كما يقول سماحة المرجع الشيرازي: (كان الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه عادلاً في الرعية، قاسماً بالسوية، وزاهداً في حطام الدنيا). ونقرأ أيضاً مثالاً عن سياسية قائد المسلمين حيال الرعية كما أورده سماحة المرجع الشيرازي في الكتاب نفسه إذ يقول: (روي في أحوال الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه، أنه خلال الأربع سنوات وبضعة أشهر، وهي مدّة حكومته الظاهرية سلام الله عليه، حدث أمر لمرّة واحدة فقط، لم يذكر التاريخ غيره، ولا يوجد في سائر الكتب ما يشير إلى أن تلك الحادثة تكرّرت في زمان حكومة الإمام سلام الله عليه. تقول الرواية: إنه ذات يوم كان الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه يجتاز في أحد شوارع الكوفة, فرأى شخصاً يتكفّف، فقال: ما هذا؟ فأجابه بعض من لا يعرف حقيقة الإسلام، قائلاً: هذا نصراني.. قد هرم وصار لا يقوى على العمل، فهو يتسوّل!! وربما تصوّر ذلك المجيب أن الأمر يختلف عند الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، إذا كان المتسوّل غير مسلم، والحال أنه في القانون الإسلامي لا يختلف الأمر من هذه الجهة.. والناس اليوم لا يعلمون هذه القضايا، وقد لا يصدّقون بها، وسيقولون: فلماذا المسلمون اليوم ليسوا على هذه الشاكلة؟! فجعل الإمام أمير المؤمنين يلوم أصحابه على ما رأى من حال ذلك النصراني، وقال: استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه! أنفقوا عليه من بيت المال).

لذلك يؤكّد سماحة المرجع الشيرازي قائلاً: (إنّ إسلام الإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه، يعني الإسلام الصحيح؛ أي إسلام القول والعمل، وليس إسلام الاسم فقط). وهذا ما ينبغي على قادة المسلمين اليوم، الامتثال والتشبّه به، وذلك من أجل خدمة الناس على الوجه الأفضل.